قراءتي الأولى لسوزان عليوان كانت “بيت من سكر”، نسخة مهملة وجدتها بعد مرور أكثر من عام على صدورها، المختارات الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، كانت تمهيدا/مدخلا لعالم سوزان عليوان، ثم البحث عن أعمالها؛ لقراءتها  ـ ويا للمفاجأة ـ وجدتها متاحة إلكترونيًا، الشيء الذي يبدو موقفًا خصوصيًا منها ضد دهاليز النشر.

“عصفور المقهي” ـ الذي لم تعد تعترف بنصوصه عدا نص وحيد ـ  فـ ” مخبأ الملائكة ” …، “ما من يد”، “كل الطرق تؤدي إلي صلاح سالم”، حتى ديوانها الأخير: “الحب جالس في مقهي الماضي” ووجه الملاك الذي يتصدر غلافه .

“أغنّي لعلّني أولد، أغنّي لأنّني أموت. أغنّي كأنّني لم أولد. أغنّي وكأنّنا لا نموت”.

“بيت من سكر” ربما يصلح ( توصيفًا ) لشعر سوزان، التي يصعب إخضاعها لاختبار التصنيف. الشعر كونه الأكثر ذاتية والأكثر ـ في الوقت نفسه ـ تنصلا و تفريغًا وتحريرًا للذات. الحرية التي تسعي إلي تحقيقها من خلال النص الشعري،  التصور الخاص لا مجرد صوت كلاشيهات، العادي واليومي والمجاني من خلال: “القصيدة الخجولة بامتياز”.

العين ترصد آثار الأشياء، والتفاصيل المُتضمِنة نوعا من الصراع. تتلمس “سوزان” الواقع حولها بلغتها، محاولةً تطويع الشعر بحثًا عن الشعر نفسه ـ أحيانًا ـ دون ادعاء امتلاكه. دراما القصيدة،  والعلاقة بين الذاكرة، النسيان، الذكرى، العادة ، التشظي، التداعي،  الطفولة، الجميل، القاسي، الخيال وسرده. الذاكرة التي قد تصير جحيمًا، والزمن الذي قد يدمر جودة الحياة.
الذكرى قد تكون مشحونة بالتأثر الأول “الرسم على أوراق بحجم البطاقات البريدية” وإرباك الروح والأوان للمساحات الواسعة من الأبيض.

محاولة البحث عن ” خرافة الوطن “، في الصورة المعلقة علي جدار؟ “لو كانت روحها سجادة/ لنفضت عنها هذا الغبار/ لتركتها في الهواء قليلاً/ تتنفس”.

الروح الجماعية ليست مجموع الأرواح الفردية، بل جوهر ما هو إنساني: “هل بإمكاننا أن نقول: إنّ في لحظة معينة من سنة 2011 زالت البركة عن بلادنا العربية؟ هل باشتعال البوعزيزي في تونس، وبكلمة هرمنا التي شاعت عيب ثورة الشعوب، هرمنا فجأة وشاخت معنا وبنا البلاد؟ كـأننا والبلاد، رماد البوعزيزي المنثور في ألف اتجاه دون أثر لشمعة”.

الوطن حقيبة؟ جاهزة للسفر الدائم، الروح بين أن تكون “كومة” مفاتيح و .. أقفال. “تتشابه بطاقات الأصدقاء/ أمطار الشتاء/ المقاهي/ المتاجر/ وجوه الناس في الزحام”.

مشهدية المكان حاضرة  “دائمًا في أمكنةٍ ضيّقة/ تعيق رفرفة أذرعتنا/ على ظهور المقاعد/ نسند تقوّسًا وراثيًّا/ ضاعفت درجته حقائب المدرسة والسفر” المكان يلقي بظلاله على العلاقة بين الحركة والسكون” ظلّ الطائرة الورقية لا يغادر مساحة طفولتي/ رغم أنني أفلتّها، وبترت أًصابع اليد الواحدة التي كنت أحصي بها أصدقائي”.

“الباب المعدنيّ الأخضر/ ذو القضبان العديدة والحارس الأوحد/ الذي كنا ندخله في الصباح ركضًا و الحقائب الصغيرة تقفز علي ظهورنا، مثل ضفادع تبعتنا من النهر البعيد الباب ـ عتبة الجنة في الخروج ـ مغلق علي طفولتنا”

الأسئلة حاضرة دائمًا لا مفر من السؤال عن: الوطن، الحرب ، الأصدقاء ، الوجوه و الأشياء التي يطولها الخراب و الموت . ” ثمة أشياء لا نعتادها / نموت كل ليلة / مؤقتًا / لكن موتنا الأخير يفجعنا دائمًا” .  “الحياة ليست حبيبة أحد ” . هل نغفو ؟ ” لا/ لم تكن ملاكًا ” ” نزحنا من وهم إلي آخر ” “ثمة تفاصيل /لَا تضيعَ فيَ زحامِ الذاكرةَ /عطرُ أميَ الحبيبةَ /قَهوةَ وَخبزَ وَجبنَ/ وَحنان دافىءَ/ فيَ الصباحاتَ الماطرةَ/ ثمةُ تفاصيلَ صغيرةَ هيَ/ الذاكرة”.

لكل قصيدة فضاؤها المكاني والزمني والصورة المشهدية التي تضفي الحيوية. يمكن الحديث عن ( تجربة ) سوزان عليوان بدفء ارتباط المكان بالزمان ـ و لو كان قاسيًا ـ و الانعكاس علي الشكل الشعري ما يميز سوزان بشكل وخصوصية يخصانها وحدها من خلال سلسلة من الدلائل والتأويلات مرتبطة بجوهر رؤيتها واللجوء “للتجريب الشعري” الذي وفر/ ضمن لها صورتها وصوتها الشعري بواسطة اللغة على نحو يتجاوز قشرة الواقع.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

القصيدة
عرض التعليقات
تحميل المزيد