نتحدث اليوم عن إيقونة في الأدب العربي ولست مجرد رواية عربية فازت بالبوكر، أعتقد أنه من الآن ستكون «ترمي بشرر» من أفضل 100 رواية عربية وأنا أرشحها لذلك بكل ثقة. الرواية تعتبر دراسة سسيولوجية متعمقة في أحوال المملكة العربية السعودية فهي تصنف ضمن أدب الواقعية الإجتماعية، حيث ينتقد الكاتب ويؤرخ المجتمع السعودي بالشكل الأمثل، كما أنها دراسة سيكولوجية هائلة للمواطن والإنسان السعودي المكبوت والمعزول عن الشهوات الإنسانية الطبيعية، التي هي من حق كل إنسان، لكن ومن المؤكد طبعًا داخل إطار معين من القوانين والأخلاق والدين؛ لأننا بشر ولسنا حيوانات، لكن المغالاة من جانب السعودية، سواء بسبب الدين أو بسبب المجتمع أدت إلى هذا الكبت للإنسانية داخل المجتمع؛ مما ضيق الخناق على الإنسان السعودي.
أولًا: الأسلوب السردي
يتتبع عبده خال ثلاثة خطوط زمنية يتنقل بينهم بخفة وسلاسة لا تجعلك تشعر بأي ملل، فيبدأ الرواية ببعض الأحداث من المستقبل حيث نرى طارق فاضل يعذب صديقه عيسي في مشهد لن يفهمه القارئ إلا في نهاية العمل، ثم ينتقل للحاضر ويبدأ في تعريف القارئ على شخصيات الرواية حيث يطوف بنا بين منطقة «الحفرة» أو «جهنم أو النار» كما يسميها أهلها. وهي منطقة تقع في ضواحي جدة حيث يعيش أبطال الرواية، وفي الجهة الأخري القصر «أو الجنة» كما أطلق عليه سكان منطقة الحفرة. هو قصر «السيد»، وهو رجل فاره الثراء جاء واختار تلك المنطقة لإقامة قصره. ينتقل بنا إلى الماضي، ويحكي ماضي الشخصيات، حيث نتعرف على منازلهم وعائلاتهم، ثم يتنقل بين الخطوط الثلاثة يحكي لنا عن حلم شباب الحي بغزو القصر والعمل فيه، حكي كيف دخلت كل شخصية إلي القصر وماذا حل بها وكيف انتهي أمرها، كل ذلك في تنقل سلس جدًا خال تمامًا من الملل.حبكة قوية جدًا، مع تماسك الخطوط بشكل رائع حيث لا تستطيع حذف أو إضافة شيء.
ثانيًا: عبده خال أصولي يبكي الزمن القديم
استخدم عبده خال هنا فكرة القصر أو قرار بناء القصر في منطقة «الحفرة» كإسقاط علي كره الكاتب للحداثة حيث يري أنها دمرت وغيرت تاريخ السعودية. حيث ينتقد وبشدة المباني الأسمنتية والحواجز وكل ما هو حديث وغير نابع من البيئة، ينتقد انتقال السعودية من مجتمع قبلي بدوي نشأ في بيئة صحراوية إلى مجتمع مدني يسكن المباني الأسمنتية ويعيش في الشوارع المرصفة.
«يوميا كان البحر يسور، فحين نكون نيامًا تتوالد أسوار، واستراحات، وقصور، وشاليهات، ومنتزهات حتى إذ رغبنا في الوقوف على الشاطئ احتجنا للرحيل شمالا».
ثالثًا: عبدو خال علي نهج روسو في لعن التمدن
عبده خال يدعو بدعوة جان جاك روسو في العودة إلى الطبيعة، ويلعن أثر التمدن حيث أتى على السعودية بما لا يحمد عقباه.
«جميعنا تخاذل في حماية البحر، فابحثوا لكم عن بحر جديد».
«ومتى كان في جدة مطر، مضى المطر مع اللأيام الجميلة يا بني».
رابعا: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً
أحوال «السيد» أو صاحب القصر إسقاط علي الشخصية السعودية ونقد لاذع للمجتمع السعودي، حيث يوضح الكاتب تهافت الكثيرين على شرب الخمر والنساء والترفيه، مع وجود أحياء فقيرة وبشر يعيش في أحوال سيئة وعلى النقيد هناك أشخاص تعيش في أقصي مستويات الرفاهية. المواطن السعودي أو المواطن الخليجي قد يبعثر أموالًا طائلة في توافه الأمور، ولا يهتم لوجود فقراء في الوطن العربي حيث يوجد أشخاص من الممكن، أن يعيشوا شهر بكامل بأموال ينفقها شخص سعودي أو شخص خليجي في يوم واحد! فيضع لنا عبده خال شخصية «السيد» كرمز حي للبزخ والطغيان والجبروت وإدمان الحياة.
خامسًا: هل الكبت الجنسي في السعودية أدي إلي تعميق وترسيخ فكرة الشذوذ الجنسي أو المثلية في المجتمع السعودي؟
تطرح الرواية فكرة الكبت يولد الإنفجار حيث ينتشر الشذوذ الجنسي بين الرجال والنساء، مع وجود «البيدوفيليا أو الهوس الجنسي بالأطفال» في المجتمع السعودي. قد يرجع السبب إلى ضغط المجتمع السعودي بتابوهات الدين والقيم المجتمعية ووضع ملاين المحرمات، مع نسيان فكرة أن المجتمع السعودي مكون من بشر ليسوا ملائكة لتضمن بعدهم عن الدنس هم بشر لهم شهوات ورغبات كبتها لن يؤدي إلى منعها، بل إلى تفجيرها. فتجد الرجال يمارسون الشذوذ أو البيدوفيليا، وكذا النساء تفعل ما حدث هو فقط، «تحوير للرغبة الجنسية» الرغبات أو الشهوات يجب أن تفرغ فيلجأْ الإنسان في مثل ذاك المجتمع إلي تحوريها ومع الوقت يترسخ ذاك المرض النفسي في المجتمع ليصبح شيئًا معتادًا.
«لم يكن إيتيان الذكور شذوذًا متأصلًا، كان فعلًا للخروج من براثن المتربصين بالصبية، ذلك السلوك الاجتماعي الذي ظهر كـ(استوجاه)، وسمعة تلاحق الفرد إما أن يكون صيادًا أو فريسة».
اعتراف على لسان طارق بطل الرواية وتوجيه من الكاتب إلى رؤية الوضع السيكولوجي الحقيقي لأبناء المجتمع السعودي وما يفعل بهم الكبت.
يلفت عبده خال نظرنا إلى شيء خطير مجتمع يعزل فيه الذكور عن الإناث مثل المجتمع السعودي لا يعرف الرجل شيئًا عن المرأة إلا في مرحلة الزواج. حيث لا يري الذكور إلا ذكورًا، وكذلك الإناث، فيرسخ في نفسية ذاك الإنسان عدم تقبل فكرة الجنس الآخر، وهنا نكتشف أسبابًا جديدة، ونفهم النفسية البشرية أكثر.
«الرجال يوصلو الفتيات إلى البغاء عنوة، ولو أنك سلمت نفسك لامرأة لما كان هذا حالك!»
جملة من سجانة لمسجونة في موقف متخيل من الكاتب يوضح بها فكرته حول ترسخ فكرة عدم قبول الجنس الآخر داخل المجتمع السعودي في فترات كثيرة من التاريخ بسبب العزل والكبت والتحريم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست