لا يساورني شك في أن الغالبية العظمى، إن لم تكن كل الجماعات الإرهابية، خرجت من عباءة الإخوان، فمنذ تأسيس النظام الخاص على يد المؤسس الأول للجماعة، ثم ظهور سيد قطب وكتاباته التى كانت تحض على تكفير المجتمع ووصفه بالجاهلي، وهو ما يعني إجازة قتل المسلمين، الذي وصل إلى محاولة قتل الرئيس العربي الأكثر شعبية في التاريخ جمال عبد الناصر في حادث المنشية الشهير، والذي اعترف عصام العريان في أحد البرامج إبان ثورة يناير بمسئولية الإخوان عن الحادث!
مع ذلك، فإن هناك أسباب تساعد على نشر الإرهاب والتطرف، وتساعد هؤلاء المتطرفين على عمل قاعدة شعبية وضم أعضاء جدد كل يوم، حتى تصل الجماعة الإرهابية يوم ما إلى حالة التغول ووقتها قد تعجز الدول عن التصدي لها، وربما وصلوا للحكم كما حدث في مصر والسودان والجزائر واليمن وغيرها من دول العالمين العربي والإسلامي.
إن تلك الأسباب تبدأ بالشعور بالظلم والضعف والتهميش من قبل شريحة من المواطنين، مما يخلق مواطن غير سوي، فلو نظرنا إلى مصر على سبيل المثال، سنجد أن الإرهاب توطن في بداياته في الصعيد والمناطق المهمشة، وما زال للإرهاب جذور في هذه المناطق إلى يومنا هذا، ولعلنا لاحظنا أن المحافظات الأكثر تضررًا من الإرهاب بعد إسقاط الإخوان في 30 يونيو هي نفس المحافظات التي ظهر فيها الإرهاب في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وهي نفسها المحافظات التي خرج منها العدد الأكبر من الأصوات للإخوان في الانتخابات، فمحافظة المنيا على سبيل المثال، وهي محافظة صعيدية مهمشة كسائر محافظات الصعيد كانت موطن من مواطن الإرهاب في السابق حتى إن أحد قتلة الرئيس الراحل أنور السادات، وهو خالد الإسلامبولي من المنيا، وهي نفس المحافظة التي انتخبت مرسي بأغلبية ساحقة.
بعد فض رابعة تم إحراق كافة مراكز الشرطة في المحافظة، وقتل ضابطين بمركزي شرطة مطاي والعدوة، إلى جانب حرق عدد كبير من المؤسسات الحكومية والمحاكم والكنائس ووحدات الحكم المحلي وغيرها، بعدها حققت المنيا رقمًا قياسيًّا في عدد المحكوم عليهم بالإعدام فقد حصل ما يقارب 1200 شخص على حكم بالإعدام تم تخفيفه فيما بعد على أغلبهم إلى السجن المؤبد، وذلك في قضيتى مركزي شرطة مطاي والعدوة.
إن الشعور بالتهميش وعدم المساواة هو الينبوع الأول المغذي للإرهاب، وهي أشياء يشعر بها المواطن الذي احتضن هؤلاء الإرهابيين المتورطين في الحرق والقتل في المحافظة بكل صراحة.
الجهل هو سبب آخر من أسباب الإرهاب، فالأمي هو أداة طيعة وعقل جاهز للغسيل في أي وقت من قبل ذاك الشيخ الذي يرى فيه أنه سفير من سفراء الجنة، وأن اتباعه هو الخلاص من مشاكل الحياة والوصول إلى الراحة الأبدية في الدنيا والآخرة، وللأسف فإن الجهل بالدين أخطر بكثير من الجهل المرتبط بعدم حمل شهادات علمية؛ لأن الدين هو المدخل الرئيسي للإرهاب، فهم يخفون جانب السلام والأمن وحرمة الدماء، ويركزون على جوانب الفريضة الغائبة والتكفير مع إسقاط فهمهم المزور للنصوص الدينية، ثم ربطها بحالة المستهدف (الشاب) الاقتصادية والاجتماعية فيخلق عقل جاهز للتلقي والقبول دون تفكر!!
لذلك فإن على الدولة المصرية أولاً أن تعمل على تطوير وتنفيذ سياسة تنموية قائمة على العدالة الاجتماعية وعدالة التوزيع، تركز على الأماكن المحرومة من أجل تحسين حياة هؤلاء البائسين الذين يمثلون المدد الحقيقي لكل من أراد أن يدمر هذا البلد.
التركيز على التعليم وإضافة مواد تزرع مفهوم المواطنة وحب الوطن ونبذ الإرهاب بين الطلاب في المدارس مع خلق جيل مؤهل من المعلمين القادرين على ربط محتوى تلك المواد بالواقع الذي يعيشه الطلاب؛ كي لا يشعر الطالب المصري بالشعور المعتاد بأن ما في الكتب منفصل تمامًا عما هو في الواقع!!
طرح مبادرة للمصالحة الوطنية ما زال لا غنى عنها في سبيل الاستقرار ومحاصرة الإرهاب وتحقيق التنمية المنشودة.
رغم علمي أن موضوع المصالحة ربما سيلاقي هجومًا لكنني أقول إنه في النهاية ستحدث مصالحة آجلاً أم عاجلاً، فلماذا عدم التعجيل فيها إذا كان الوطن في حاجة إليها؟
إن طرح مشروع حقيقي سياسي وقانوني واجتماعي أمام الإخوان يتيح لمن يريد منهم أن يعود إلى ممارسة حياته السياسية والاجتماعية بشروط الخضوع للقانون من شأنه أن يحرج قوى الإرهاب ويجفف بعضًا من منابعه ويدمج كثيرًا من العناصر التي تمثل مشاريع تطرف في المجتمع.
إن الوطن في حاجة إلى كل يد بناءة لتساهم في بنائه، وفي حالة وجود فرصة لتحويل معاول الهدم إلى أيادي بناء فيجب علينا اقتناصها.
خلاصة القول فإن الحل في خمس كلمات: تنمية – تعليم – عدالة – مصالحة، فبناء!!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست