في وقتها اعتبر الجميع انطلاق شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» لحظة الوصول إلى نقطة اللارجوع في الثورة السورية.

الشعار الذي أعلن؛ أن الإصلاح لا ينفع ولا تغيير بعض الأسماء والواجهات، سيطفئ الثورة، وإنما إسقاط النظام بأكمله.

اليوم لو كررنا الشعار أمام أيٍّ ممن خرج في المظاهرات وصدح صوتهُ به، تحت ضرب الرصاص وارتقاء الشهداء؛ لرأيت الحسرة في عينيه وصوته وقال: «قبل ما نسقط نظام الأسد لازم نسقط هدول يلي تسلقوا الثورة وعملوا حالن ممثلين عنا وتاجروا بالثورة.. لازم نسقط هدول يلي شالوا سلاح، وقتلونا باسم الدين وغيرو وغيرو، بعدين منحكي بإسقاط الأسد لأنو إذا سقط الأسد، وهدول موجودين ما استفدنا شي، وكانك با أبو زيد ما غزيت»

في ترجمة بسيطة من العامية إلى الفصحى ومن الشفهي إلى المكتوب.. الشعب يريد إسقاط:

– النظام السياسي للمعارضة؛ القائم على هيمنة وتغول تيار واحد إقصائي، وتدوير السلطة بين أشخاصه، والتمسك بالكرسي دون مراعاة لإرادة الشارع الشعبي المعارض، الذي دفع آلاف الشهداء وخسر مدنه وقراه، وعاش سنين النزوح واللجوء، ولم تفكر هذه المنظومة أن تكون صوتًا ومعبرًا عنه، أو أن تمارس الديمقراطية الحقيقة التي خرج الشعب السوري في ثورته مطالبًا بها.

يجب أن يتعلم مَن تسلق الثورة، أن تمثيل الثورة ليس فسادًا وتمسكًا بالمناصب، وليس نهبًا للوارد والصادر، ومحسوبيات وقحة، فتلك كانت صفات نظام الأسد.

النظام الإعلامي المحسوب على الثورة؛ والذي كان من بداية عمل الناشطين في سنين الثورة الأولى وتغطيتهم لأحداث الثورة أهم وأقوى تأثيرًا من الإعلام المحسوب على الثورة اليوم، والذي ما زال ضعيفًا ومسيّسًا، وهيمنت عليه جهات إما شخصية أو محسوبة على دول وتيارات، لا تريد خيرًا بالشعب السوري وثورته.

بشكل دائم تطالعنا فضائح المحسوبية والمزاجية والابتزاز والتنمر، والتحرش وعدم المهنية والانحياز في كثير من المحطات والإذاعات، والمواقع والصحف الإعلامية التي ادعت تمثيل الثورة، وكذلك هذه الصفات أيضًا كانت صفات إعلام نظام الأسد، التي صرخنا فيها: «الشعب يريد إسقاط النظام، والإعلام السوري كاذب».

الفصائل العسكرية؛ التي انطلقت لحماية المتظاهرين واستطاعت تحرير أغلب التراب السوري، قبل أن تنقسم إلى فصائل إسلامية أو تدعي الإسلام، وصارت رويدً رويدًا تقتل وتعتقل وتخطف أبناء دينهم باسم الدين نفسه.

وفصائل لم تركب الموجة الإسلامية، وكان كثير منها مرهونًا بدعم وقرار دول الخارج التي لا تريد طبعًا، الخير للشعب السوري، ومارست كذلك كما الفصائل الإسلامية التناحر فيما بينها والقتل والخطف والاعتقال، وكذلك كانت هذه صفات نظام الأسد الأمني القمعي والذي صرخنا بوجهه: «الشعب يريد إسقاط النظام، ويلي بيقتل شعبو خاين»

المنظمات الإنسانية والمجالس المحلية؛ التي نشأت لتقدم خدماتها لأبناء الثورة والخارجين بها، التي صارت بقصد وبدون قصد، ملعبًا للتسلط والفوقية والمحسوبية والفساد، وتوظيف الأقارب والأصدقاء والاختلاس تحت مسمى رواتب، وتعزيز الإقليمية بين أبناء النازحين.

قصص وروايات يرويها أبناء الشعب السوري حول فساد وانتهاكات كانت المنظمات والتشكيلات المدنية المحسوبة على الثورة الطرف الرئيس فيها، تلك الصفات أيضًا كانت صفات نظام الأسد ودوائره الحكومية.

لا أعمم في النقاط السابقة فهناك دائمًا استثناءات؛ وإنما حديثنا عن الغالبية.

ما زال الشعار واحد بعد هذه السنوات «الشعب يريد إسقاط النظام»، ولكن بدلًا من النجاح في إسقاط النظام، جرت عملية استنساخ له، فصار النظام ونهج النظام، نظامين، نظام المعارضة المتمرسة بنهج الأسد ومدرسته، ونظام النظام الأسدي الذي ما زال يوغل في دمائنا وأوجاعنا، وإسقاط أحدهما؛ سيكون إسقاطًا وطريقًا لسقوط الآخر.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد