منذ أن أصدر الملك سلمان الأمر إلى الجيش السعودي بمباشرة العمليات العسكرية ضد ميلشيات الحوثيين التي سطرت على صنعاء وتمددت إلى عدن، في السادس والعشرين من مارس 2014، نفذ التحالف العربي الذي تشكل في وقت قياسي والذي ضم عشر دول المشاركة، أكثر من 1200 طلعة جوية، بازدياد مطرد لعدد الطلعات التي بدأت بثلاث طلعات في اليوم لتصل إلى 50 و80 طلعة، ثم وصلت إلى نحو 120 طلعة جوية خلال الخمس أيام الأخيرة.
تعتبر هذه الأرقام مرتفعة بالمقارنة مع الحملات الجوية التي شنها التحالف الدولي على تنظيم داعش في العملية التي أطلق عليها عملية العزم التام، حيث شن التحالف في الأسابيع الثلاث الأولى ما يقرب من 5 آلاف طلعة جوية. فما هو التقييم العملياتي والاستراتيجي لعملية عاصفة الحزم، وهل استطاعت عملية عاصفة الحزم أن تحقق نجاحًا على الأرض؟
عملية عاصفة الحزم (المبررات والبداية)
بلغ التمدد الحوثي في المناطق اليمينة أوجه بعد أن انتشى بالسيطرة على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر فيما اعتبرها ثورة تصحيحية. وبينما كان الحوثي قد سيطر على المكامن الرئيسية للدولة وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي والقيادات الأمنية المتحالفة معه، وتمدد سريعًا في مناطق شاسعة في الجمهورية اليمينة لبسط سيطرتها بالتعاون مع قطاعات الجيش الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، اليوم وبعد بدء عمليات عاصفة الحزم أصبحت قوات الحوثي تنتشر بحالة دفاعية في أغلب الأحيان لا تتخللها سوى عمليات هجومية في مناطق قليلة للدخول في المناطق المدنية.
الضربات الجوية دمّرت أو ألحقت الضرر بقواعد الصواريخ التي تملكها قوات الحوثي، وكذلك التجمعات المسلحة على الحدود السعودية، ومخازن الذخيرة والقوة البشرية للحوثيين، فكما أعلن الناطق باسم علميات التحالف العربي فقم تم تحييد المضادات الأرضية والسيطرة على أجواء اليمن كاملة، وهو ما تظهره سلاسة الطلعات وعودة الطائرات إلى قواعدها بسلام.
وعلاوةً على ذلك، ساهمت هذه الضربات في إعطاء قوات المقاومة الشعبية وتجمعات القبائل دعمًا حاسمًا لاستعادة السيطرة على المناطق اليمينة، وأهمها السيطرة على معسكر اللواء الثاني “مشاة جبلي” الموالي للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في شبوة، والسيطرة على معسكر موقع النشيمة الاستراتيجي المؤدي إلى ميناء بلحاف وإحباط الهجوم الحوثي على مدينة عدن وردعه من قبل المقاومة الشعبية.
أضف إلى ذلك أنها أتاحت لعدد من قطاعات الجيش اليمني الموالية للرئيس المخلوع علي صالح إعلان ولائها للرئيس عبد ربه منصور هادي، كان من بينها اللواء 35 الذي انتشر في محافظة تعز وأقام نقاط تفتيش للدفاع عن المحافظة.
العمليات العسكرية الجوية
في تقييم العمليات العسكرية للتحالف العربي فقد ساعدت القوة الجوية على إيقاف وعكس مفاعيل هجوم الحوثيين على مناطق شاسعة في اليمن كما ذكرنا سابقًا، حيث تسببت الطلعات الجوية إلى إلحاق أضرار جسيمة في صفوف قوات الحوثيين وأدت إلى خسارة العديد من الأسلحة الثقيلة والآليات التي يصعب استبدالها، الأمر الذي عد من أهم القضايا التي ركز عليها التحالف السعودي – العربي وهذا ما انعكس على إعلان القيادة العسكرية للتحالف حظر اقتراب السفن للموانئ اليمنية.
وتزامن ذلك مع قيام قطع بحرية تابعة للتحالف بمراقبة الموانئ اليمنية، وإغلاق الموانئ البحرية الرئيسية، وهي (ميناء عدن وميناء المكلا وميناء المخاء وميناء الحديدة)، لتمنع بذلك تلك الإجراءات الإمداد العسكري للحوثيين عبر البحر، أو إمدادهم بالأموال. هذا يتضح بموازاة تركيز الضربات في المناطق الرئيسية من اليمن على خفض الإيرادات التي تصل إلى الحوثيين
دقة وضبط
كانت للطريقة التي نفذت فيها عملية عاصفة الحزم أهميتها أيضًا. فقد اتسمت العمليات الجوية للتحالف بدرجة بالغة من الدقة والانضباط وبوجود بنك أهداف على مستوى على الأهمية.
كما أن الادعاءات حول وجود ضحايا من المدنيين من اليمنيين تزال حتى الآن متدنية جدًا فمن الواضح أن الطلعات الجوية ركزت بشكل كبير جدًا ولافت على المواقع العسكرية الرئيسية ولم تتعرض لمواقع سكانية وهذا من الملفت والذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.
ومع أنه يصعب التحقق من هذه الحقائق بسبب غياب أي وجود ميداني لصحفيين مستقلين في الأراضي اليمنية، يبقى واضحًا أنه تم بذل جهود ملحوظة للحرص على الحد من الأضرار المدنية.
وهو ما أكده مرارًا المتحدث باسم علميات عاصفة الحزم في المؤتمر الصحفي اليومي، إن هذا الضبط قد جلب فوائد جمة من ناحية حشد تحالف شعبي يمني كبير لهذه العملية.
التوقعات على المدى القريب
من المرجح أن تستمر قوات عاصفة الحزم في العمليات العسكرية الجوية ضد الحوثيين خلال الأشهر القادمة لإضعاف قدرة الحوثيين على التمدد ولتدمير القوة العسكرية التي حازوا عليها إثر السيطرة على المواقع العسكرية اليمنية، لينتهي بهم المطاف إلى بسط سيطرة المقاومة الشعبية على المناطق اليمنية الرئيسية وحصر الحوثيين في مواقع محددة.
لكن بالنظر إلى الواقع الموجود حاليًا فإن التمدد الحوثي الذي وصلوا إليه قبل بدء العمليات يجعل هذه المهمة ليست سهلة التحقيق، فدحر قوات الحوثي خارج المراكز الرئيسية اليمنية يتطلب عمليات برية واسعة تشنها قوات المقاومة الشعبية مدعومة بقوات عسكرية لجيش مكتمل الأركان.
إن الخوف الحقيقي الذي يجب العمل على تجنبه هو الجمود الاستراتيجي الذي يتمثل بسلسلة من الجزر التي تخضع لسيطرة الحوثيين وسط بحر من خطوط التواصل المتنازع عليها في مثل الحالة السورية والعراقية والليبية.
لتفادي هذه المشكلة يجب أن ترتكز الطلعات الجوية في عملياتها على مواطن قوة الحوثيين واستهداف قواتهم البشرية وقطع الإمدادات العسكرية بشكل كامل وقطع خطوط التواصل بين قيادتهم العسكرية والسياسية بشكل كامل والبحث في المقابل عن نقاط ضعفه واستغلالها.
ومع إحباط هجمات قوات الحوثي في المدن اليمنية وإحباط مساعيه لتدمير للسيطرة على عدن، باتت الجماعة تسيّر جهودها في اتجاهين: الأول نحو المحافظة على المناطق المسيطر عليها، وذلك من أجل المحافظة على موقع في أي اتفاق سياسي قادم، والثاني نحو السيطرة على المنافذ البحرية حيث كان وجودها في السابق ضئيلًا أو معدومًا.
الخطوات المقبلة
يعزى سيطرة الحوثيين على اليمن إلى الفراغ في القوة السياسية الذي سببه عدم بسط سيطرة الرئيس عبد ربه منصور هادي على الحالة السياسية اليمنية، وما تبعه من تداعٍ لقوات الجيش اليمني وتحالف قطاعات واسعة من الجيش التابعة للرئيس المخلوع صالح مع الحوثيين. والذي انتهى به الحال إلى سيطرة الحوثيين إلى مناطق شاسعة باليمن بقوة السلاح، وهذه مشاكل تعجز القوة الجوية عن حلها بمفردها.
إعادة تشكيل القوة العسكرية اليمنية يجب أن تكون حاضرة في أي مسارات مستقبلية في اليمن لاستيعاب أي فراغ أمني مستقبلي، إعادة تشكيل القوة العسكرية ربما لا تعود بالفائدة في المستقبل القريب، ويعود ذلك جزئيًا على الأقل إلى أن القوات اليمنية كانت خاضعة لسيطرة سطوة علي عبد الله صالح، يجب السماح بإعادة تغيير عقلية الجيش وربط مصالحها بالمصالح العليا للدولة اليمنية.
من هنا يجب الإشارة إلى أنه لن يؤدي قتل المزيد من مقاتلي الحوثي إلى القضاء على العوامل التي مكنتهم من البروز كقوة فاعلة في الساحة اليمنية. لذلك يجب توسيع الحملة التي يشنها تحالف عاصفة الحزم من خلال مضاعفة الجهود الآيلة إلى كشف صورة الحوثيين الزائفة عن قوته التي لا تقهر. فكلما طالت المدة التي سيطر خلالها الحوثيون على منطقة ما، زاد التوهم بصعوبة انكسارهم على المدى القريب في عقول اليمنيين وهو ما قد يؤدي إلى رفع كلفة العمليات العسكرية لعاصفة الحزم.
هذا التقييم اقتصر على تقييم أداء عملية عاصفة الحزم، ولم يتم فيه الإشارة إلى الموقف السياسي العملية، ولم يتجه لتحليل وتوضيح دور اللاعبين الكبار المؤثرين في الساحة اليمنية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست