هناك رجل يعيش في إحدى قرى مصر، يعول أسرته الفقيرة، قرر ذلك الصباح أن يرحل إلى العاصمة من أجل أن يحيا حياة كريمة، وتحيا معه أسرته، وهناك فلاحة مكسيكية كانت قد قررت في نفس تلك الساعة أن تهجر ريوجراندي وتسافر إلى أمريكا لتقيم بمقاطعة هيدالجو بولاية تكساس هربًا من الجوع السافر، وهناك رجل باكستاني عنيد لم يذق شيئًا منذ يومين قرر هو الآخر أن يحزم شتاته ويصعد فوق تلال كابول، وأخيرًا قررت أسرة أفغانية كاملة في تلك الساعة العريضة أن ترحل من وجه الشمال الأفغاني فرارًا من حركة طالبان الدامية ليقيموا في ولاية كارته أرينا، هكذا أصبحت العشوائيات، حيث يعيش فقراء العالم المتحضر!
وحينما تأتي العشوائيات فإنها لا تأتي من رحم العدم؛ بل جائت من رحم الحروب والبطش والإهمال وعدوان الإنسان على الإنسان.
وبلا أي توقف أو هوادة ستشتعل أعداد العشوائيات عبر العالم في اضطراد باهظ، إذ إن هناك أكثر من 200,000 حي عشوائي ويزيد، فضلًا عن أن أعداد الحي الواحد تتزايد بضراوة مدهشة، ففي منطقة سيداد نيزا في ميكسيكو سيتي كانت تلك الضاحية المعدمة تحتوي على 100,000 شخص عام 1975، أصبحت الآن تضم أكثر من ثلاثة ملايين نسمة!
وقريبًا ومن غير شك ستنتقل العشوائيات من أطراف المدن إلى داخلها، كما انتقلت من قبل من الريف إلى الحضر، فهناك في لوس أنجلوس – العاصمة الأولى لمن هم بلا مأوى- يعيش أكثر من 100,000 بلا مأوى في الشوارع، وفي الحدائق، وعلى جنبات الطريق، وفي بحث تم في مومباي تبين أن من بين أعداد هائلة من قاطني الأرصفة أن من بين كل 97% منهم واحدا فقط هو من كاسبي العيش لكن حتي هؤلاء ممن يسكنون الأرصفة وفي بعض المدن فإنهم يدفعون ضرائب جراء مسكنهم العاري.
إن المدن العظيمة على هذا الكوكب وإن بنيت يومًا من الزجاج فعلى جوانبها العشرات مثلها ستبنى من الصفيح!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست