اقتربت عملية “عاصفة الحزم” ضد الحوثيين في اليمن من دخول شهرها الثاني، وسط تكثيف طائرات التحالف العربي لغاراتها على معاقل الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الذي نالت المراكز التابعة لقواته نصيبًا وافرًا من الغارات.
ومع التوقعات المتزايدة بقرب عملية برية تستكمل ما بدأته الغارات الجوية، بدا أن السعودية ومصر تعيشان حالة من الحيرة إزاء ما هو قادم، وذلك في كيفية استعانة الأولى بالأخيرة من أجل الدخول في العملية البرية داخل الأراضي اليمنية، في ظل أجواء من انعدام الثقة التي باتت تطفو بشكل مطرد على السطح بين البلدين.
فالسعودية كما ظهر؛ كانت تفضل باكستان على مصر لأسباب مختلفة، غير أن رفض البرلمان الباكستاني مشاركة قوات بلاده في “عاصفة الحزم” مثل ضربة كبيرة لفكرة المشروع السعودي المتمثل في تشكيل تحالف إسلامي سني ضاغط على إيران، وهو تحالف كان سيؤثر بصورة واضحة على تعاطي إيران مع الأزمة في حال انضمت إليه كل من باكستان وتركيا بشكل مباشر، بيد أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن السعودية.
تعيش مصر الحاضرة بقوة في مخططات تحالف دول “عاصفة الحزم” للدخول البري في اليمن حالة من الارتباك الواضح في المشهد وضبابية في الموقف تفتح باب التكهنات واسعًا حول السقف الذي وضعته مصر لنفسها في دعم “عاصفة الحزم” عسكريًّا، في ظل ما يبدو أنه اتجاه سعودي بعيدًا عن حدود التوافق مع مصر بشأن قضايا ومشاكل المنطقة وترتيبها بحسب الخطورة، وهو ما يجعل النظام المصري الذي يُعد الدعم الخليجي له شريان حياة يضمن له بقاءه في حالة من الارتباك، فضلًا عن الغضب المكتوم تجاه تلك السياسة الجديدة التي بدأت مع تولي الملك سلمان الحكم في السعودية.
في ظل تكتيم النظام المصري على موقفه النهائي إزاء التدخل البري في اليمن، فإن هناك جملة من الأسباب التي تفسر حالة الغموض السائدة في الموقف المصري، حيث تتقلص الخيارات المصرية لتصبح بين خيارين أحلاهما مر، إما التورط في المستنقع اليمني، وإما رفض المشاركة في العملية البرية، وكلاهما خياران لا تقل نتيجة أحدهما سوءًا عن الآخر، ولن يرفع عن مصر الحرج غير عدول دول الخليج عن العملية البرية برمتها؛ ومن هذه الأسباب:
1- أن السعودية لم تعلن رسميًّا عن قرارها بالدخول البري إلى اليمن؛ وهو ما يعطي هامشًا لمصر يعفيها من اتخاذ موقف قد يترتب عليه إما توريط جيشها في الحرب أو إغضاب حليفها، ذلك أنه قد يبدو للمتابع أن السعودية تحاول استجلاء موقف مصر النهائي في الدخول إلى اليمن لأن الجيش المصري سيكون الجيش المؤهل للاعتماد عليه بصورة كبيرة إلى جانب الجيش السعودي الذي يقود الحملة، وهو ما يشبه بلعبة “التنس” بين السعودية ومصر، إذ إن السعودية تخشى الدخول في الحملة البرية دون موقف واضح من الجانب المصري بشأن مشاركة قواته فيها، بينما تحاول مصر أن تنأى بنفسها عن التبرع بموقف قد يكون ضدها لاحقًا.
2- خشية السيسي من الانتقاد داخل المؤسسة العسكرية؛ إذ إنه لا يجب استبعاد التغييرات المفاجئة داخل المؤسسة العسكرية، والتي طالت تغيير قيادات المخابرات الحربية والجيش الثاني والقوات البحرية من خارطة الحسابات، حيث تعكس تلك التغييرات خشية السيسي من المؤسسة العسكرية نفسها، ذلك أن اتخاذ قرار بالمشاركة في العملية البرية في اليمن قد يفتح المجال أمام قيادات عسكرية متربصة بالسيسي للعمل على الإطاحة به في حال تورط الجيش في المستنقع اليمني وتكبد خسائر فادحة تعيد إلى الأذهان مأساة التدخل الأول في ستينيات القرن الماضي.
3- حالة الرفض الشعبي للزج بالجيش في أتون صراع لا ناقة لمصر فيه ولا جمل؛ ففضلًا عن القوى المعارضة للسيسي والتي لن تدخر جهدًا في التجريح به حال تدخل أو لم يتدخل لصعوبة القرارين عليه، يبدو أن القوى المؤيدة للسيسي هي الأخرى ترفض التدخل البري المصري في اليمن، وقد يبدو أيضًا أن مصر تريد إيصال هذه الفكرة للسعودية، فكرة ورسالة مفادها أن الأوضاع الداخلية والمزاج الشعبي العام لن يقبل بتدخل مصري عسكري غير مقيد في اليمن، ولأجل ذلك سمحت السلطات المصرية للمظاهرات الرافضة لعملية “عاصفة الحزم” والتي هاجم فيها المحتجون السعودية والملك سلمان دون أدنى تدخل منها، سماح له أسباب أخرى تصب في نفس اتجاه الرسالة التي يسعى النظام المصري إلى إيصالها للسعودية.
4- خشية تأثر مضيق باب المندب بمجريات الحرب وتبعات التدخل المصري؛ ذلك أن التدخل البري المصري في اليمن سيدفع الحوثيين لمحاولة التأثير على مصر عبر إثارة المشاكل في مضيق باب المندب، وجعل المرور منه وإليه غير آمن بالشكل الذي يضر بصورة مباشرة الملاحة في قناة السويس، مما يعني خسائر اقتصادية فادحة ستتكبدها مصر بسبب تدخلها في معركة ليست معركتها بالأساس.
5- خشية مصر من تقارب السعودية مع الإخوان المسلمين في اليمن، حيث أن التدخل البري في اليمن لا بد أن يقترن بحلفاء من الداخل يمثل “التجمع اليمني للإصلاح” المنبثق عن الإخوان المسلمين الركيزة الأساسية فيه، تدخل بري سيدفع مصر أيضًا للعمل على تقوية الإخوان في اليمن في الوقت الذي تعلن فيه عن الإخوان المسلمين في مصر كجماعة إرهابية، وهو ما سيضع علامات استفهام كبيرة حول شرعية بل وجدوى محاولات النظام المصري وحلفائه محاربة تيارات الإسلام السياسي وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا.
هناك أسباب أخرى تفسر التحفظ المصري على إعلان موقفها من العملية البرية في اليمن، يقف الغضب المصري من إعلان السعودية لـ”عاصفة الحزم” دون استشارة مصر على رأس تلك الأسباب، إذ إن الخلافات حول عدد من المواقف والتي باتت تطفو على السطح وما رشح عنها من تصعيد إعلامي مصري متدرج ضد السعودية والملك سلمان تحديدًا، باتت تعكس حجم حالة انعدام الثقة بين النظام المصري والمملكة السعودية، الأمر الذي توج أخيرًا بإعلان السعودية لعملية “عاصفة الحزم” دون إعلام مصر بها، مستبقة القمة العربية التي كان يعوّل الرئيس السيسي عليها في إظهار مركزية مصر كقوة إقليمية وعسكرية كبيرة لا غنى عنها في المنطقة، وهو الأمر الذي أدى إلى شعور مصري كبير بالغضب والحرج في آن واحد.
يحاول البعض استحضار خشية مصر من تكرار نموذج التدخل المصري في اليمن في ستينيات القرن الماضي إبان حكم الراحل جمال عبد الناصر في تبرير رفض مصر إعلان موقفها من التدخل البري في اليمن، وهو رأي على وجاهته قد لا يكون دقيقًا، ذلك أن السعودية ومصر تقفان اليوم في حلف واحد إلى جانب دول عربية أخرى إضافة إلى دعم لوجستي أمريكي- تركي للعملية، فضلًا عن إجماع شبه كامل بين مكونات المجتمع اليمني على دعم عملية “عاصفة الحزم”، الأمر الذي سيوفر بيئة شعبية حاضنة وحامية للقوات العربية المتوغلة داخل الأراضي اليمنية، هذا طبعًا دون التقليل من حجم الخسائر التي ممكن أن يتكبدها الجيش المصري والجيوش الأخرى كنتيجة طبيعية لأي حرب.
من الممكن أن يكون التريث المصري في إعلان قرار واضح بشأن العملية البرية يعود إلى محاولة النظام للضغط على السعودية ودول الخليج في محاولة لابتزازها ماليًّا من أجل قبول المشاركة في مرحلة الدخول البري في اليمن، فالدخول المصري إلى اليمن يعني أن صفقة كبيرة قد تمت بين دول الخليج وعلى رأسها السعودية وبين مصر، حيث المصالح التي تربط بين الدول لا الشعارات والكلمات البراقة.
أضف إلى ذلك فإنه من الوارد أن تكون مصر بعدم إفصاحها عن قرارها تحاول التأثير على القيادة السعودية من أجل عدم الدخول بريًّا إلى السعودية، نظرًا لما يمكن أن يشكله ذلك من تقوية لجماعة الإخوان المسلمين هناك، والتي ستصبح القوة السياسية الأولى في اليمن حال نجحت عملية “عاصفة الحزم” في هزيمة الحوثيين ودحرهم من جديد.
ختامًا، من المرجح جدًا أو شبه المؤكد أن تعلن مصر انضمامها للحملة البرية في حال أعلنت السعودية عن بدئها، غير أن باب الاجتهاد يفتح لمعرفة المقابل وحدود التدخل بل وحدود التأثير المصري على قرارات السعودية خلال الحملة البرية.
كما أن بدء الحملة البرية هو مثار تكهن غير قابل للتأكيد، ذلك أن للسعودية خيارات أخرى أفضل بالنسبة لها من إقحام جيشها ومعها الجيوش العربية في معركة داخل اليمن، أهمها هو دعم القبائل والأحزاب اليمنية وبعض قوات الجيش التي لا تزال تدين بالولاء للرئيس “عبد ربه منصور” لخوض معركة الحسم ضد الحوثيين في اليمن.
كما أنها ستعفي نفسها إلى حد بعيد من الوقوع في فخ الابتزاز المصري، وقد جاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216) الداعي لانسحاب الحوثيين من صنعاء والمناطق التي سيطروا عليها إضافة إلى حظر تسليحهم مع الدعوة للعودة إلى الحوار، وإعلان مصر عن إجراء مناورة عسكرية كبيرة مع السعودية في الفترة المقبلة، لتظهر رغبة عربية في الضغط على الحوثي؛ ترغيبًا بفتح المجال أمام إمكانية العودة إلى الحوار، وترهيبًّا بالاستعداد للدخول البري مع تفعيل القرار الدولي القاضي بحظر تزويد الحوثيين بالأسلحة، وهو ما يرجح مسألة عدم استعداد أي جيش عربي لخوض معركة برية داخل اليمن بعد، ليكون الحل إما حربًا بالوكالة تخوضها القبائل اليمنية إضافة للقوى السياسة كالتجمع اليمني للإصلاح ضد الحوثيين مع دعم عسكري مباشر لكنه محدود في بعض المناطق، وإما إعادة الحوثيين لطاولة الحوار وإبقاءهم كقوة مؤثرة سياسيًّا داخل اليمن، وهو ما تتمناه مصر؛ رغبة في استمرار إقصاء الإخوان، وتجنبًا للدخول في حرب برية، ولا تستبعده السعودية مع قلة الخيارات المتاحة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست