الروح – كانت وما زالت – مادة للجدل بين المؤمنين والماديين، فهي أمر غيبي لا يخضع للقياس بالعلم التجريبي، ولا يمكن إثباتها ماديًّا، ولكن برغم ذلك لا يمكن إنكارها، خصوصًا لما يرتبط بها مما يدل عليه الوعي والعقل والإرادة الحرة، وهي أمور محل إنكار للماديين، ولهم فيها تأويلات غريبة، ولم تكن هوليوود بعيدة عن هذا الجدل بالتأكيد، وقد ناقشت عشرات الأعمال فكرة وجود الروح من عدمها، وهل يمكن أن توجد خصائصها مثل الوعي Consciousness، والعقل Mind، والإرادة الحرة Free will، والمشاعر، والإبداع Creativity، بدون وجود الروح نفسها؟ نستعرض معًا بعض الأمثلة الشهيرة في هذا الصدد.
فيلم «soul» أو «روح» هو أحد الأفلام التي أنتجتها حديثًا شركة «ديزني»، الحبكة الرئيسية للفيلم عن شخص يتعرض لحادث في يوم مهم من حياته، وتصعد روحه لعالم يشبه عالم «البرزخ»، والذي تتهيأ فيه الأرواح التي ماتت أجسادها للدخول لعالم الـ«ما وراء العظيم» أو «the great beyond»، ولكنه يرفض فكرة الموت ويهرب إلى عالم الـ«ما قبل العظيم» أو The great before، والذي تسكنه الأرواح الصغيرة لتتعلم وتكتسب فيه شخصياتها قبل أن تنزل إلى الأرض وتسكن الأجساد، ويدير هذا العالم مجموعة من الموظفين على شكل كائنات نورانية (في إشارة للملائكة). ويسعى بطل القصة للعودة إلى الأرض ليسكن جسده الراقد في المستشفى بمساعدة روح صغيرة ترفض النزول للأرض، ويقابل سكان منطقة تسمى The zone تعلق بها الأرواح الحائرة والأرواح التي تعيش حالة من السمو أو الإلهام الفني، والتي لم تنفصل عن أجسادها، ليساعدوه للعودة للأرض.
وهو من الأفلام القليلة التي اعترفت بوجود الروح، واعتبرتها كيانًا منفصل عن الجسم، ولكنها تدور في طرح ساذج باعتبار الجسد آلة تعمل بالروح، ويمكن إعادة تشغيلها عن طريق نزع هذه الروح منه، وإعادتها ثانية، بل يمكن لهذه الروح أن تعود في جسد آخر (في إشارة غير مباشرة لفكرة تناسخ الأرواح)، وبالرغم من أنه تناول غيبية ما قبل الحياة وما بعد الموت وقدم لها تصورات، ولكنها كانت تصورات ساذجة منزوعة المعنى والغاية، لأن عالم الغيب والأرواح في النهاية لا يمكن تناوله بمعزل عن الدين.
فيلم آخر هو «كاسبر Casper» عام عام 1995 عن الشبح الصغير الذي يحلم بأن يسكن جسدًا بمساعدة عالم يبتكر جهازًا لإعادة الروح للجسد، ومرة أخرى نجد طرحًا ساذجًا يتعامل مع الجسد كالآلة القابلة للتشغيل. ولكن هل اعترفت الأعمال الهوليوودية الأخرى بوجود الروح؟
باستثناء الأفلام التي تتناول عالم الروح وعوالم الجن والأشباح مادة للرعب، أكثر منها أي شيء آخر، يمكننا أن نقسم الأعمال التي ناقشت فكرة الروح (وما يتبعها من الوعي والعقل والإرادة الحرة) إلى عناوين رئيسية:
(1) عالم الخالدين أو الـ«Immortals»:
وهو عالم تتسم فيه الشخصيات بصفتين، الأولى هي الخلود أو الـ«immortality» (عدم الموت وحتى عدم التقدم في السن)، والثانية هي القدرة على التعافي أو الـ«Self-healing» حيث يقوم الجسم بالتعافي من أي جروح أو إصابات.
مثال قريب هو فيلم The old guard عام 2020 حيث يشكل أبطال الفيلم فرقة مقاتلة خاصة، ونكتشف معًا أنهم «خالدون» لا يموتون مهما تعرضوا لإصابات، ويعيشون منذ آلاف السنين، وكل ذلك لسبب غير معروف، وأمر يحدث بشكل عشوائي (كأنه نوع من الطفرات)! وهناك أيضًا شخصية Wolverine من عالم مارفل، ظهرت في عدد كبير من الأفلام، وهي شخصية اتصفت بالخلود وبالقدرة على التعافي أيضًا، شخصية أخرى من عالم مارفل وهي Deadpool حيث امتلك بالإضافة إلى ذلك القدرة على إنبات الأعضاء المبتورة!
فكرة أخرى وهي إعادة إحياء مقاتلين أشداء، وإضافة بعض الصفات الخارقة لهم، بحيث يصيرون غير قابلين للقتل، مثل فيلمUniversal Soldier عام 1992 أو فيلم Bloodshot عام 2020.
ونختم هذا العالم بفيلم Death Becomes her عام 1992، حيث تسبب لعنة سحرية في خلود الشخصيات وعدم موتهم مهما حدث لهم من إصابات، بل في نهاية الفليم تكسرت أجسام بعض الشخصيات إلى قطع متفرقة وظلت هذا الشخصيات «حية» بشكل ما.
(2) عالم الزومبي (الموتى الأحياء):
وهي حالة عالقة بين الحياة والموت، أو هي للموت أقرب، فيصبح الشخص أشبه بالجثة المتحركة (التي تتحلل بمرور الوقت)، وقد يحدث ذلك بسبب السحر الأسود (وهي في الأساس أسطورة شعبية في جزر هاييتي)، أو وجود فيروس (أو كائنات دقيقة) يستحوذ على جسد الإنسان ويقوم بإدارته و«تشغيله»، وقد أضافت هوليوود فكرة التغذي على لحوم الأحياء لزوم الرعب، وبعض الصفات الأخرى التي أصبحت أشبه بالقواعد في عالم الزومبي.
فيلم Warm Bodies عام 2013 حيث يقوم مرض ما بقتل البشر وتحويلهم إلى Zombie، حيث يتوقف القلب عن العمل، ولكن يظل المخ يعمل جزئيًّا ويقوم بالتحكم في الجسد وتحريكه، وفي نهاية الفيلم يتوصل الأبطال إلى طريقة لـ«إعادة تشغيل» القلب والأجهزة الأخرى ويعود الإنسان إلى الحياة.
وبرغم إننا نتكلم في الأساس عن هوليوود وصناعة الأفلام، ولكننا لا يمكن أن نتجاهل صناعة المسلسلات، وخصوصًا في العقد الأخير، وقد أصبح بعضها ينافس الأفلام الشهيرة ويقترب منها في الميزانيات الضخمة، بل إن بعض المسلسلات تتفرع من أفلام شهيرة وتصبح امتدادًا لها، كما في عوالم مارفل ودي سي، والعكس أحيانًا.
وأحد المسلسلات الشهيرة في هذا الأمر هو مسلسل «الموتى السائرون» أو The walking dead، وبرغم أنه خلطة من الرعب والأكشن والدراما، لكن حبكته الرئيسية هي ظهور مرض أو فيروس يصيب الأحياء ويقتلهم ثم يتحكم في أجسامهم ويعيدهم إلى حالة من الحياة، عن طريق «تشغيل» جزء معين في المخ، يسمح للجثث بالحركة والرؤية والسمع والأكل، ولكنهم يتغذون على لحوم الأحياء، ولا توجد وسيله لقتلهم إلا بقتل المخ، وعلى مدار حلقاته الطويلة على طوال 10 سنوات و10 مواسم (منذ 2010 وحتى الآن)، تُطرح الكثير من التساؤلات عن ماهية هؤلاء «الموتى السائرين» وهل هم أحياء فعلاً أم لا؟ وبرغم أن هذه المناقشات والتساؤلات تؤدي في النهاية إلى رفض الاعتراف بهم كأحياء (لأنهم يفتقدون السمات الأساسية للبشر مثل الوعي والتمييز والإرادة) ولكن تظل هذه التساؤلات مطروحة مع تجاهل تام للحديث عن الروح.
أحيانًا يكون الاستحواذ من كيان ما أو كائن فضائي كما في فيلم The host أو «العائل» عام 2013، حيث يقوم كائن ما قادم من الفضاء بالدخول إلى جسد بطلة الفيلم والاستحواذ عليه وإدارته، ولكن يظل هناك صراع خفي بين هذا الكائن و«وعي» الشخصية بطلة الفيلم، وفي النهاية يتوصل الأبطال إلى «حل وسط» يقوم فيه هذا الكائن بالحلول في جسد ميت وتدب فيه الحياة.
(3) الاستنساخ أو النسخ:
في فيلم Criminal عام 2016 حيث يموت عميل مهم في المخابرات المركزية الأمريكية، فتقوم المخابرات بنسخ ذاكرته وزرعها في مخ رجل محكوم عليه بالإعدام، حتى يتمكنوا من معرفة ما لديه من أسرار واستكمال مهمته، وتحل ذاكرته ومشاعره في مخ هذا المجرم، وفي النهاية تتقبل أسرة العميل الميت الأمر ويعتبرون أنه قد عاد للحياة في جسد آخر.
فيلم آخر هو Gemini Man عام 2019 حيث يتم استنساخ بطل الفيلم، ليقابل نسخته فيما بعد ويكتشف أنه نسخة مطابقة له في الذكريات والمشاعر والسلوك وطريقة التفكير.
وتحدث الذروة في فيلم Replica عام 2018 (واسم الفيلم يعني «نسخة مطابقة للأصل»)، حيث يتعرض بطل القصة لحادث مع أسرته فيموتون جميعًا باستثنائه، ولكنه يرفض التعايش مع حالة الحزن والإحساس بالذنب، ولكونه عالم بيولوجي فقد سعى إلى إعادتهم إلى الحياة عن طريق «نسخ» ذاكرتهم، ثم استنساخ أجسادهم وإعادة زرع الذاكرة فيهم، وينجح في ذلك!
في الجزء القادم نستكمل الرحلة بإذن الله.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست