يحقق باسم يوسف نجاحات متتالية منذ بدأ في الظهور على الساحة في 2011 متزامنًا مع اندلاع مظاهرات يناير التي انتهت بتنحي الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، بدء من تحقيقه لأرقام مشاهدين غير مسبوقة على يوتيوب لفيديوهات كان يصورها في غرفته الشخصية، مرورا بتقديمه برنامجه على التليفزيون، ثم من مسرح بجمهور حي، ووصوله للعالمية باستضافة جون ستيوارت له، حتى تقديمه لحفل ايمي أوورد.
ولم يزل باسم مستمرًا في نجاحاته، وأعتقد أنه سيستمر، حيث إنه مازال في جعبته الكثير، رغم أن طريقه لم يكن مفروشا بالورود، وقد حاول النظام المصري الحالي أن يوقف نجاحه.
قد تكون من الشامتين في باسم؛ لمساهمته في الانقلاب على الرئيس السابق محمد مرسي، أو سعيدًا بقرار الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في إيقاف برنامجه للحفاظ على هيبته، لكني أرى أن باسم قد نجح رغما عنا.
لا أعتقد أن يختلف معي الكثيرين في أن باسم يوسف كشخص، وإعلامي ناجح، وإن كنت من المتشككين في نجاحه فيكفي أن تلقي نظرة على مجتمع يوتيوب، والتليفزيون المصري، ولاحظ كم المحاولات التي تحاول تقليد ومحاكاة أسلوب باسم يوسف من كثير من الهواة، بل حتى المخضرمين في مجال الإعلام.
باختصار، الإعلام المصري قبل باسم يوسف لم يعد كما كان بعد باسم يوسف. ولاحظ أن باسم لم يكن إعلاميا أو متخصصا في الإعلام، ولنا في ذلك وقفة بعد قليل.
قد تختلف معه، ومع أسلوبه، وتوجهاته، لكنك لا تستطيع إنكار نجاحه، رغم أن السلطة المصرية الحالية ضيقت عليه، ومنعته من استكمال برنامجه، لكن ذلك لم يمنعه من استكمال طريقه، ولم يمنع المتابعين من متابعته، بل المطالبة بعودة برنامجه.
وتفسيري لنجاح باسم يوسف هو مجموعة من الصفات والعوامل والتصرفات العامة، التي ظهرت لي كمتابع له، وبرامجه ولقاءاته العامة، وسأحاول مشاركتكم في تحليلي لتلك الصفات في السطور التالية:
التمسك بأصله بطريقة لا تمنعه من التغير.
“أنا عربي مسلم” قالها باسم في افتتاحيته لحفل إيمي أوورد، فضلا عن قولها مرارًا من قبل، في كثير من المناسبات واللقاءات.
باسم يرى أصله جزء من شخصيته المتفردة التي تميزه عن الآخرين، قد ترى باسم متأثرًا بشدة بالثقافة الغربية وقد تكون تصرفاته ـ في بعض الأحيان ـ تميل إلى محاكاة النموذج الغربي للحياة، وذلك ـ في رأيي ـ أحد عوامل نجاحه، فهو لم يفقد صلته بأصله أو يتبرأ منه، ولم يجعله عائقًا أمامه للتطور واكتساب صفات مغايرة، وذلك أحد مصادر قوته وتفرده. وأدّعي أنه اكتسب تلك الصفة بسبب أنه عاش لفترة من حياته مغتربًا؛ فالسفر والاطلاع على الثقافات المختلفة هو أحد أهم التجارب التي يقابلها الفرد.
الاجتهاد
قد لا يكون باسم مبتكرا ـ في رأي البعض ـ حيث إنه يقلد جون ستيوارت وبرنامجه، لكنه ابتكر في محاولة توصيل المحتوى بطريقته، وبصورة تتماشى مع الخصائص المختلفة لجمهوره، لكنه في جميع الأحوال مجتهد جدا ويقوم بالاهتمام بعمله بشدة، ويهتم بالتفاصيل الدقيقة لعمله، فَلَو شاهدت لقاءه مع لميس الحديدي عن فريق برنامجه سوف تلاحظ الدقة الشديدة التي يوليها هو ـ وفريق عمله ـ للتفاصيل.
الاعتراف بالجميل
كثيرًا ما اعترف باسم بفضل فريقه على نجاحه الشخصي، بفضل جون ستيوارت عليه، بفضل زوجته وأهله عليه، عادة ما يكون الشخص دائم شكر الآخرين محبوبًا منهم، وهو ما يساعد على أن تزداد تلك المساندة والمساعدة له من قبل من حوله، لا يوجد في العالم فرد يستطيع أن ينجح بمفرده، رد الجميل لمن ساندوك يزيد من امتنانهم وهو ما يؤدي إلى المزيد من المساندة، قد يتصور البعض أن شكر الآخرين والاعتراف بفضلهم وإعطائهم حقهم من الاهتمام يقلل من نجاحك أو يعطي لهم فرصة في منافستك، لكن ذلك ليس صحيحاً. فالنجاح ليس لعبة صفرية يأخذ فيها المنافسون من نقطتك لينجحوا.
الثقة بالنفس وإيمانه أن النقد الشخصي لا يقلل منه
الاعتراف بالجميل أيضا يشير إلى الثقة بالنفس، وهو ـ في رأيي ـ قد يكون أهم عوامل النجاح كافة، باسم يملك ثقة كبيرة بنفسه وقدراته تراها في طريقة ظهوره ببرنامجه، وعدم خوفه من الاعتراف بدور من حوله من الناس، بالإضافة إلى قبوله النقد، بل نقده لذاته، قد يكون باسم هو أكثر إعلامي تسمع منه انتقادا لنفسه، كررها كثيرًا عندما تم كشف تعريبه لمقال وكتابته باسمه، وعن لدغته، ومنذ أيام قليلة في حفل إيمي أوورد عندما تحدث عن احتياجه لاعتراف الآخرين بنجاحه، كلنا نخطيء ولدينا نقاط ضعف، انتقادك لنفسك يعطي انطباعا بالثقة بالنفس، بالإضافة إلى أنه يقرب منك الناس؛ حيث يشعرون أنك شخص طبيعي ـ يخطيء ويصيب ـ مثلهم.
قبوله التغيير وعدم الخوف منه والمخاطرات المحسوبة
كثير منا يخاف التغيير ويفضل البقاء في القيام بما يقوم به خوفًا من الفشل أو الغربة أو مجرد الخوف من المجهول، وذلك يحد كثيرًا من فرص نجاحنا. بالطبع في التغيير مخاطرة، لكنها في أغلب الأحيان أقل كثيرًا مما نحسبه، تقبل التغيير وعدم الخوف منه، مع الحفاظ على حسابات المنطق؛ لكي لا تكون الخسارة فادحة هو أحد عوامل النجاح.
كم منا جاءت له فرص للنجاح وتركها خوفًا من المجهول، أدعي أن أغلب قصص النجاح التي رأيتها، وعايشتها، يكون في أحد مراحلها مخاطرة وتغيير دراماتيكي في أحداثها، وقصة باسم يوسف ليست استثناءً. فلم يكن باسم إعلاميا، لكنه دخل الإعلام في مخاطرة ـ محسوبة ـ وأصبح ـ في رأي الكثيرين ـ في مقدمة الإعلاميين.
التطور الدائم
شاهد حلقة من حلقات باسم يوسف في بداية ظهوره، وشاهد حلقة من الموسم الأخير من برنامجه، أو حفل تقديم جوائز إيمي أوورد الأخير؛ لتفهم ماذا أقصد، فباسم في أقل من أربع أو خمس سنوات قد تطور تطورًا واضحًا في طريقة تقديمه وحواره وأسلوب تعامله، وهذا السعي للتطور والعمل الدائم على تحسين عمله وأدائه هو الطريق الأضمن للنجاح، فنادرًا ما نرى شخصا يظل ناجحا ما لم يقم بتطوير نفسه وتنمية قدراته ومعارفه.
الطموح والتخطيط والتسويق
وقبل أن أنهي مقالي لابد أن أشير إلى أن نجاح باسم يوسف يرجع أيضًا إلى طموحه، وتخطيطه المتقن؛ للوصول لأهدافه.
قد يكون باسم موهوبًا بالفعل، لكنه قد يكون هناك من يفوقه موهبةً. وكما يقول الكثيرون: “العمل الجاد يتخطى الموهبة التي لا تعمل بجد”. الموهبة مهمة فعلًا، لكنها ليست ذات أهمية كما نتصور؛ فكل ما يمكن للموهبة أن تقوم به هو أنها ستجعلك تصل لنتائج أفضل بنفس القدر من العمل الذي يقوم به الأقل موهبة، فباسم منذ اللحظة الأولى وهو يرى في نفسه جون ستيوارت مصر.
قد كان ذلك فعلا شيئًا طموحا، ولكن بالتخطيط والعمل الجاد ونجاحه في تسويق نفسه داخليا وخارجيا حقق ذلك الهدف الطموح. لم يتصور أنه أضعف من الوصول لجون ستيوارت، لم يقل لنفسه: “هو أنا مين يعني علشان جون ستيوارت يعبرني ويرد عليا”، بالطبع كان محظوظًا لكن الحظ عادة ما يأتي لمن يستحقه ويعمل بجد للوصول لأهدافه.
تجربة باسم يوسف ـ في حلوها ومرها ـ تجربة ثرية بالتفاصيل والخيارات والدروس، قد نختلف مع باسم أو عليه، قد نعترض أو نتوافق مع اختياراته وأهدافه وقيمه، لكن ما أستطيع التأكيد عليه أن تجربته هي تجربة مثيرة وملهمة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
باسم يوسف