لعلك عزيزي القارئ قد تابعت التسريبات الأخيرة المنسوبة لمكتب عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب، والتي كشفت عن جزء صغير من المؤامرة التي تزعمها جنرالات العسكر لوأد ثورة يناير ومكتسباتها، بداية من التخطيط للانقلاب وما تلاه من مذابح دموية لم تشهدها مصر على مر تاريخها.

كل تسريب تم نشره كفيل بمحاكمات أنظمة وإعدام رؤساء ووزراء وجنرالات بالمؤسسة العسكرية، ولكن لأننا في مصر حيث اللا دولة واللا نظام فينتهي الأمر إلى شريعة الغاب وفلسفة العبيد والأسياد، فلم يكن لتلك التسريبات صدى إلا عند هؤلاء الذين رفضوا وناهضوا الانقلاب والحكم العسكري ودفعوا وما زالوا يدفعون الثمن من قتل وتشريد واعتقال ومطاردة وتعذيب.

إن المراهنة على تغيير وعي الكتلة المؤيدة للانقلاب بإيضاح الحقيقة الغائبة عنها وإزالة كل الملوثات السمعية والبصرية التي مررها الإعلام إلى عقولهم لهو ضرب من الخيال، فالاعتقاد بأن تلك التسريبات سوف تغير من قناعتهم تجاه السيسي وعصابته مخالف للواقع المبرر لدموية النظام الحالي وإجرامه.

فالمتتبع لمن أيد الانقلاب وادعى بأنه ثورة تجده الآن يعترف بكل بجاحة أن ما حدث في 3 يوليو هو انقلاب عسكري لكنه في صالح مصر والمصريين!! – وتطور الأمر من إنكار المذابح التي ارتكبها السيسي وأشهرها رابعة والنهضة والحرس والمنصة ورمسيس وسيارة الترحيلات، إلى تأكيد حدوثها وأن من ماتوا بها يستحقون القتل والذبح فداء لمصلحة الوطن والأمن القومي.

إن كل تسريب يؤكد على خيانة جنرالات العسكر والقضاء والشرطة والنيابة يُفسر عند مؤيد الانقلاب بأنه شرف وشجاعة فالانقلاب لم يكن انقلابًا على الرئيس المنتخب، بل انقلابًا على كل المعاني والقيم، فارتكاب المذابح أصبح نصرًا كعبور أكتوبر، والقاضي المرتشي أصبح مثالاً للشرف، والإعلامي الكاذب لا يأتي الباطل من بين يديه، والراقصة أصبحت أُمًّا مثالية.

لا شيء حتى الآن استفاده مناهضو الانقلاب إلا تأكدهم أنهم على الطريق الصحيح، وأن من يحكم مصر ويتحكم فيها ماهم إلا عصابة توافرت فيها كل الصفات الشيطانية التي تنافي الفطرة الإنسانية، فيما عدا ذلك فكل تسريب مهما كانت أهميته وخطورته يتم استهلاكه لمدة 3 أيام على الأقل أو أسبوع على الأكثر، وذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات المؤيدة للشرعية، في ظل تجاهل تام من وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب.

لم تعد تجدي التسريبات، ولم يعد فضح جنرالات العسكر له من الأهمية ما يمثل صدى محليًّا أو عالميًّا، فالمجتمع الدولي يري في السيسي ونظامه الكنز الاستراتيجي الحقيقي الذي لا يضاهيه أي كنز؛ لذا فسوف يتغاضون عن مذابحه وإجرامه، فكل ذلك مبرر في سبيل تحقيق خدماتهم وإطاعتهم فيما يملون عليه من شروط، فمن يرى أو يعتقد أن شيئًا ما سوف يحدث بعد كل تسريب أو ينتظر أن تتحرك أي قوة أخرى من داخل النظام للقضاء على القوى المتحكمة يعيش في الوهم، فذرية هؤلاء الشياطين بعضها من بعض.

إن استيلاء العسكر على السلطة بالسلاح وسفكهم للدماء في سبيل استمرار امتيازاتهم سيجعلهم يواجهون مصيرهم المحتوم، والذي لن يقل بشاعة عما فعلوه وارتكبوه بأيديهم وأيدي عساكرهم في حق الشعب والأمة الإسلامية، فالدم لن يأتي بالورود، والتعذيب لن يأتي بالتسامح، فالعنف لا يولد إلا العنف، والإرهاب لن يولد سوى الإرهاب، والأيام السوداء لن تبقى سوداء على فصيل بعينه، بل سيدفع الوطن ثمنًا باهظًا، وعندها سيكون الأوان قد فات.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد