«ده ديمقراطي، يعني كافر مالوش ملة» بهذه الجملة البسيطة استطاع الأستاذ جميل راتب أن يقنع البسطاء أن الديمقراطية شيطان يجب الابتعاد عنه، فهل هي حقًا كذلك؟
الديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم، وفيها تقوم سياسة الدولة على رأي المواطنين المؤهلين لقول رأيهم بحرية واختيار ما يرضي الأكثرية، أما الديمقراطية الليبرالية فهي متقاربة جدًا من الديمقراطية إلا أنها تؤكد على حماية حقوق الأفراد والأقليات أيضًا، وتضع قيودًا على إرادة الأغلبية عن طريق الدستور والقانون مما يحمي حقوق الأقليات، ولكن الديمقراطية غير الليبرالية لا يتم فيها احترام حقوق وحريات الأفراد والأقليات فهي تنفذ رأي الأغلبية دون تفكير.
منذ ما يقارب 13 عامًا عندما كنت في المرحلة الابتدائية، أتذكر جيدًا كيف كان والدي يتصرف بديمقراطية معنا، فمثلًا في العطلات والأعياد كنا نقوم بشيء يشبه انتخابات مصغرة حيث يختار كل منا مكانًا يود الذهاب إليه ونأخذ برأي الأغلبية حتى لو كان لا يتماشى مع رأي والدي، فليس للحاكم حق أن يجبر شعبه على شيء ما وإن فعل فهو حاكم ديكتاتوري، هذا ما علَّمنيه والدي وهكذا سأعلم أولادي.
يقول الفيلسوف الشهير أرسطو «في الديمقراطية الحقيقية يكون للفقير سلطة أعلى من الغني لأن الفقراء أكثر ورغبة الغالبية تسود».
ما يقوله أرسطو صحيح تمامًا، إلا أنه قال «الديمقراطية الحقيقية» فهل يوجد ديمقراطية مزيفة؟ نعم بالطبع! فأنا أتذكر أنه كان دائمًا ما يحاول أخي إقناعي بالذهاب إلى الشاطئ لأنه يحب السباحة، ولكني كنت أكره السباحة وأريد الذهاب لحديقة الحيوان أو ما شابه، ولكن دائمًا ما كان يفوز هو بصوتي، فتارة يرشوني ببعض الأموال أو الألعاب، وتارة يهددني بأنه سيخبر والدتي عن شيء ما خطأ ارتكبته.
هذه هي الديمقراطية المزيفة، فنظريًا قد ذهبنا للشاطئ بناءً على رغبة الجميع ولكن بسبب كوني أصغر عمرًا من أخي فكان دائمًا ما يجد حيلة كي يسيطر على رأيي الانتخابي، وهذا ما يحدث في الحياة السياسية، فالأغنياء وأصحاب السلطات يسيطرون على عقول الفقراء تمامًا، إما بالرشوة (كالزيت والسكر، أو 200 جنيه للصوت) وإما بالتهديد (إن لم تنتخبني فسيقضي عليك الإرهاب) وإما بالوعود الزائفة (انتخبني وسوف تجد عملًا بمرتب يليق بك، تعليمًا جيدًا، علاجًا جيدًا… إلخ) اختلفت طرق السيطرة على عقول البسطاء ولكن الهدف واحد.
إن الهدف الأسمى للديمقراطية هو تحقيق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة للجميع، فكلنا أمام الدولة الديمقراطية سواسية بدون النظر إلى المستوى المادي للشخص أو المستوى التعليمي أو العرق أو اللون أو الدين، كلنا من حقنا أن نحدد مصير بلدنا ولكن يلزمنا أن نقضي على الديمقراطية المزيفة. والحل هو التوعية ثم التوعية ثم التوعية، فليس للثورات فائدة بدون عقول مستنيرة، نحتاج مثقفين أكثر ومن هنا أطرح فكرتي البسيطة، وهي أن يقوم كل شخص مثقف يقرأ هذا المقال بتعليم الأشخاص الأقل ثقافة سياسية من حوله، قد يكون الوالدين مثلًا أو الإخوة، الأبناء، أصدقاء الدراسة أو أصدقاء العمل، والهدف هو نشر الثقافة والتوعية السياسية بين جميع أفراد المجتمع خاصةً في الأماكن الريفية النائية.
علموا أبناءكم الديمقراطية الليبرالية منذ طفولتهم، علموهم أن الديمقراطية الحقيقية هي شيء جيد وصالح، علموهم إن أصبحوا ذوي سلطة ألا يزوروا الديمقراطية وألا يسمحوا لأحد أن يسيطر على عقولهم أو أن يستغلهم أو أن يسيطر على إرادتهم بأي شكل من الأشكال.
علموا أبناءكم؛ لأن العلم والثقافة هما الطريق الوحيد الذي يمنع تزييف الديمقراطية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
الديمقراطية