منذ أربعة سنوات وفي خضم أحداث الربيع العربي التي تصدرت أخبار وكالات الأنباء وشاشات القنوات الإخبارية، ولدت دولة “جنوب السودان” وصاحبها صوت تنفس سكانها للصعداء إلا أننا وبحكم مشاغلنا لم ننصت إليه، واستيقظنا ذات صباح لنستمع إلى شائعات حول الدولة الوليدة ماهية شعبها، وكنوز أرضها، والأيدي التي ساهمت في صنعها.

ومع ذلك تبقى حقيقة جنوب السودان كدولة لها تاريخ وبها حكومة ولشعبها تطلعات كثيرة.

 

شعب جنوب السودان والطريق إلى الاستقلال

بحسب دراسة أعدها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن شعب الجنوب يمكن تقسيمه إلى المجموعات السلالية: النيليون، النيليون الحاميون، والمجموعة السودانية.

وأشارت الدراسة إلى أن النيليين الحاميين والمجموعة السودانية هما الأقل عددا، أما أكبر السلالات فهي سلالة النيليين والتي تنقسم بدورها إلى ثلاثة قبائل، هي: الدينكا والنوير والشلك.

وتعتبر قبيل الدينكا هي الأكبر، حيث يقدر تعداد أفرادها بثلاثة ملايين نسمة، كما خرج منها “جون جرنج” قائد حركة التحرير الشعبية لجنوب السودان، وسيلفا كير رئيس الدولة الحالي.

أما قبيلة النوير، ثاني أكبر القبائل، والتي تمتد جذورها إلى الحبشة، فهي أحد الأعداء التاريخيين لقبيلة الدينكا، حتى قبل وصول الاحتلال الإنجليزي إلى البلاد، كما أخرجت القبيلة “رياك مشار” والذي سبق أن انقلب على “جون جرنج” في عام 1991 وتولى منصب “نائب رئيس جمهورية السودان”، كما قامت قواته بمجزرة “بور” الشهيرة ضد قبيلة الدينكا، ثم عاد، بعد اعتذار، إلى صفوف الحركة الشعبية في العام 2002.

وعن قبيلة الشلك التي تشبه في طقوسها الروحية ومعتقداتها الدينية المصريين القدماء، فقد أخرجت “لام كول” والذي انشق أيضًا عن الحركة الشعبية في 1990 ونال درجة وزير النقل في حكومة البشير، ثم عاد إلى صفوف الحركة في عام 2003.

وبحسب آخر إحصاء رسمي في عام 2008، يقدر عدد سكان الجنوب بـ8 ملايين نسمة، بينما تقدر الأمم المتحدة عدد السكان في عام 2015 الجاري بـ12 مليون نسمة، وبحسب الإحصاء الرسمي الذي أصدره مجلس الكنائس العالمي في العام 1981 فإن 80% من السكان يدينون بالمسيحية و18% مسلمين، والبقية يتبعون أديانا تقليدية أو وثنية، وعلى أية حال فإن هذه البيانات هي محل شك الكثيرين، فقد نشر الموقع الرسمي للجيش اللبناني، تقديراته بـ40% من السكان منقسمين بين مسلمين ومسيحيين، بينما 60% يتبعون الأديان التقليدية.

وفي خمسينيات القرن الماضي، كانت بداية التمرد الجنوبي، بقيام حركة “أنيانيا”، ضد حكومة “إسماعيل الأزهري” آنذاك إثر رغبة الحكومة في فرض هيمنة قومية على البلاد، واستمرت حتى عهد الرئيس النميري، والذي وقع مع الجنوب اتفاقية “أديس أبابا” في 1972، والتي نصت على حكم ذاتي للجنوب يخضع في النهاية إلى رئيس الدولة.

وبعد مرور أحد عشر عاما على السلام في الجنوب، وفي وقت تحول النميري من النظام الشيوعي إلى النظام الإسلامي برعاية “حسن الترابي”، وضع نميري قوانين تنص على إعادة تقسيم الجنوب إلى ثلاثة ولايات وسحب بعض الصلاحيات، وهي القوانين المعروفة بـ”القوانين سيئة السمعة” والتي صاغها القانوني المصري “محمد سليم العوا”، وبذلك عاد التمرد من جديد بقيام “أنيانيا2″، وتصدر جون جرنج المشهد بتكوينه للجبهة الشعبية لتحرير السودان.

استمر الصراع بين الجنوب والشمال، حتى وقع الطرفان على اتفاقية “نيفاشا” في العام 2005، بعد جهود دبلوماسية ومادية بذلتها الولايات المتحدة، بحسب النيويورك تايمز، ونصت الاتفاقية على حكم ذاتي وبرلمان خاص بالجنوب، ثم استفتاء حول الانفصال في 2011، وهو ما حدث بالفعل. إلا أن “جون جرنج” لم يشهد ثمرة جهوده إذ توفي في نفس عام الاتفاقية إثر انفجار مروحيته في حادث غامض!

 

الحرب الأهلية وموارد الدولة

تعتبر دولة جنوب السودان، هي الأكثر اعتمادا على النفط في العالم، بحسب بيانات البنك الدولي، إذ يمثل النفط 98% من موارد الدولة، وعلى الرغم من ذلك فإنه وطبقا لشبكة “إيرين”، يعتمد 80% من سكان الجنوب على الماشية، حيث تمتلك الدولة 11 مليون رأس ماشية أي ما قد يفوق عدد السكان بحسب بعض الإحصاءات، إلا أن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أشارت إلى أن الحرب الأهلية الدائرة في البلاد منذ يوليو 2013 أدت إلى نزوح الماشية إلى مناطق خارج مناطق الرعي التقليدية، كما أشارت جريدة الموقف السودانية إلى أن الحرب عطلت إنتاج حقول النفط بنسبة 40%، كما أن انخفاض أسعار النفط أدى إلى ضرورة خفض الموازنة العامة للدولة من 17 مليار جنيه في العام 2014، إلى 10.85 مليار جنيه في العام الجاري.

وقد بدأت الحرب الأهلية عقب اتهام رئيس الدولة “سيلفا كير” لنائبه “رياك مشار” في يوليو 2013، بمحاولة الانقلاب على السلطة، ما دفع الأخير إلى الهروب من جوبا إلى منطقة أعالي النيل، ثم انضم إليه عدد من المنشقين من الجيش الرسمي وبدأت الحرب الأهلية بمحاولة الطرفين فرض السيطرة على مناطق إنتاج البترول.

 

الوضع الحالي والأجانب في جنوب السودان

بحسب ما نشرته مجلة “المصلحة الوطنية” توفر جنوب السودان 5% من واردات الصين النفطية، كما تمتلك الشركة الوطنية الصينية للبترول حوالي 40% من أهم 3 منشآت بترولية في البلاد. وقد شاركت الصين ولأول مرة في تاريخها بإرسال مجموعة من الجنود ضمن بعثة الأمم المتحدة لوقف الصراع، أيضا قدمت الصين مساعدات إنسانية للجنوب بقيمة 21 مليون دولار في أكتوبر 2014.

وفي أحد تصريحات نجم الـ”هيب هوب” الجنوب سوداني “إيمانويل جال” لجريدة “داخل إفريقيا” عبر عن احترامه لدولة الصين واستثماراتها في بلاده، مبررا ذلك بقوله: “لأنها لا تتدخل في شؤوننا الداخلية أو تعبث في سياساتنا، وكل إفريقيا تحترم الصين”.

ومن ناحية أخرى أرسلت أوغندا بعضا من جنودها لمؤازرة الجيش الرسمي التابع لسيلفا كير، التي، أي أوغندا، وبحسب مجلة “المصلحة الوطنية” كانت تدعم الحركة الشعبية بقيادة جون جرنج منذ الثمانينيات وحتى اتفاقية نيفاشا، ورد “عمر البشير” على ذلك بدعمه لجيش “الرب” الثائر في أوغندا، كما أن تواجد آلاف العمال الأوغنديين وعدد من المستثمرين في جنوب السودان يدفعها بطبيعة الحال إلى التدخل في الحرب الأهلية الدائرة هناك.

أما شمال السودان والتي لازالت على خلاف مع الجنوب حول منطقة “أبيي” النفطية، والتي يسكن شمالها قبيلة المسيرية العربية، وجنوبها قبيلة الدينكا، فهي وبحسب ادعاءات سلفا كير، تدعم رياك مشار.

وفي زيارة أوباما الأخيرة إلى شرق إفريقيا، عقد اجتماع بين الرئيس الكيني والأوغندي ورئيس وزراء دولة شمال السودان، لبحث سبل تهدئة الصراع في الجارة جنوب السودان، وتم وضع سقف زمني 17 أغسطس لإنهاء الصراع، وبرغم تجاوز الطرفين للسقف الزمني إلا أنهما وقعا في النهاية على اتفاقية تقضي بعودة “رياك مشار” إلى منصب نائب الرئيس والعمل مع “سيلفا كير”، وعليه فقد أعلنت الحكومة 20 أكتوبر، انسحاب القوات الأوغندية من البلاد.

جنوب السودان، الدولة التي لم تكمل عامها الخامس بعدما باتت تقصمها الصراعات القبلية التي شردت ما يزيد عن 2 مليون جنوب سوداني وقتلت عشرات الآلاف، تهيم على وجهها بين أمريكا التي لا تمتلك خططا واضحة لإرساء قواعد السلام هناك، والصين التي لا تحبذ التدخل الصريح، والعالم العربي الذي لم يسمع صوت ولادتها. وعلى أية حال فإن الفرصة لا زالت متاحة، والقوى الناعمة كالتعليم والبعثات قد ترسم آمالا للشعب البائس وترسي قواعد من السلام الداخلي والخارجي للبلاد.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد