يبدأ الأمر دائمًا بسبب أخطاء تحدث عن جهل غير مُتعمّد، لندخل مباشرةً إلى صلب الحديث دون الدخول إلى متاهات الكلمات، في بلاد كمصر وغيرها من البُلدان المتأخرة هناك مُحددات للفشل تُختصر في عدة امتحانات لها حدٌ أدنى للنجاح وما دون ذلك الحد يُعَدُ رسوبًا. الرسوب، أولى الخطوات نحو طريق الفشل! بالطبع هذا الكلام ليس منطقيًا أبدًا، فَليس هناك ما يُسمى فشلًا مُطلقًا بالعكس هناك نقاط سقوط قد تبدو فشلًا لكنها دائمًا ما تكون انطلاقات لطريق النجاح الذي لم يكن يومًا مُطلقًا هو الآخر بالمناسبة.
لنعد من حيث بدأنا مرةً أخرى، أخطاء الجهل غير المُتعمد ذلك تعني ببساطة أن هناك مشكلة بل مُعضلة في بلادنا وهي أن أجيالًا كاملة ترعرعت بمفاهيم خاطئة وشائعات زائفة كتلك الشائعة أن الذي يفشل يكون غبيًا طبعًا! وبالتأكيد هذا يأخذنا مباشرةً إلى النقطة التالية حيث المشكلة الأكبر، وجود أجيال بعقول جُعلت جاهلة يخلق أجيالًا بعقول أكثر جهلًا تتحول إلى عقول فاشلة بحق.
في الأساس لم يخلق الله بشرًا غبيًا فَكل العقول ذكية لكن الأصل في ذلك هو أن لكل بشريّ عقله المختلف وإدراكه الذي لا يشبه إدراك غيره، ومن هنا ننتقل لنقطة أخرى وهي أن كل إنسان له اختصاصه الذي خَصَّه الله به فَهناك ملايين المجالات التي يمكن لأي أحد أن يعمل بها، لكن التميّز لا يكون إلا لأهله بمعنى أن تلك العقول المختلفة قد تفشل في مجال ما بينما تزدهر في آخر، فَرسوب أحدهم بمادة الأحياء مثلًا لا يُخبرك بأنه فاشل أو غبيّ بل يُخبرك بأن عقله لا يستوعب ذلك النوع من المعلومات بينما يمكنه استيعاب الفيزياء أو الكيمياء مثلًا، ورُبما يكون هذا العقل لا يستوعب ذلك النوع من التعلُم أصلًا، فَيمكن أن يكون بارعًا في النجارة أو الحدادة وذلك لا يجعل من المرء فاشلًا أبدًا.
هناك أمثلة كثيرة ومختلفة تُثبت أنه لا وجود لطريق الفشل بالأساس إلا الإنسان نفسه، يعني أن من يُرِد يستطِع بغض النظر عن وجود ما يُعيق في المحيط.
أحد أمثلة الواقع التي لن تكون مألوفةً بالنسبة للجميع لكنها على أي حال تحدث فعلًا لأناس أقل ما يُقال فيهم إنهم المميزون على هذه الأرض. فصل إحداهن عامٌ واحد عن الثانوية العامة ومن ثَمَ انهالت عليها المشكلات من كل حدب وصوب دون توقف، وكما عرفت الفتاة فإن هذه المرحلة التي تبدو وكأنها العمل الذي يفصلها عن الجنة من كثرة ما يعطي المصريون هذه المرحلة أهمية، زائفة بالطبع!
لم تستطع الفتاة مقاومة ما حولها من ضغوطات وبالفعل رسبت للمرة الأولى ومن بعدها الثانية فالثالثة حتى ثبتت عليها تهمة الفشل التي كادت تقتل مستقبلها شنقًا، لكنها بعد كثير من فقدان الأمل تركت الثانوية العامة التي لم تنفعها أبدًا وانتقلت إلى الثانوية التجارية وعلى النقيض أنهت سنواتها الثلاث وتخرجت منها أخيرًا بتفوق حتى تثبت للجميع بذلك أنها ليست فاشلة. أصبح من السهل أن تدخل الجامعة أخيرًا لكن فجأة من اللامكان ظهر أمامها نظامٌ جديد يمنع طلاب الثانوية من الالتحاق بالجامعة المفتوحة بعد التخرج مباشرةً بل بعد خمس سنوات كاملة!
بالطبع حطمها ذلك كثيرًا لكنها لم تيأس أبدًا واتجهت إلى العمل مباشرةً رغم أنه لم يشجعها أحدٌ قَط، عملت في مجال تصميم الإكسسوارات وقتًا طويلًا ويجدر القول إنها استطاعت أن تنجح فيه. وفي النهاية مرت السنوات الخمس بكثير من الإحباط في بعض الأحيان وكثير من الإصرار في أحيان أخرى وحان الآن وقت دخول الجامعة بعد عناء طويل قارب السنوات العشر!
بدأت الدراسة فعلًا في مجال رياض الأطفال، عملت في عامها الأول والثاني في إحدى الشركات حتى وصلت إلى نائب المدير، هي الآن في عامها الثالث بتقدير عام جيد وتعمل في مجالها، تخطو خطوات ثابتة كل يوم نحو نجاح مشرق في هذا المجال دون أن تنظر لكل ذلك الإحباط الذي مرت به. ما كانت لتصل تلك الفتاة إلا بقرارها أنها ليست فاشلةً أبدًا.
خلاصة القول، لا يوجد فاشل خُلق هكذا ليفشل لكن هناك إنسانًا أمامه الاختيار وعليه أن يذهب إما في طريق النجاح أو أن يجلس مكانه يتأمل خيباته تاركًا الفشل يُحطم ما يمكن أن يكونه في أحد الأيام!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست