بالإعلان عن عاصفة الحزم دخلت المنطقة تحولا إستراتيجيا مفصليا، فما قبل عاصفة الحزم ليس بالتأكيد كما بعدها.
ولكي نحلل خيارات الانقلاب في مصر من هذا التحول الإستراتيجي الخطير يجب علينا أولا أن نستكشف خيارات عاصفة الحزم نفسها، فبعد رفض البرلمان الباكستاني المشاركة المباشرة، وكذلك موقف تركيا الواضح منذ اليوم الأول بعدم المشاركة الفعلية، فإن الخيارات السعودية تصبح محدودة وأصعب من ذي قبل ونلخص في هذا المقال هذه الخيارات في ثلاثة احتمالات واردة:-
1 – أن تقبل السعودية بحل دبلوماسي للأزمة، وهو ما يعتمد على قبول إيران بتقديم تنازلات تحفظ ماء الوجه السعودي، وكذلك مقدرة الأمريكيين ورغبتهم على فرض قواعد اللعبة من جديد وإعادة بوصلة المنطقة للحرب على “الإرهاب”. وعامة فإن هذا الخيار سيكون بمثابة تراجع سعودي كبير أمام التمدد الإيراني، وهو ما سيفتح الباب أمام عدة دول في المحور السعودي ومنها “مصر” للعب على الحبل الإيراني بأريحية كبيرة.
2 – أن تحتفظ السعودية بخطها الروتيني “القصف الجوي” ومحاولة الحصار البحري مع دعم القوى اليمنية لوجوستيًا والمساندة البسيطة بعمليات إنزال جوي. وهذا الخيار يعتمد بالأساس على قدرة القوى اليمنية المناهضة لتحالف الحوثي/ صالح على إيقافهم، وهو احتمال ضعيف؛ ولكن مع ذلك فهو خيار يبعد عن السعودية شبح الانزلاق في حرب استنزافية طويلة فإن دعم أطراف داخلية يمكن السيطرة عليها فيما بعد يعتبر أقل خطورة وتكلفة على الممكلة، وكذلك أن تبقى هي اليد العليا في إدارة العملية، ويقلل نسبيا من ضرورة الاعتماد على دول التحالف، وهو ما سيمكن مصر من دعمها الروتيني للعملية والمحافظة بشكل نسبي على خطوط التواصل مع إيران ما لم يتورط الإنقلاب في حصار بحري عنيف وهو ما سنناقشه مع خيار الحرب البرية .
3 – الحرب البرية سواء كانت حربًا حدودية تقليدية أو إنزالات جوية مكثفة، وهو ما يعني حربًا استنزافية طويلة ومكلفة، وهو ما سيجعل من مشاركة تركيا في هذه الحرب الاستنزافية بفرض حظر طيران في سورية لاستنزاف إيران مسألة ضرورية للغاية بالنسبة للسعودية، وأظن أن السعودية لن تتسرع مرة أخرى بالتحرك منفردة وستتحسس كثيرا مواضع أقدامها ومواقف حلفائها قبل أعدائها، فدرس باكستان كان قاسيا جدا على السعودية.
الحرب البرية، وكذلك الحصار البحري العنيف سيضعان الانقلاب أمام خيارات صعبة ومصيرية، ولكنها خيارات واعدة له إن أحسن التعامل معها.
الخيارات المصرية ستنطلق من عدة محددات كالبحث عن دور إقليمي فاعل، والوضع الاقتصادي وملف المساعدات والرأي العام… إلخ، وهذه الخيارات نجملها في ثلاثة احتمالات واردة:
1 – مشاركة غير فاعلة: تحافظ بها مصر على سياسة “اللعب على الحبال” وعدم قطع خطوط الاتصال التي بدأت منذ فترة مع إيران.
2 – مشاركة فاعلة ومحورية: يحافظ بها الانقلاب على الدعم الاقتصادي والسياسي الخليجي، والبحث عن دور إقليمي فاعل خاصة بعد الموقف الباكستاني الأخير وحاجة السعودية للتدخل المصري، وكذلك إغلاق الباب أمام التكهنات بتغير الموقف السعودي من الانقلاب في مصر وهو ما سيساهم في تثبيت أركان الانقلاب داخليا في مواجهة الإخوان على المدى القصير على الأقل.
3 – الحياد: وهو ما سيكون انحيازًا فعليًا للمحور الإيراني الصاعد وهو ما سيعد تمكينًا لإيران من رقبة السعودية.
ختاما فإننا يجب أن نذكر بأن ديناميكية المشهد وتأسيسيته يجعل من كافة الخيارات احتمالات واردة، ولم يعد بإمكاننا إلا التفكير وفقا لهذه الحقيقة، فالتحليل السياسي ليس له علاقة بالتبشير أو التنفير، ولا الحب أو الكره، ولا التفاؤل أو التشاؤم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست