«السجن مابيموتش بس الوحدة بتموت، أنا محتاج دعمكم عشان مامتش..»، آخر ماخطته يد شادي حبش خلف قضبان سجن طرة بالقاهرة، رسالة هي آخر ما تواصل بها مع العالم الخارجي قبل أن يباغته الموت داخل زنزانته في2 مايو (أيار) 2020.
موت شادي، كان بمثابة الصدمة لكثيرين، فهو لم يكمل 25 عامًا بعد (مواليد 21 أغسطس (آب) 1995)، وكان صاحب خلفية فنية رغم صغر سنه، فكان مصورًا ومخرجًا، كما أنه تعاون مع كبار الفنانين على غرار الفنانة الجزائرية «سعاد ماسي» المغنية وعازفة الجيتار.
كما حصل حبش على لقب أفضل مصور «أندرجرواند» عام 2014، بعد أن حاز أعلى نسبة تصويت ضمن الحملة الجماهيرية التي تمت على صفحة «أندرجراوند ساركازم سوسايتي»، وهي واحدة من أهم صفحات العالم الافتراضي لدعم الفن البديل.
أربع دقائق هي عمر الفيديو كليب «بلحة»، أغنية لرامي عصام وإخراج شادي حبش، والتي سخرت من السيسي، أربع دقائق كانت كافية للزّج بشادي خلف القضبان، في حملة اعتقالات طالت أيضًا خبير مواقع التواصل الاجتماعي، مصطفى جمال، المسؤول عن صفحة رامي عصام على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».
كما حكمت المحكمة العسكرية على كاتب الأغنية، جلال البحيري بالسجن ثلاث سنوات، بتهمة إهانة الجيش والرئيس، في قضية منفصلة تتعلق ببعض أعماله الأخرى
قبل وفاته بأيام، نشر على الصفحة الرسمية لشادي حبش، على «فيسبوك» تدوينة في 23 أبريل (نيسان) 2020، قالت: «للتوضيح.. شادي حبش مخرج ومصور مصري.. شادي اتقبض عليه يوم 1 مارس (آذار) 2018 بعد ما الأغنية نزلت بيومين.. شادي متقبضش عليه في المطار زي ما ناس كتير فاكرة عشان شادي مسافرش يصور الأغنية أصلًا».
وأضافت التدوينة: «شادي نزل أول جلسة نيابة يوم 5 مارس 2018، ومن ساعتها وهو يتجدد له، شادي بقاله أكتر من سنتين المفروض إنه بيتحقق معاه، بقاله أكتر من سنتين من غير حكم ولا أي حاجة.. عمره بيضيع في السجن.. اتكلموا عن شادي عشان ميتنسيش.. ادعموه عشان بيقضي تالت رمضان في السجن ظلم. شادي فنان مش مجرم ولا إرهابي».
لكن آخر وأشهر أعماله كليب «بلحة» الذي حصد أكثر من 5 ملايين مشاهدة على موقع يوتيوب، وأعقب ذلك القبض عليه، حيث وجهت له النيابة العامة اتهامات مثل «الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وازدراء الدين، وإهانة المؤسسة العسكرية».
وهي ديباجة من التهم الدارجة، اعتادت السلطات المصرية توجيهها للمعارضين، ومن يوجهون انتقادات للسيسي، (الرسول عليه الصلاة والسلام لم يغضب من أعرابي تهجم عليه بسبب تصوره أن النبي يتهكم عليه، لكن السيسي لم يتحمل فهو يرى ذاته في مرتبة أعلى من مراتب الرسل والأنبياء)، ومنذ ذلك الحين بدأ شادي يعاني من الأزمات داخل محبسه، وهو ما ظهر من خلال بعض رسائله إلى العالم.
حالة تكتم وتجاهل تبديها سلطات النظام العسكري الانقلابي الحاكم في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي تجاه وفاة شادي الذي مات في النهاية انتقامًا بسبب كليب «بلحة»، لكن الأكيد أنه قتل عمدًا وبإهمال طبيٍّ.
موت شادي حبش داخل محبسه، خلف حالة من الحزن الشديد في الأوساط السياسية والفنية والثقافية، حيث دشن صحفيون ونشطاء بارزون تدوينات وكلمات تعبر عن حجم الأسى بفجيعة فقدان المخرج الشاب.
ووجهت منظمات حقوقية طلبات إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتفقد أوضاع السجون في مصر، والسماح بزيارة خبراء الأمم المتحدة، وفي مقدمتهم المقرر الخاص المعني بمناهضة التعذيب، معبرة عن قلقها البالغ من تصاعد أعداد الوفيات داخل السجون المصرية.
ووثقت منظمات حقوقية، منها منظمة العفو الدولية «آمنستي»، وهيومن رايتس ووتش، وفاة أكثر من 800 معتقل في السجون منذ الانقلاب العسكري في يوليو (تموز) 2013.
لكن الأمر لا يتوقف عند بعض التدوينات ولا التغريدات ولا بكيل الشتائم للبعض، يتوقف على وعينا ومدى اهتمام أحدنا بالآخر، شادي لم تقتله الزنزانة فحسب ولا الوحدة ولا المرض ولا الإهمال، شادي قتلته عدم تحملنا مسؤوليتنا، صمتنا وخوفنا من الطاغية حتى تجبَّر فكان خليفة فرعون وهامان وقارون، وسمحنا لغرور الطاغية أن يبلغ مداه فأعمى صاحبه عن تذكر نهاية من سبقوه من الطواغيت والجبابرة، شادي لن يقوم أحد بعمل فيلم يمجده أو مسلسل يخلده…شادي «ابن الشعب الغلبان»، وسيخلده ضمير الشعب ووجدان الأمة وقلوب الناس البسيطة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست