مما لا شك فيه أن الشلل التام الذي أصاب مجلس الأمن الدولي والغياب الكامل للدور العربي وكأن الأمر لم يعد يعنيهم بعد تسليمهم الملف السوري للأمم المتحدة التي ترسل المبعوث تلو المبعوث دون نتيجة، وخط أوباما الأحمر الذي تجاوزه الأسد مرارًا قد تحول إلى خط أحمر تصطدم به إرادة الثوار السوريين بمعنى أنه قد ولّد شعورًا لديهم أن النظام الدولي قد أطلق العنان للأسد دون رقيب للبطش بهم بلا شفقة وقلق بان كي مون الأجوف قد زاد من قلق الشعب السوري قلقًا. عدا مأساة لجوئهم ونزوحهم فرارًا من جحيم الحرب فتقلع الريح خيامهم ويغوص في الطين أطفالهم ويغدو البحر المتوسط وشواطئه لحدًا لهم ومقبرة على طريق الهجرة.
كل ذلك أدى إلى هزّات عنيفة في ثقة الثورة السورية بمحيطها العربي والعالمي، بل ودفعت ثمن الخلافات الإقليمية التي بدورها انعكست سلبًا على مجريات الأحداث وأخذت تخلع أشواكها بأيديها وحيدة بانتظار حدث طارئ يغيّر المشهد الروتيني السياسي في المنطقة، وهي تتابع بحرقةٍ سخاء حلفاء النظام السوري الذين يدعمونه بما لذّ له وطاب من مالٍ وعدة وعتاد فضلاً عن ذودهم عنه في المحافل الدولية.
وفعلاً قد حدث أمر طارئ.
هبت رياح عاصفة الحزم في اليمن لتصل نسماتٌ منها إلى سوريا أحيت آمال شعب مكلوم من ويلات براميلَ عمياء ماطرة بدمغة إيرانية تتساقط على رؤوسه، تداول القوم الخبر وأخذوا في كل زقاق وملجأ يبنون توقعاتهم ويتبادلون آراءهم على ضوء المتغيرات المستجدة، لتتفاوت درجات التفاؤل والتشاؤم في الشارع السوري.
منهم من راقبوا عن كثب التطورات المتزامنة مع عاصفة الحزم من تحرير مدينة إدلب شمالاً وبصرى الشام ومعبر نصيب جنوبًا وشعروا أن المجال الحيوي العسكري للثوار قد توسع، إضافة إلى التقارب السعودي التركي الواضح بعد الجفاء والتسريبات التي تظهر تباعًا عن إمكانية تشكيل تحالف عسكري يبشر بحزم إقليمي تجاه النظام السوري ولملمة تشرذم الفصائل أرضًا ودعمهم بما يغير الموازين فرحين بالاتجاه الصحيح للبوصلة السعودية نحو المحتل الإيراني، عدا الصراخ الشديد لمحور “المقاومة والممانعة” فأوّلوه بأنه من أعراض شدة الألم!
والقصف الشديد الكثيف من طيران حربي ومروحي غادر المدرجات ولا يغادر الأجواء يصب جام غضبه وغيظه فوق المدارس والمستشفيات، بدا لهم وكأنه يفارق السماء ويودعها بأيامٍ أخيرة!
متكهنين بأشهر قادمة عاصفة تفرض مناطقَ آمنة في الشمال السوري وجنوبه وجعلها منطلقًا لعمليات عسكرية تجتث شجرة الظلم والاستبداد التي ضربت جذورها في سوريا لأكثر من خمسين عامًا بمنظومة أمنية خبيثة تكاد تحصي أنفاسهم.
وأناسٌ يتابعون الأحداث بأقل تفاؤل وحذر أكثر مما سبق. يقرّون بأن العدو مشترك واحد متمثلٌ بإيران وميليشياتها وأذرعها على امتداد الأراضي في اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان، وبأن تأثير عاصفة الحزم سينعكس إيجابًا على الثورة السورية لكن بشكل محدود مستبعدين احتمال هبوب عاصفة تضرب سوريا، معللين ذلك بشدة تعقيد الساحة السورية وبأنه قد مرت أيام مواتية للتدخل أكثر من أيامنا هذه وبأن سوريا مهمة لإيران وروسيا بما لا يقارن باليمن. وانحسار قوات النظام قد يعقبه تمدد لجماعات لا تناسب دول الإقليم والعالم كداعش وجبهة النصرة، مع احتمال اختيار وتنظيم قوى ثورية على الأرض يمكن الوثوق بها وتزويدها بعتاد تفتقده من مضادات دروع وربما صواريخ مضادة للطائرات مع شكّهم، تعيد توازن المعركة وتكسر الجمود للتقدم أمامًا ليس للحسم العسكري إنما لإجبار النظام السوري وحلفائه للجلوس على طاولة مفاوضات “دايتون سورية” تنتهي بحلّ سياسي مستحضرين السيناريو اليوغسلافي.
لكن آخرين قد لُقنوا درسًا قاسيًا بعد رفع سقف توقعاتهم على مدار سنوات الثورة لتتلوها إحباطات موجعة خيّبت ظنونهم مرارًا وتكرارًا، وفي مجزرة الكيماوي مثال حي عرّى العالم من ثوب القيم الإنسانية الذي طالما اكتساه وتباهى به فتكونت لديهم قناعة تامة أنهم يتامى وحيدون لا يريدهم أحدٌ وحُوصروا وحُسم الأمر عندهم بأن الجميع من عرب وعجم وشرق وغرب يقفون ضدهم جهارًا نهارًا ويتآمرون عليهم ليختاروا أكثر الجماعات غلوًّا وتنطّعًا، ولا ينتظرون حدوث عاصفة في سوريا وربما لم يعودوا يتمنون حدوثها.
سَعِدت الثورة السورية برياحٍ هبت بما تشتهي اليمن. عاصفة أبعدتها عن الحضن الفارسي البارد والكأس الإيراني المرير لتبقى أرض قحطان منبع العرب عربية.
وفي سوريا العيون تترقب أفقًا جديدًا قد ظهر، لعله يكون المرسى لسفينة ثورة الشعب السوري بعد إبحار شاق، دام أربع سنين إلى الآن وسط الأمواج المتلاطمة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست