إن نظام الحكم في سوريا حاله حال أغلب أنظمة الحكم في الدول العربية يصنف من الأنظمة الدكتاتورية، من حيث توريث السلطة وسياسة الحزب الواحد، فهو في ذلك يطابق بعض الأنظمة السياسية العربية، ويختلف عن البعض الآخر لا سيما الأنظمة السياسية في دول الخليج العربي؛ إذ إنه يختلف عنها في أنه لم يستطع توفير الرفاهية المطلوبة لشعبه، ربما لقلة موارد الدولة المتاحة، والرئيس السوري يوصف بأنه علمانيًّا وقوميًّا على الرغم من علاقته الطيبة بإيران، كما أنه بإمكانيات الدولة المحدودة استطاع النهوض بسوريا، من خلال تعبيد الطرق والتشجير وتطوير المدن، فضلًا عن الصناعات المحلية التي تضاهي المنتجات الأجنبية، وكانت سوريا تعتمد اعتمادًا ذاتيًّا من خلال الكثير من الصناعات الوطنية والمنتجات الغذائية، ونجد النظافة والنظام والقانون والأمن المستتب، كل تلك الميزات حولت سوريا إلى منتجع سياحي للدول الإقليمية، وتعد سوريا قبل الثورة من أقل الدول ديونًا مقارنة بجوارها العربي، العراق والأردن ولبنان، غير أن رفاهية المواطن في سوريا لا تقارن برفاهيته في دول الخليج العربي لقلة الموارد الطبيعية لا سيما النفط، ولكن دول الخليج العربي أرادت تغيير النظام السوري لإبعاد الخطر الإيراني كون الرئيس السوري يحتفظ بعلاقات طيبة بإيران ورثها عن أبيه، وما تبعها من ظهور لما يسمى بالهلال الشيعي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق المتمثل في إيران والعراق وسوريا وحزب الله في لبنان، وما يشكله من خطر على المملكة العربية السعودية والأنظمة الخليجية الأخرى؛ فتبنت الأنظمة السياسية الخليجية دعم الثورة السورية منذ ظهورها.
الولايات المتحدة كانت قد انتهجت إستراتيجية الفوضى الخلاقة تجاه الأنظمة العربية، وقد أطاحت أنظمة عربية هي تونس ومصر واليمن دون تدخل مباشر لها، وبذلك فالثورة السورية تدخل ضمن إستراتيجية الفوضى الخلاقة الأمريكية، وبهذا حظيت بدعم وتأييد أمريكي منذ ظهورها بذريعة دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحريات الشعوب، ودول الخليج العربي اغتنمت هذه الفرصة لتغيير النظام السوري المختلف معها أيديولوجيًّا، فضلًا عن علاقته المتميزة بإيران، فوظفت وسائلها الإعلامية ومساعداتها المادية للثوار والثورة السورية من أجل تغيير النظام السوري بذريعة دعم الديمقراطية وحرية الشعوب، وفي هذا نتساءل أليست الأنظمة السياسية في دول الخليج العربية ملوك وأمراء وأسر حاكمة لعشرات السنين! أنظمةً غير ديمقراطية، أليس هناك حق لشعوبها بالثورة وإطاحة أنظمة الحكم فيها وإقامة أنظمة ديمقراطية؟
إن الثورة السورية حتى هذه اللحظة لم تستطع تحقيق غايتها بسبب المستجدات التي طرأت عليها من خلال التدخل الدولي بطرف ثاني داعم للنظام السوري تمثل في إيران وروسيا وحزب الله في لبنان، وتمسك الرئيس السوري بعرشه بكل ما أوتي من قوة عسكرية ومادية وبشرية، وساعده في ذلك الدعم الإيراني الروسي اللبناني، فتمسك الرئيس السوري بعرشه على حساب دماء شعبه، فأريقت الدماء وانهارت البنى التحتية وحل الدمار في المدن السورية، ألم يكن الأولى ببشار أن يتنازل عن الحكم حقنًا لدماء شعبه مقابل الحصانات التي سيحصل عليها لقاء ذلك؟ فضلًا عن المكانة التي سيكتسبها من حب وتقدير الشعب السوري له لو فعل ذلك، لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن.
إن دول الخليج العربية لم تستطع إكمال ما بدأت به في إيصال الثورة السورية لغايتها بعد التدخل الدولي فيها بطرف موالٍ للرئيس السوري، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن صادقة في دعم الثورة السورية، كونها تريد إثارة الفوضى الخلاقة وإطالة أمد الصراع، وهذا يتواءم مع رغبات حليفها الإستراتيجي إسرائيل الذي لا يريد جوارًا عربيًّا مستقرًا أمنيًّا وقويًّا عسكريًّا، ولإبعاد أي خطر عربي عنها في المستقبل المنظور، إضافة إلى الفوضى الخلاقة أوجدت السياسة الأمريكية ما يسمى بداعش في أرض سوريا وسوقته للعراق وليبيا، وهو أيضًا جزء من منظومة الفوضى الخلاقة الأمريكية، والهدف منه تشويه الإسلام من خلال إظهار الدين الإسلامي بأنه دين يدعو للقتل والتدمير والاغتصاب والتهجير، ومن أهدافه أيضًا هو التخلص من المتطرفين في أمريكا وأوروبا وجمعهم في سوريا والعراق وليبيا، والتي أصبحت بمثابة سلة النفايات لتلك الجماعات المتطرفة.
ومن الأهداف الأمريكية في الثورة السورية واستمراريتها هو ربما استنزاف القدرة الروسية التي انتعشت مؤخرًا وبدأت تبحث لها عن دور دولي لتعيد مجد الاتحاد السوفيتي الغابر، وتنافس على القطبية الثنائية من جديد، لا سيما وأنها تمتلك قاعدة عسكرية لها في سوريا، كل تلك الأحداث والأهداف والتحالفات على حساب دماء الشعب السوري البريء الذي طال نزيفه ومعاناته وبؤسه، فمتى ستشهد سوريا نهاية لهذه الأحداث الدموية المأساوية؟ وهل قيام روسيا بسحب جزء من قواتها من أرض سوريا هو مؤشر لنهاية الصراع وبداية بوادر حلحلة لهذه الأزمة؟ أم أنه مجرد إعادة ترتيب ونشر قواتها لا أكثر، سنرى ما يخبئه المستقبل المنظور لسوريا، فهل ستشهد بوادر تقسيم خصوصًا بعد أن أعلن الأكراد فدرالية لهم؟ كما وأن التقسيم يدخل ضمن الخارطة الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط، والتي تتمحور حول تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ.
الثورة السورية قد أجهضت كل ثورات الربيع العربي التالية وأحالت ربيع الثورات العربية إلى صيف قاحل، فشعوب الدول العربية شاهدوا بأم أعينهم ما حل بسوريا وبالشعب السوري من دمار ومآسٍ وويلات وتهجير وإهانة، لذا رضوا بحكامهم رغم سلبياتهم على أن يبقوا في بلادهم آمنين غير مشردين ولا مهانين، فالمواطن العربي بسيط يرضى بمتطلبات الأمن والخدمات والرفاهية، فإذا ما وفرها الحاكم له فلا ينازع في حكمه لعشرات السنين، والعكس صحيح أيضًا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست