يتمتع الإعلام بأهمية كبيرة داخل هيكلية تنظيم داعش، وهو من أكثر التنظيمات الجهادية اهتمامًا بشبكة الإنترنت والمسألة الإعلامية؛ فقد أدرك منذ فترة مبكرة من تأسيسه الأهمية الاستثنائية للوسائط الاتصالية في إيصال رسالته السياسية ونشر أيديولوجيته السلفية الجهادية، فأصبح مفهوم “الجهاد الإلكتروني” أحد الأركان الرئيسية في فترة مبكرة منذ تأسيس جماعة “التوحيد والجهاد”، ثم “القاعدة في بلاد الرافدين”.
شهدت الهيئة الإعلامية لتنظيم الدولة تطورًا كبيرًا في الشكل والمحتوى، وتتمتع بدعم وإسناد كبيرين، وتعتبر مؤسسة “الفرقان” الإعلامية الأقدم والأهم، وقد ظهرت مؤخرًا مؤسسات إعلامية عديدة تتبع التنظيم، مثل: مؤسسة “الاعتصام” ومركز “الحياة”، ومؤسسة أعماق، ومؤسسة البتار، ومؤسسة دابق الإعلامية، ومؤسسة الخلافة، ومؤسسة أجناد للإنتاج الإعلامي، ومجموعة من الوكالات التي تتبع الولايات والمناطق التي تسيطر عليها، كوكالة أنباء “البركة” و”الخير” وغيرها. كما صدر عدد من المجلات بالعربية والإنجليزية أمثال: “دابق” و”الشامخة”، وأنشأت الهيئة إذاعات محلية، مثل: إذاعة “الخلافة” وإذاعة “البيان” في مدينة الموصل في العراق، وإذاعة أخرى في مدينة الرقة في سوريا.
إلى جانب وسائلها الإعلامیة، تستفيد داعش من التغطیة المنحازة لبعض الفضائیات العربیة المدعومة بمال النفط، التي دأبت علی قلب الحقائق والتحریض وإثارة الغضب وبث الكراهیة ضد جماعات معینة، وتصویر الأخ عدوًا، هذه الفضائیات عن درایة أو جهل، تساهم في توفير الأرضیة اللازمة لانتعاش ظواهر التعصب والتطرف، وتلعب دور محامي الشیطان بالدفاع المستتر عن إجرام الجماعات التكفيریة وإیجاد قرائن تبرئتها.
استخدمت داعش الحرب النفسیة إلى جانب حضورها في میدان المعركة في سوریا والعراق. تُولي داعش هذا النوع من الحرب أهمیة قصوی، لا تقل عن العمل المیداني، حیث تعتبر «الإعلام نصف الجهاد». وقد نجحت باستخدام وسائل المیدیا الحدیثة، والاستفادة من قدراتها في مجالات شتی. وتسعی من خلال بث الأفلام القصیرة المروجة لأفكارها وبطولاتها القتالیة إلى استقطاب شباب صغیر السن یئسوا من التهمیش السیاسي والاقتصادي في مجتمعات أنهكها الإفساد والاستبداد وضیاع الهویة الوطنیة. ویأتي بعضهم من دول غربیة، یعانون فيها أزمة عدم القدرة علی الاندماج في مجتمع حدیث، فيعیشون حالة من التیه والضیاع.
تعمل داعش من خلال البروباغاندا الصادمة، علی إبراز عناصر قوتها بطریقة وحشیة مستفزة للأبصار والمشاعر، عبر مشاهد الإعدامات الجماعیة لجنود أسری راكعین علی حافة خندق طویل سرعان ما یتحول إلى مدفنهم. كما جری في قاعدة سبایكر الجویة العراقیة، وفي مقر الفرقة 17 السوریة وغیرها.
اتخذ أعضاء هذا التنظیم إستراتيجية متطورة في العالم الافتراضي.
إذ یسعی هذا التنظیم من خلال بث الفيدیوهات ذات الجودة العالیة والتحریر المهني من خلال استخدام الإمكانیات المتقدمة، أن یتباهی بقساوته ووحشیته أمام مخاطبه.
ورغم تحریم استخدام التقنیة الحدیثة ومن بینها الإعلام من قبل التیارات السلفية والتكفيریة، استغلت داعش فرص العولمة والوسائل الحدیثة لاستقرار هذا التنظیم وانتشاره بصورة واسعة بالمقارنة مع سائر التنظیمات المتجانسة. ورغم أن الجماعات الإرهابیة الأخری استعملت وسائل الاتصالات للحصول علی أهدافها أیضًا، لكن علی عكس سائر التنظیمات المشابهة استعملت داعش هذه الإمكانیات الإعلانیة الحدیثة لتطویر وتقدم أهدافها، بكل ما تملك من قوة.
ولا تقارن هذه الأعمال مع الأسالیب المستخدمة من قبل بن لادن زعیم القاعدة، حیث تنحصر جمیع نشاطات بن لادن وحلفائه الإعلامیة، ببث شریط خطاب في مواقع الإنترنت ومقابلة أو مقابلتین مع قنوات تلفزیونیة خاصة فحسب. ولكن أعضاء داعش رغم التحجر وجمود العقیدة والعداوة مع جمیع مظاهر الحضارة یتمتعون باهتمام خاص لاستخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعیة.
إحدی أهمّ نشاطات هذا التنظیم هي الاستخدام المستهدف من مواقع التواصل الاجتماعیة ولا سیما تویتر، فيسبوك، یوتیوب ودیاسبورا للتأثیر علی الرأي العام واستقطاب القوی الجدیدة ودبّ الرعب في قلوب جنود الأعداء لخلق الحرب النفسیة، جمع الأموال والبحث والمحادثة والتنسیق الإستراتیجي مع بعضهم البعض.
ورغم ذلك، الإستراتيجية الإعلامیة لهذا التنظیم في العالم الافتراضي وسیعة ومیدانیة جدًا، وذلك لتقدیم المعلومات الإستراتيجية منها التعالیم اللازمة للعملیات الانفجاریة وإعداد المتفجرات والسیارات المفخخة، لأعضائه وداعميه من جهة، وإبلاغ الأحكام لإضفاء الشرعیة الدینیة للقتل الذي یرتكبه هذا التنظیم في النقاط التي یسیطر علیها، من جهة أخری.
في الحقیقة، من الأمور التي ساهمت بصعود داعش وانتشاره، هي الإستراتيجية والتقنیة الإعلامیة لهذا التنطیم الإرهابي. قد تحظی داعش بتواجد نشیط في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعیة كفيسبوك، تویتر، یوتیوب وغیرها. وصنّفت لنفسها مجالًا إعلامیًا واسعًا من خلال تبادل الأخبار والمشاهد والفيدیوهات.
قد أدّی حضور رعایا البلدان المختلفة في هذا التنظیم والأخبار المنتشرة عنه إلى متابعة أخباره والعنایة بالحوادث والإجراءات المتخذة من قبل هذا التنظیم وتصدره في عناوین الأخبار المنتشرة في وسائل الإعلام المختلفة. قد تحظی الحرب الإعلامیة والدعائیة بأهمیة بالغة لا تقل عن العمل المیداني لهذا التنظیم. وقد أدّت هذه الإستراتيجية لوصف الإعلام «بالملعب الرئیسي لداعش»، من قبل بعض المحللین.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست