أين عاصفة الحزم من سوريا؟ أين القومية العربية؟ أين العروبة؟ أين مليارات الخليج؟ أين شيوخ «أمة الجسد الواحد»؟ أين الغرب وإنسانيته وديمقراطيته؟ فالحزم لم يحزم أمتعته ويذهب إلا لمصلحته أو لخطر يهدد حدوده. الحزم لا يحزم إلا لمن معه مليارات، أما إذا كنت معارضًا فقيرًا، فما أنت إلا ضحية تجارب السلاح والأجندات الخارجية. لماذا لم تحزم السعودية عاصفة لسوريا مجمعة أصدقاءها في حرب اليمن؟ هل لأن سوريا بعيدة كل البعد عنها وعن أصدقائها، أم أن لأمريكا رأيًّا آخر؟! لا يخفى على أحد أن السعودية وأصدقاءها هم رهن إشارة أمريكا ولا تحركهم إلا أمريكا، كما حدث في حربهم على داعش، فهل جرائم داعش فاقت جرائم الأسد في سوريا؟!  أما القومية العربية والعروبة وكل هذه الشعارات الكاذبة التي استخدامها طواغيت العرب على مر العصور لم تعد مناسبة للغة العصر الذي يتفاخر فيه الواحد منهم بعمالته للغرب! فنسي العرب هويتهم التي لم تعد ملكًا لهم، بل أصبحت ملكًا للقوى الكبرى كما أصبحت مصائرهم! أما مليارات الخليج فهذه لا تصرف إلا على هدم الثورات العربية مثل «مصر وليبيا واليمن» التي هددت ملكهم من بعيد؛ خشية أن تحدث في بلادهم لذلك عملوا على إفشالها! وتصرف أيضًا على الخمارات والملاهي الليلية وعلى الاستثمارات في أوروبا التي يستخدمونها كورقة لغض الطرف عن طغيانهم، أو لشراء شرعية حكم اغتصبوه! وأما «شيوخ هذه الأمة وعلماؤها» فطائفة منهم باعوا أنفسهم ليس لله وكلمة الحق، بل للطغاة والمناصب والمال. والطائفة الأخرى ارتضت الذل والهوان واكتفت بالصمت! وأما الغرب فهو ينسى حقوق الإنسان، بل ينسى الإنسان نفسه إذا كان سوريًّا عربيًّا مسلمًا، أو إذا تعارض تحقيقها مع مصالحهم! فلم تكن سوريا الضحية الأولى وليست الأخيرة أيضًا لمكرهم وكذبهم! فهم يعتقدون أن حقوق الإنسان امتياز للمواطن الغربي لا يصلح للمواطن العربي السوري! لم يبق لسوريا إلا دعوات المواطن العربي الذي أصبح لا حيلة له غيرها، فهو ضحية حكامه الطغاة والجهل والفقر والمرض، فأصبحوا لا يملكون إلا الدعاء وبعضهم لا يملك إلا الكلام من خلف الشاشة، حتى الكلام تعب من الكلام كما قال درويش!

إن بشار الأسد لم يكتف بكونه إلهًا للدمار والخراب، بل جاء بحزب الله وإيران ورسيا كي يكملوا ويضيفوا لونًا آخر من ألوان العذاب والموت التي فرضت على السوريين، فهو يرحب بأي أحد يعمل على خراب ودمار البلاد، ما دام ذلك سيبقيه في كرسيه، فمليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني الذين دخلوا الحرب بدوافع طائفية يقتلون ويدمرون ويخربون في سوريا، كما يفعل الروس الذين يتخذون من سوريا حقلًا لتجارب سلاحهم وإجرامهم، كما صرح فلاديمير بوتين رئيس روسيا. حتى مَن فرّ من اللاجئين من جحيم بشار الأسد لم ترحمهم عصابات التهريب وأمواج البحر، فأصبح الجزء الأكبر منهم طعامًا للأسماك على الشواطئ الأوروبية والتركية واليونانية، ومعظمهم من الأطفال والنساء كما نرى على الشاشات، ومن ينجو منهم تطارده الشرطة والجنود ممن يحرسون حدود الدول التي يفرون إليها لأنهم ينظرون لهم على أنهم عبء لن يتحملوه. ماذا عن اليتامى في سوريا وعن الأرامل وعن عدد النفوس التي شوهتها الحرب ودمرتها، كيف يعيش الذي شاهد أشلاء عائلته كيف يعيش دون أب وأم، بل كيف تعيش الأم التي فقدت فلذات أكبادها، كيف يقضي الكهل أيامه المعدودة، بل أصبحت سوريا كلها كهولًا ويتامى وأرامل أصبحت كالجحيم, إن الإنسانية قد كف بصرها ونبح صوتها بكاءً وصراخًا على ما يحدث في سوريا، فلم يبق إلا صوت النحيب.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد