ما من نافذة نفتحها اليوم إلا وأزكم أنوفنا أوكسيد التفاهة والاستغباء الممنهج، لكن أن يستفحل الأمر حتى يصبح نهجًا لفِرقة محسوبة على الصحافة، تسترسل منذ مدَّة في تهشيش المجتمع، وهدم ما تبقى من بنيانه عبر تفكيك السلوك الاجتماعي والضرب العلني للقيم والأخلاق أهم مظاهر الرقي الحضاري والصلاح الاجتماعي، ودون أدنى شعور بالغضاضة تشجع أشكالًا من الانحرافات وتُسَيِّد العاهات والسفهاء، وتستميت في الدفاع عنهم وإعلاء أعلامهم على حساب الكفاءات و الشرفاء، وفي غياب تام لأدنى هامش من المروءة والحياء يؤلبون ويكيدون المكائد لإخوانهم كعملاء المستعمر، يجهرون بالتحريض والإيقاع بالناس، ببغض الآخر ورفض الحق في الاختلاف، وإسكات كلّ صوت لا يتوافق ومشروعهم حتّى لا يظل سوى صوتهم ونعيق عاهاتهم.

صحافة الظلام، نموذج الإعلام الفاسد الذي ينخر في جسد الوطن متماديًا في تشويه المهنة التي من التزاماتها الأساسية رفع مستوى الوعي بين الناس، والمساهمة في الارتقاء بالذوق العام كما الاصطفاف إلى جانب المواطنين والدفاع عن قضاياهم ومكتسباتهم التي من ضمنها الحق في التعبير المكفول للجميع على اختلاف طبقاتهم واتجاهاتهم الفكرية، ولذلك فآمالنا كبيرة في الشرفاء من أصحاب الأقلام الحرَّة للعمل على إعادة الأمور إلى نصابها وسحب البساط من تحت أقدام هؤلاء الفاسدين، والدفع من جديد بالصحافيين وبالإعلام الملتزم بميثاقه المهني والأخلاقي من أجل الاضطلاع بأدوارهم النبيلة، وقطع الطريق أمام هذه الشرذمة من بائعي الذمم.

تضرب صحافة الرقع السوداء في اتجاهين: التمييع والتطبيل للتفاهة من جهة، والوشاية ونفث السم من أخرى، مسلك الجبناء الذين لا يقوون على الرَّد على الحجة بالحجة، ولا يمتلكون خطابًا إقناعيًّا يركنون إليه، فيلجؤون إلى أساليب خسيسة يخفون وراءها هشاشتهم الفكرية والنفسية، مُنفّسين عن أحقادهم الدَّفينة تجاه أصحاب المبادئ والمواقف الثابتة الذين لا تحكمهم مصالح شخصية ولا تسيِّرهم توجيهات خارجية، والذين يسلكون في حياتهم مسلك الشاعر القائل:

عِش عزيزًا أو مُت وأنت كَريم                بين طَعن القَنا وخَفْق البُنود

أعزاء النفس يُشهد لهم بالمروءة والالتزام، لا يخافون في الله لومة لائم، فلماذا تنزعج صحافة الغبش من الرِّجال أصحاب المواقف، لم يَكيدهم نقاء الشكل والقول والسلوك؟

يخافون من وقع آية قرآنية، ويضيق صدرهم بحديث نبوي شريف، ويضجون من أخبار الصالحين، كالخفافيش تخشى أن يذهب النور بأبصارها.

الوطن للجميع، تسع أرضه اللصوص والفاسدين والخونة… شواذ المجتمع كما الصالحين والكادحين والغيورين على مصالح البلاد والعباد، لن يكون لطرف دون البقية ولن تحوزه جهة دون الأخرى، مهما اختلفت الرؤى وتعددت المذاهب.

الحق في التعبير للجميع، فلا معنى أن تُفتح الميكروفونات والقنوات في وجه السفهاء والتافهين وبائعي الوطن، وقد نجد أن أغلبهم لا يؤدون ضرائبهم ولا يقتطع من أجورهم، ونجرِّم باقي فئات المجتمع من مثقفين، عوام ومجانين. ما دونهم وما فوقهم من الحق في الكلام، حتَّى لا يبقى إلا صوت التسطيح والسخافة والفساد، فيستأنس الشعب تدريجيًّا ويستسيغ جُرع الاستحمار الجماعي دون مقاومة.

الحق في التعبير للجميع، لكن للمستضعفين قبل الأقوياء، للكفاءات والقيادات والأصوات المشرِّفة أولًا.

حبُّ الوطن مواقف وليس شعارات مفرقعة تذروها الريَّاح، والإخلاص للوطن بالمساهمة في البناء والإصلاح وحبِّ الخير لجميع أبناء الوطن لأنهم بمثابة جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى، ولا تنمية دون تكافل وشدِّ السواعد.

مصلحة الوطن في التحلِّي بالأخلاق، وبذل المعروف، والكفِّ عن الأذى، والتربية على الشرف والمروءة، فلا ارتقاء ولا رقي بدون التحلّي بالأخلاق التي هي من صفات الأنبياء والصَّالحين.

قال جلَّ وعلا: ﴿إنّ الّذين يُحبّون أن تشيع الفاحِشة في الّذين آمنوا لَهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يَعلم وأنتم لا تعلمون﴾ صدق الله العظيم.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد