في رحاب مدينة الإسكندرية، وعلى أرض حي كوم الشقافة الشعبي ولد سليمان حافظ عام 1896، بدأ طريقه العلمي حتى حصل على البكالوريا (الثانوية العامة)، وفي ذلك الوقت كانت دراسة الحقوق تحتل مكانتها، ويكفيها تخريج أجيال عظماء من الساسة والقضاء الذين تقلدوا المناصب العليا في الدولة آنذاك، حصل على ليسانس الحقوق من الجامعة المصرية عام 1920م، وبدأ العمل بالمحاماة بالإسكندرية، ثم التحق بالسلك القضائي حتى أصبح مستشارًا بمحكمة النقض، ثم وكيلًا لوزارة العدل. التحق بالعمل السياسي فأنضم إلى الحزب الوطني، مما جعله معارضًا شرسًا لحزب الوفد آنذاك. ويأتي عام 1949 حيث انتقل إلى مجلس الدولة وكان حديث التكوين في النظام القضائي المصري آنذاك وعمل وكيلًا للمجلس، لم تتمكن السلطة التنفيذية قبل (انقلاب يوليو) السيطرة عليه، إذ واصل أحكامه المضادة لرغباتها، وبعد الانقلاب ظهر سليمان حافظ على مسرح الإحداث بصفته المستشار القانوني الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء.
فكان الأداة التي سوف تمكن الضباط الصغار عديمي الخبرة من تكييف الأوضاع القانونية، وإسباغ الشرعية على التصرفات المنتظرة، وبطبيعة الحال أن يتواجد عبد الرزاق السنهوري عبقري القانون المدني دون أدنى خلاف على ذلك، في تلك الظروف، ليشكل الاثنان معًا خطًا موحدًا في مواجهة الطوارئ القانونية التي تعتمد ليس فقط على النفوذ من الثغرات القانونية ولكن أيضًا (خلق الثغرات القانونية)
مثلت باكورة العمل القانوني في هذا العهد الجديد وثيقة تنازل الملك فاروق عن العرش لابنه الأمير أحمد فؤاد وقام بإعدادها سليمان حافظ مع السنهوري كان على الأول أن يقدمها للملك ليوقع عليها، ونجح في تلك المهمة الصعبة، يقول الملك فاروق في مذكراته، حوالي الساعة الواحدة ظهرًا، استقبلت ضابط قانوني يدعي سليمان حافظ، الذي حضر بأوراق التنازل، كان يبدو عليه أن قلبه يعتصر حزنًا، وهذه أثر في، قال: «جلالتك، أتمنى أن أطلق على نفسي الرصاص وأموت على أن أحضر مثل هذه الورقة.. جلالتك، أسأل ربي أن يغفر لي وألتمس عفو جلالتك أيضًا». توسل إلي أن أخبره عن أي شيء باستطاعته أن يخدم به قضيتي في مصر، وأي من أصدقائي يمكنه أن يتواصل معه. هدأت من روعه وقلت له إن الشيء الوحيد الذي أطلبه حاليًا هو أن تضمن الحكومة الجديدة سلامة ابني، يضيف الملك فاروق كان من مصلحته هذا التمساح العجوز، الذي أصبح نائب رئيس الوزراء للحكومة الجديدة في مصر، وكل هذا التظاهر بالبكاء على ما يبدو كان محاولة لحثي على الكشف عن أحد أصدقائي، الذين من الممكن أن يكونوا قد شكلوا هيكل مجموعة لجمع الناس ضد الثوار. علي أن أقول أن تمثيل سليمان حافظ كان رائعًا، مع ذلك لا يمكنني التعليق على أخلاقه.
ولكن النظام برمته، لم يسلم من سليمان حافظ، فقد كان ناقمًا على نظام ما قبل يوليو مركزًا على تاج الدولة (الملك فاروق) وحزب الأغلبية (حزب الوفد) وعليه فقد أمن بما قام به الضباط وشجعهم وذلل لهم العقبات القانونية وفي الوقت ذاته فأن الضباط رأوا فيه الأداة التي تثبت وجودهم وتدعم شرعيتهم.
بدأ بالاعتماد على المخارج التي أقصت المبادئ الدستورية جانبًا، لدرجة أنه قد وصل الأمر إلى إصدار أكثر من قانون في اليوم الواحد، مما دل على التسرع والهوجائية، وبجوار ذلك فأن لسليمان حافظ اليد الطولي في إضفاء السلطات على مجلس قيادة الثورة، وتم تشكيل وزارة جديدة برئاسة اللواء محمد نجيب بعد إقالة وزارة على باشا ماهر وتم اختيار سليمان حافظ لمنصب وزير الداخلية ليعتقل ويسجن كل معارض لانقلاب يوليو، في ذلك الوقت أصبح سليمان حافظ متأججة بالحقد والكره تجاه الأحزاب التي كان على خلاف معها وعلى رأسهم حزب الوفد كما ذكرنا، بدأ سليمان حافظ مشروع قانون تنظيم الأحزاب لكن الدكتور السنهوري عارضه بشدة، مستندًا إلى أن الدستور يمنع تنظيم الأحزاب وانه يترك هذا الأمر لرجاله أي أمر تنظيم الأحزاب، فقال سليمان حافظ لقد فسدت الأحزاب، مما يفسد معها المعنى الحقيقي للديمقراطية البرلمانية وتم الموفقة على قانون سليمان حافظ وكان نصه الآتي: على أن من يرغب في تكوين حزب سياسي عليه أن يخطر بذلك وزير الداخلية (سليمان حافظ آنذاك)، ونص على ضرورة أن تتقدم الأحزاب خلال شهر ببيان مكتوب لوزير الداخلية (سليمان حافظ)، توضح فيه أهدافها وأعضائها ومصادر تمويلها وممتلكاتها، كما نص على أنه لا يجوز لرئيس الحزب أن يكون مديرًا في شركة من الشركات التي تكفل لها الحكومة مزايا خاصة، ونص على حق وزير الداخلية (سليمان حافظ) ولكل ذي شأن أن يعترض على إخلال الحزب بحكم من الأحكام السابقة، الأمر الذي يؤدى إلى وقف نشاطه أو إسقاط عضوية أحد أعضائه، وبهذا القانون أصبح سليمان حافظ هو المشرع والمنفذ، وقد تقدم في ذلك الوقت أثنين وعشرون حزبًا سياسيًا بإخطاراتها إلى سليمان حافظ، وقد اعترض سليمان حافظ على عدد من السياسيين، كان من بينهم زعيم الأمة في ذلك الوقت مصطفي النحاس باشا (ولك أن تتخيل)، ودخلت الحكومة مع الأحزاب في سلسلة من المنازعات القضائية، بسبب هذا القانون، وانشغل الرأي العام آنذاك بهذه القضايا، حتى أصدر سليمان حافظ المشرع الفذ قانون إلغاء الأحزاب لتنتهي مسيرة الأحزاب في مصر حتى عام 1976 بقرار الرئيس السادات بعودة الحياة الحزبية.
ومع بداية عملية لجان التطهير كما كان يسمونها ضباط يوليو كانت تصطدم بالدستور (دستور 1923) ليأتي سليمان حافظ بإقناع الضباط بضرورة إلغاء الدستور لان اللجان كانت تصطدم بإن عددًا كبيرًا من الوزراء السابقين، الذين أدينوا من قبل تلك اللجان، من الصعب محاكمتهم، لان الدستور يحميهم، من القضاء العادي، ولا يقدمهم إلا أمام محاكم خاصة، لا ترفع الدعوى أمامها إلا بقرار من مجلس النواب فتم تعطيل العمل بالدستور (رجل القانون يعطل العمل بالدستور المرجع الأساسي لكافة القوانين والتشريعات).
ولم يكتف بهذا فقط فأصدر عدة تشريعات منافية للديمقراطية منها فصل الموظف دون اللجوء للطرق التأديبية الذي استخدمه عبد الفتاح السيسي مع ابنة المستشار هشام جنينة بفصلها من النيابة الإدارية بغير الطرق التأديبية، وأعداد مشروع قانون العمل والعمال الذي أباحه الفصل وتحريم الإضراب وحرمان رجال القضاء المعزولين من معاشاتهم والذى أيضًا استخدمه عبد الفتاح السيسي ضد قضاة (بيان رابعة)، وإحالة جرائم الإصلاح الزراعي للمحاكم العسكرية.
ومع بداية أزمة مارس وهي أزمة سياسية وقعت في مارس 1954 بين الرئيس محمد نجيب من جانب ومجلس قيادة الثورة بقيادة جمال عبد الناصر من جانب آخر.
لتحسم في النهاية لصالح الرئيس جمال عبد الناصر ويتم تحديد أقامة الرئيس محمد نجيب فيستنكر ويعارض ذلك سليمان حافظ فيتم اعتقاله من قبل (ضباط يوليو) الذي سخر القانون ووأد الديمقراطية وثبت قوانين الديكتاتورية من أجلهم، وللحق لم يضرب بالحذاء مثل السنهوري رئيس مجلس الدولة، وصديقه الصدوق، فقد اعتقل لفترة كذلك.
سليمان حافظ الرجل الذي أمن يوما ما، على أن القضاء على الديمقراطية وتمكين الدكتاتورية سوف يؤدى إلى تطبيق افكارة الوطنية وسوف يقضي على الأحزاب المختلف معها ومع أفكارها وإدارتها للدولة وسوف يتمكن هؤلاء الضباط (المخلصين) من تثبيت أقدامهم في حكم مصر لكي يهدموا الدولة التي بغضها سليمان حافظ.
الشيء الوحيد الحسن الذي نستطيع ذكره عن هذا الرجل أنه ندم على ما فعل، ولكن للأسف بعد ما اُستخدم أو اسَتخدم نفسه في وأد الديمقراطية.
فيا كل مستشار و سياسي وأعلامي لا تكونوا سليمان حافظ. ولا تستخدموا أدواتكم لتبرروا الظلم والدكتاتورية وأن كنتم تظنون أنكم تحسنون صنعًا بأفعالكم.
المصادر: كتاب ذكرياتي مع الثورة لسليمان حافظ – كتاب كنت رئيسا لمصر لمحمد نجيب
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست