إذا كنت في الخمسين من عمرك فاعلم أن بعد عشر سنوات سوف يصبح عمرك ستين، هذا ليس كل شيء فذكر بديهيات الأمور له أهله، لكن ما أود قوله هنا هو أنك تحتاج عشر سنوات لتبدأ في التفكير في مستقبلك إذا ما كان حلمك هو أن تخدم وطنك وتدخل في زمرة المسؤولين.
نعم فعليك أن تكون زائد ستين. ليس لأنهم يناقشون موضوعات (+60) أي لا يجوز لمن هو تحت الستين الاطلاع عليها، ولكن لأن هناك قناعة راسخة داخل نفوس آبائنا القائمين على هذا البلد العتيق مفادها أن كل من هو دون الستين ينقصه الخبرة.
مع كل مرة يخرج فيها أحد مسؤولينا «الكبار» رافعًا الشعار التبريري المعهود «ينقصهم الخبرة» لعدم إعطاء الشباب أي فرصة يخطر ببالي سؤال: ما هو مفهومهم عن الخبرة؟! فما يعرفه شخصي المتواضع يمكن صياغته فقط في أنها الدراية بعمل ما والتمكن منه الذي يزيد بالممارسة، ولكن يومًا ما ارتفعت درجة غضبي بقدر ما ارتفعت درجة عجرفة أحد المسؤولين في حديثه متهمًا الشباب بالتواكل وعدم السعي وراء اكتساب الخبرة، لذا لا يمكن لمثل هذا الجيل أن يمسك يومًا زمام الأمور، فوجدتني بشكل لا إرادي أبحث عن تعريف كلمة الخبرة لأجدها نصًّا: «المعرفة أو المهارة التي يكتسبها الإنسان عادة من خلال المشاركة لذا تترافق كلمة الخبرة غالبًا مع كلمة تجربة».
إذًا لا مشاركة.. لا خبرة، وطالما ترى هذه الأجيال «صغيرة على الحكم» ليس فقط حكم البلاد ولكن أيضًا الحكم على الأمور وتتهمهم بالرعونة فقل لنا سيدي المسؤول من أين سيكتسبون الخبرة؟! هذا ما إذا اعتبرنا أن سبب وجودكم فوق الكراسي من خبرة -كما تتلقون عليها- هو نفسه ما نحتاج أن نعرفه. سؤال أخير دائمًا ما يراودني هل تسمح لذهنك أن تخطر به مقولة «ليت الشباب يعود يومًا» أم أنك تخشى من عودته التي ستتسبب بالضرورة في انصراف الخبرة؟!
هل الشباب فعلًا ينقصهم الخبرة؟ الإجابة وبكل ثقة.. لا. يوجد المئات بل الآلاف من الشباب الذي يقدم يوميًّا ما يدل على امتلاكه من الخبرة ما يكفي لإنقاذ هذا البلد، خبرة ممزوجة بحب البلد، أو دعني أقول خبرة في حب البلد. هذه هي الخبرة المطلوبة، خبرة خالية من كل شوائب الفساد والسرقة والإهمال والمحسوبية والظلم والخيانة. خبرة نراها خارجيًّا فيما حققته نجوى جويلي حين سنحت لها الفرصة في بلد آخر. خبرة جعلت شابًا صحفيًّا بعد تعرضه للطعن في محاولة لقتله ودخوله للمشفى لقوله كلمة حق فتجد أول ما يقوم به بعد خروجه من المشفى هو الحديث عن الإهمال والفساد داخل مستشفيات الموت، عن الصحفي أحمد جمال زيادة أتحدث. خبرة تسببت في وجود آلاف الشباب خلف القضبان وغيرهم يواريهم الثرى لكنهم أحياء بيننا. خبرة تجعل من باسم عودة «وزير الغلابة» شخصًا لا خلاف على أنه أفضل شخص عمل بهذا المنصب. لا يتغنى الشباب بهذه الخبرة لكنك تقرأها في أفعالهم.. تقرأها في كلمات فولفجانج أماديوس برولهارت «أحد سفراء سويسرا» عندما قال عن د. محمد محسوب إن أموال مبارك يمكن أن يتم استرجاعها «لو في اتنين زي محمد محسوب» كما نقلت لنا د. هبة شريف.
مع ذلك أعلم يقينًا أن الدولة لا نية لها لتمكين الشباب. لآخر لحظة يتم اختزال الموضوع في مجرد شعارات وتصريحات، ففي الخطاب الرئاسي الأخير الذي بلغت مادة الألش الفعالة فيه مستوى المادة الفعالة في الأدوية «المستوردة»، نجد في الخلفية «2016 عام الشباب» وهذا كل شيء. حدثونا عن تعيين الشباب في منصب معاون وزير، وأعلنوا عن البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، وبعد متابعة جيدة، إلى اليوم لم يتحقق سوى إطلاق اسم «2016 عام الشباب».
في حديثي هنا لم أقصد أبدًا التطاول على من يكبرونا سنًّا وتجربة وخبرة فمنهم قدوتنا وأساتذتنا، ولن تجد من الشباب من يقول مثلًا كما قالت أستاذة جميلة إسماعيل: «من أجل مصر.. أدعوا جيلي والأجيال السابقة وأنا معهم إلى رحلة نستقر بعدها في أبعد نقطة في صحراء مصر.. رحلة حتى نهاية العمر نحمل معنا فيها كل تشوهاتنا وتهتكنا وأمراض جيلنا بعيدًا عنها وعنهم». لكن ما أقصده هو إعطاء الشباب فرصةً، ودعمها بمشورة الأجيال السابقة لا أكثر. كلما قرأت في موضوع تمكين الشباب أجدني بين مئات المقترحات التي تدعو إلى إدخال قضايا الشباب وتمكينهم إلى أذهان المسؤولين وما نراه بعد كل تلك المقترحات على أرض الواقع يجعلني الآن في نهاية مقالي أقترح إخراج الشباب من زنازين عقول المسؤولين.
رجاءً.. أخرجوهم من دماغكم!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
الحكم