– 1في بحور التعريفات: إذا كنا نعد المقالة العلمية حالة نثرية يكثر فيها كل لوازم النثر وأدواته فإن المقبل على تلخيصها من أجل رسم انطباع عام عنها هو في حد ذاته نص مستقل من حيث إنه يحمل خصائص جديدة مستقلة عن النص الأصلي،
التلخيصات ليست حالة عبثية يتهاون في تكوينها وفي إنشائها الملّخص، وإنما هو كيان له قواعد وله شروطه وله صورته المثلى التي يحاول الكاتب ألا يتجاوزها.
إذا كنا نريد في البداية توضيح الحاجة إلى (التلخيص) فإنه من المهم توضيح الحاجة إلى المقالة العلمية حتى ندرك أنه لولا هذه ما كانت تلك.
المقالات العلمية هي بوح أكاديمي منضبط تتلقاه الهيئات والدوائر والمجلات المختصة من قبل ومن لدن الكتّاب العلميين حينما تتكامل في صدورهم وفي عقولهم شروط العلم وشروط الكتابة، والكتابة العلمية في ميادين العلم هو شرط من شروط استمرارية البحث العلمي وتطوره وتجاوزه للركود وللانكماش. الكاتب هو في حقيقة الأمر يعبر عن رغبته في طرح (قضايا )جديدة في سوق الاستهلاك الأكاديمي وفي الأوساط الراغبة في الاستفادة والاستزادة. وإذا كنا بإزاء منتجات علمية رهيبة تتمظهر في المجلات المحكمة وفي الدوريات المتخصصة، فإننا أيضا بإزاء حالة من (التراكم) وبإزاء حالة من (التكدس ) ولا يمكن أن نتجاوز هذا التضخم، إلا بمضاعفة شروط الكتابة والتشدد في قبول المقالات النوعية ذات الكفاءة العالية.
هذا هو ما يمكن أن نقوله عن المقالة، وقد كتب النقاد كتبًا كثيرة في شرح حدودها ورسم ظلالها وتحديد أنواعها وخصائصها.
وإذا كنا حقيقة قد تمثلنا ما يجب أن تكون عليه المقالات الطويلة من أجل ثراء علمي نافع ومفيد. فإن شرط التلخيص الذي يصاحب شرط المقالة يحتاج هو الآخر إلى تجلية وإلى تبيين وإلى تحديد دقيق صارم.
فما الذي يمكن قوله في تعريف التلخيص، وهل هو حالة واحدة، وما هي الخصائص المشتركة بين تعريفات الحالات التي تشبهه؟
ما الذي يمكن أن نميز به هذا النوع من النصوص المضغوطة المركزة؟
وهل يقوم هذا النص على أسلوب الحذف وعلى أسلوب التضمين؟
وهل يقوم النص الملخص على تكرار بعض كلمات المفاتيح؟
ثم ما حجم هذه التكرارات؟
هل يكون هذا النص أسلوبا حمّال أوجه من جهات عدة؟
أم هو منضبط دال على أصله باعتباره فرعًا؟
الحقيقة أن قوانين وتعريفات بعض الحالات النصية هو مكرر ومرصود في جميع لغات العالم وهو يشبه بعضه البعض من حيث ثمرته، ومن حيث مآلاته، ومن حيث تموضعه.
التلخيص هو إيجاز، وهو حالة حذف منضبطة، وهو حالة تقليص بمقدار، وهو حالة تكثيف.
التلخيص هو حالة من الاختصار تقوم على مسؤولية الحفاظ على وحدة المفهوم وعلى وحدة المحافظة على انسجام الفكرة المستنبطة منه. ولذلك فإن إسقاط الخصائص الأسلوبية على المختصرات هو إسقاط على الملخصات، وكما أن الحذف شرط في بلاغة الإيجاز، فإنه شرط أيضًا في بلاغة التلخيص.
أدرجت المعاجم على رصد جذور هذه المصطلحات ومحاولة تعريفها بحسب مكنونها أو من غيره. فالقواميس في الحقيقة الأمر تقوم هي الأخرى على عقلية الاختصار، فهي تشرح مفاهيم ذات أبعاد ثرية في جمل مقتضبة ومضيه موجزة.
ولذلك فإن عقيدة الشارح القاموسي تشبه عقلية وعقيدة الملّخص، وهما لا يتجاوزان عمومًا فكرة الإيجاز.
كان العلامة اللغوي الشهير أبو هلال العسكري يرسم في رأسه فكرة التلخيص، ويحاول أن يجعل منها كيانًا ذهنيًا خالصًا ومستقلًا، ولذلك سمى أحد كتبه في الفروق اللغوية بالتلخيص وجعله دليلًا صغيرًا على غيره.
كان هذا اللغوي المطلع طبعًا على اللغويات المقارنة يفرق بين مفهومين مختلفين بين مفهوم الاختصار بوصفه تلخيصًا وبين مفهوم الإيجاز بوصفه تجاوزًا.
عندما نجد إشارة مثل هذه في كتاب مرموق من علم من العلماء الكبار فمعناه أن شرعية البحث في مثل هذه المواضيع الدقيقة قد صارت مطلبًا مؤسسًا له جذوره التاريخية، وله أسسه المعجمية القديمة.
يقول أبو هلال العسكري: (… الفرق بين الاختصار وبين الإيجاز أن الاختصار هو إلقاؤه فضول الكلام المؤلف من غير إخلال بمعانيه، ولهذا يقولون: قد اختصر فلان كتب الكوفيين أو غيرها إذا ألقى فضول ألفاظها وأدى معانيهم في أقل مما أدوها فيه من ألفاظ، فاختصار يكون في كلام قد سبق حدوثه وتأليفه، والإيجاز هو أن يبنى الكلام على قلة اللفظ وكثرة المعاني. يقال: أوجز الرجل في كلامه إذا جعله على هذا السبيل، واختصر كلامه أو كلام غيره إذ قصره بعد إطالة، فإن استعمل أحدهما مكان الآخر فلتقارب معنييهما).
نص مثل هذا هو في حد ذاته ملخص صغير لفكرة كبيرة تدور في أذهان اللغويين – كل اللغويين – وإذا كنا نريد تفكيك النص حسب ملاحظة الأجزاء المهمة فيه، فإنه يمكن الإشارة إلى مايلي:
1- إلقاء فضول الكلام مع المحافظة على المعاني.
2- كلام سابق قد حد وتلف.
3- قلة الألفاظ وكثرة المعاني.
4- قصر بعد إطالة.
هذه الكنوز اللغوية المستخرجة من هذا التعريف المبثوث في كتابه الفرزق ص 27 هو خارطة عمل لتحديد مفهوم التلخيص ولتحديد تعريفه وقوانينه.
فلا يمكن طبعًا أن يكون التلخيص من فراغ أو لعدم أو هو من نص غير موجود، لا يمكن أن يكون في التلخيص شيء زائد من حيث المعنى على النص الأصلي.
لا يمكن أن تكون ألفاظه في عمومها من خارج حقل النص الأول الذي هو الملخص.
لقد أشار هذا اللغوي المعجمي الكبير إلى مصطلح مهم هو الفضول، وإذا جئنا نحدد معناه حسب وروده في التعريف أدركنا المقصود بالإشارة إلى لغة الحشو التي يضطر إلى استعمالها صاحب المقال في وضعه الأصلي.
التلخيص يرفض وجود هذا النوع من الزيادات المرفوضة، هو يرفض أن يكون فيه شيء قد يخرجه عن طبيعته وعن ضرورة كونها نصًا محدودًا دقيقًا قليل الألفاظ.
وإذا جئت تسأل عن قوانين ترك الفضول، فما الذي يمكن قوله؟
ترك، الفضول هو في تحديد كمية الألفاظ المناسبة كي تستطيع حمل المعاني اللازمة.
وهو في الابتعاد عن مثارات اللغط وعن وجود كلمات خارج سياقاتها الاستعمالية تتعثر البلاغة هنا كثيرًا في تحديد الفرق بين الاختصار والتلخيص ولا يمكن لها أن تجد فرقًا كبيرًا بينهما، إلا في حدود استعمال اللغويين له. أما في تحديد الفرق بين الإيجاز والتلخيص، فإنه تعرف طبيعة منشأ كل واحد منهما.
التلخيص ينشا من نص سابق تجعله نصًا جديدًا لا يقوم ألا على قانون ربط اللحمة بينهما في انسجام تام وكامل.
ولذلك كان قوله: (في كلام قد سبق حدوثه وتأليفه) وهو عين ما نفعله في التلخيصات.
وقد أشار أيضًا بعد هذه المادة المعجمية إلى مادة أخرى سماها فرقًا بين الحذف والاختصار، وفي ذلك يقول: (أن الحذف لابد فيه من خلف ليستغنى به عن المحذوف والاقتصار تعليق القول بما يحتاج إليه من المعنى دون غيره مما يستغنى عنه والحذف إسقاط شيء من الكلام وليس كذلك الاقتصار …).
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وله صلة كبيرة بموضوعنا هو: هل يمكن في التلخيص إسقاط كلام والإشارة إليه بخلف يكون دليلا عليه؟ في هذه الحالة يكون للتلخيص كلمات مرادفة وكلمات شارحة وكلمات متضمنة.
والحقيقة أن معجم الفروق، لأبي هلال العسكري بني على الانضباط، وعلى التفريق الدقيق بين مترادفات تبدو للوهلة الأولى أنها متشابهة، ولكنها العكس فيها هو الذي يصح.
اللغة العلمية – منهجيًا – تقتضي التفريق بين كل الكلمات التي تقتضي فروقا جوهرية، وحتى تكتمل الصورة التي نريد أن نرسمها من خلال التعريف الأول يجب الإشارة إلى تعار يف هي متناقضة مع (التلخيص)، ولكن يمكن أن نستعملها لإدراك فكرة ما جوهرية، فالأضداد في فقه اللغة تحدد بعضها وإذا عرفت معنى الطول قام في ذهني معنى نقيضه، وإذا عرفت معنى الجمال قام في ذهنك معنى القبح.
هذا هو التبرير المنطقي لوجود قواميس ضخمة للأضداد، وفي الفرنسية الكثير منها أصبح استعمالها الآن نوع من الترف العقلي الذي استغنوا عنه بما يسمى بمدونة الاستعمال.
يقول أبو هلال العسكري: (الفرق بين الإطناب والإسهاب هو أن الإطناب بسط الكلام لتكثير الفائدة والإسهاب بسطه مع قلة الفائدة فالإطناب بلاغة والإسهاب عي. والإطناب بمنزلة سلوك طريق بعيدة تحتوي على زيادة فائدة و الإسهاب بمنزلة سلوك ما يبعد جهلا بما يقرب، وقال الخليل يختصر الكلام ليحفظ ويبسط ليفهم، وقال أهل البلاغة: الإطناب إذا لم يكن منه به فهو إيجاز).
ربما يكون هذا التعريف متضمنا لتعريف التلخيص ولقانونه وقد كان حاضرًا في ذهن الخليل أكثر من غيره حين قال يختصر الكلام ليحفظ ويبسط ليفهم) فما علاقة (التلخيص) بالحفظ؟
العقلية الرياضية لبعض اللغويين الكبار تجعلهم يقولون الكلمة التي تكون مطواعة قابلة للتطوير. وإذا سلمنا جدلًا بكلمة حفظ فان الذي يكون منها هو جوهر ما كان سببا في استحداث ((الملخص)) شرطًا مع كتابة المقالة الطويلة لا يقبل إلا به. ومعه.
التلخيصيات تأخذ أبعادًا رقمية وتكون هي العنوان وهي المدخل الرئيس، وهي المنسجمة مع محركات البحث لوجود الكلمات المفتاحية فيها.
وأنا صراحة كباحثة مقبلة على نيل شهادة جامعية عليا وكباحثة تتلمس خطاها أقف حائرة مع هذه الفروقات اللغوية التعريفية الواردة في كتاب هذا العالم العربي، وهي تكاد تكون دليلا استباقيًا على ضرورة البحث في فقه التلخيصات.
وإذا كنا في مجال مناقشة بعض الحدود فانه من المناسب الإشارة إلى بعض التعريفات النفيذة للبحث عند غيره من العلماء:
1- قال الدكتور عبد بن محمد في كتابه المختصرات: (… واختصارا لكلام إيجاز هو الاختصار في الكلامان تدع الفضول، وتستو جز الذي يأتي على المعنى وكذلك الاختصار في الطريق والاختصار في الجزّ ألا تستأصله.
والاختصار حذف الفضول من كل شيء.
وفي المعنى الاصطلاحي قال العلامة احمد بن فارس: (الاختصار اخذ أوساط الكلام , وترك شعبه وقصد معانيه يقال اختصر فلان الرمل إذ اخذ خصوره وهي أوساطه).
وقال العلامة ابن قدامه اختصرت هذا الكتاب يعني قربته وقللت ألفاظه وأوجزته…).
والاختصار هو تقليل الشيء وقد يكون اختصار الكتاب بتقليل مسائله وقد يكون بتقليل ألفاظه مع تأدية المعنى).
وحينما نتأمل هذا القول الأخير نكتشف أن (التلخيص) هو تقليل للألفاظ والمحافظة على القدر المهم من المعاني.
وهنا نطرح سؤالًا مهمًا، وهو كيف نستطيع الجمع بين عقليتين متناقضتين، وهما عقلية التقليل مع المحافظة؟
وإلى أي مدى يمكن تصور المعاني بلا وجود ألفاظها؟
طبعًا من خبر نصه الكبير عرف كيف يُخرج منه (نصًا صغيرًا يحمل فيه كل الواردات في النص الكبير).
قال العلامة النووي – وهو فقيه لغوي – (اختلفت عبارات العلماء في معنى (التلخيص) فقال الشيخ أبو أمد الإسفراييني في تعليقه: حقيقة التلخيص ضم بعض الشيء إلى بعض. قال ومعناه رد الكثير إلى القليل، وفي القليل معنى الكثير قال: وقيل: هو إيجاز اللفظ مع استيفاء المعنى).
وقال الخليل بن أحمد هو ما دل قليله على كثيره سمي اختصارًا لاجتماعه. وقال العلامة التركي اللغوي في كتابه الكليات:
(الاختصار عرفًا تقليل المباني مع إبقاء المعاني).
وقال العلامة الهندي محمد أعلى التهانوي: الاختصار هو عند بعض أهل اللغة مرادف للإيجاز).
وقيل: أخص منه لأنه خاص بحذف الجمل بخلاف إيجاز .
وقيل: الإيجاز ما يكون بالنسبة إلى المتعارف.
وقال أحد المتأخرين من العلماء: الإيجاز بيان معنى المقصود بأقل مما يمكن من اللفظ من غير حذف والاختصار عبارة عن حذف فلا يكون كذلك… وقد يستعمل الاختصار مرادفًا للإيجاز.
ملاحظة حول الاصطلاحي للتلخيص: ربما يكون التلخيص هو الاختصار في الأدبيات اللغوية العربية والغربية لانعدام الفارق بينهما تقريبًا. وقد بحثت في اللغة العربية لثرائها ولاتجاه – هذه النوعية من البحوث بالرغم كتابتها بالفرنسية، وبالرغم أنها منجز لقسم اللغة الفرنسية – لها.
والفائدة بالنهاية تتجه للجميع والمعلومة المفيدة تؤخذ من الجميع. يقول بعض الفقهاء العرب من العصر الكلاسيكي المختصر ما قل لفظه وكثر معناه، ويقابله المطول، وهو ما كثر لفظه ومعناه.
وهذا التعريف الرهيب يضعنا بإزاء حالتين متصلتين هما: (النص) الأصلي و(النص) الفرعي أو هما التلخيص والملخص منه.
وإذا كنا نجد كل التعاريف تقريبًا متشابهة ومتداخلة في القواميس الفرنسية وفي القواميس الانجليزية وفي القواميس العربية، فمعنى هذا أن العلم واحد في تصوراته العامة وفي تنزيلاته التطبيقية.
طبعًا نحن بإزاء حالة فقه لغوية لحاجة علمية وبإزاء ضرورة منهجية لضرورة علمية.
ونحن أيضًا أمام مطلب رئيس، وهو مدى فاعلية التلخيص في نيابته على النص الطويل ومدى قيامه بدوره في التعريف والتسويق للنص الأم.
لا يمكن أن نجد قانونًا ثابتًا للملخصات ما لم تتحدد في أذهاننا التعريف الرسمي له.
وإذا بدأنا في استنطاق الكتب القديمة والمعاجم الكلاسيكية ربما في جميع اللغات وقفنا تقريبًا على حالة تكرارية لهذا الذي أوردنا بعضه… وهو يكفي كي نجعل تصورًا كاملًا حول شروط التلخيص وحول قوانينه.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست