لكل كاتب أو مؤلف وحتى المدون السياسي بعض الكتابات الصغيرة المخزنة في مفكرة الهاتف أو مكتوبة على ورقة صغيرة يحملها في محفظته بين رخصة القيادة والبطاقة التموينية، هذه الكتابات تعتبر منبع الأفكار التي تتجسد بعد ذلك في تدوينات مهمة وروايات عملاقة، تلك الكتابات التي أطلق عليها الراحل د. أحمد خالد توفيق رحمه الله:
اسم قصاصات، ربما بعض الكتاب العمالقة أخرجوا تلك القصاصات للنور، والبعض الآخر احتفظ بها لتكون منبع أفكار قادمة، لكن الجزء المحوري هنا ما هي القصاصات التي يحتفظ بها كاتب مراهق في العشرين من عمره؟
الزواج
ذلك الفتى الذي أصبح ضمن طبقة الكادحين في مصر، الذي حالفه الحظ واستطاع تكوين نفسه في وقت قياسي بعد عمل شاق دام لسنوات، وكل هذا من أجل الزواج والاستقرار، ربما لم يتزوج من تلك الفاتنة التي يعشقها، هي قالت إنها ستتحمل وتصبر حتى يستطيع أن يتقدم لخطبتها، لكن هي خالفت الوعد ولم تصبر بأن أخبرته في منتصف الطريق أن هناك فتى من دولة خليجية تقدم لها وأبيها موافق عليه، وأنه سوف يتحمل كل مصاريف الزواج ولن يكلفهم مليمًا، صمت الفتى ولم يقل حرفًا.. هو يعلم أنها وافقت.. فقط تلقى الصدمة وانصرف كسحابة دخان، أراد أن يكمل المسيرة الكادحة وتمنى من الله أن يرزقه (ببنت الحلال) التي تقبل ظروفه المادية، ولم يخذله الله كالعادة.. قابلها وتقدم لخطبتها من أبيها، وسبحان الرزاق، أبيها لم يفعل مثل باقي البشر ويطلب مهر (الأميرة ديانا) ولا (شاليه في الساحل الشمالي) أو أن المغنية (Adele) تحيي حفل الزفاف، لكن الرجل كان متفهم الظروف الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على الشباب المصري، وأيضًا متقبل الفتى كما هو واضح، تمت الخطبة والزواج على خير.
التلفاز الهلاس
الهاتف الذكي هو من أقوى الاختراعات في العصر الحديث، الذي أصبح كبيرًا وصغيرًا يقتني تلك القطعة الحديدية، لكن قبل اجتياح (الهاتف الذكي) العالم بأسره، كان (جهاز التلفاز) هو الأكثر اجتياحًا، ومن ثم ظهرت القنوات الفضائية وخصوصًا المصرية، تلك القنوات التي تركت بصمة جميلة في عقل كل الأجيال السابقة، واشتهر بها مذيعون في القنوات الإخبارية وموديلز في الإعلانات وأيضًا مغنون عمالقة في الطرب، لكن لاحظت في الفترة الأخيرة منذ عام 2013 تدهور في الإعلام المصري، أصبحت الأخبار والمناقشات تشبه بعضها البعض كأنما المُعد شخص واحد، وأيضًا من الواضح أنه فاقد الخبرة.
وحتى الأفلام لم ترحم من ذلك التدهور، كل الأفلام توجه المشاهد لقضية واحد.. و هذا يسبب لدى المشاهد نوع من الروتينية المملة، والإعلانات تتكون من خليط يجمع بين العمق العقيم الذي من الصعب فهمه وأيضًا نوع من اللزوجة الغليظة، وكل هذا أدى إلى تدهور في التلفاز المصري لم يحدث مثله من قبل، سأسكت لأني لا أود التعمق في موضوع كهذا، لكن أتمنى أن يكون هناك تنوع وقضايا مختلفة تناقش الواقع بشكل متحضر وخلق مناخ ديمقراطي مجتمعي، وأيضًا إتاحة المجال لحرية الرأي والتعبير لكي يقدر المصريون على مشاهدة التلفاز مرة أخرى وإعادة التلفاز المصري لوضعه الطبيعي.
الملابس الداخلية
الملابس أصبحت الجزء المهم في هذا العصر، أصبح البشر يهتموا بملابسهم والمظهر الخارجي أكثر من الاهتمام بتطوير الذات، الأمر أصبح مخيفًا إلى الحد الذي يجعلك تقيء، الأن أصبح الحكم عليك من مظهرك الخارجي وليس المظهر الداخلي، لا يهم كيف تفكر ولا الحرفة التي تتمتع بها، ولا ما ميولك السياسية… إلخ.
المهم ما ماركة حذائك، وأين المتجر الذي جلبت منه ذلك القميص والبنطال، أشفق على هؤلاء الذين يفكرون بتلك الطريقة، وأشفق على الشخص الذي يهتم لإرضائهم، أما عني فا حدث بلا حرج، آخر الأشياء التي أفكر بها هي الملابس والمظهر، وزوقي في الملابس لا يعجب إلا القليلين، وهذا يروق لي جدًا، أعترف أنني فاشل في شراء الملابس، تبًا للباعة، الصدق لا يعلم أماكنهم، الكذب هو الأسلوب في التعامل مع الزبائن، لكن بعد عدة محاولات شراء ملابس ويتم خداعي، اتجهت إلى المتاجر الإلكترونية، هي أسهل طريقة للشراء وأيضًا لا يوجد كذب وخداع، إن لم يعجبني شيء، أتصل بهم وبوسعي إرجاعه بكل سهولة، أنا وبلا فخر من المتسوقين المميزين لدى المتاجر الإلكترونية، أصبحت عميلًا من الدرجة الأولى، هذه هي المرة الأولى التي أصبح فيها الأول.
لا أريد أن ينجذب لي شخص بسبب أناقتي.. بالتأكيد هذا لن يدوم معي طويلًا.. أما الشخص الذي ينجذب بشخصيتك أراهنك أنه الدائم في حياتك.
أنا وكرة القدم
أسوأ شيء على هذا الكوكب هو كرة القدم، لا أعلم جيدًا ما السبب الرئيس في كرهي للعبة كرة القدم، المجتمع المصري هو سبب من بين أسباب كثيرة، لك أن تتخيل أن لا يهم المواطن المصري أن التعليم في المرتبة قبل الأخيرة من حيث التصنيف العالمي، ولا يهمه أن مصر أصبحت من أكثر الدول عالميًا في استهلاك المخدرات (الحشيش)، ولا أن يكون هناك (سلاح ردع) للعدو، ولا أن القطب الشمالي على وشك الذوبان ولا (سد النهضة ومشاكل نهر النيل)… إلخ.
كل ما يهمه متى تبدأ المباراة، وما التشكيلة التي سوف يلعب بها الفريق، ولماذا لم يأت اللاعب فلان اليوم، ويا لعنة القدر حين يخسر أحد الفريقين، زونك لن تُرحم اليوم من سماع السباب والشتائم والبذاءات اللغوية العويصة… إلخ.
أعتقد أن ثقب الأوزون لن يُرحم أيضًا، وطوال فترة بث المباراة تسمع التصفيق الحار وكأنما اليوم قد تحررت فلسطين، وتسمع السباب والعويل كأنما اليوم النكسة، تبًا لكم جميعًا، تبًا للمعلق أيضًا، لا أحبه المعلق شخص ثرثار جدًا، ما هذه المهنة اللزجة، تبًا لمن قرر أن تكون الثرثرة مهنة تأخذ أجر عليها، وأن نظرة للضفة الأخرى تجد أن المنتفع الوحيد هو مالك المقهى، ذلك الرجل يُذكرك بالمذيع أثناء حواره مع بعض الضيوف، أنت تعلم ما هي ميوله جيدًا، لكن هو يتقن فن المحايدة بين الطرفين، بالطبع هو لا يريد أن يخسر زبائنه، تبًا له أيضًا.
أتمنى أن يأتي النيزك بأقصى سرعة ممكنة.
التربية قبل التعليم
سن العشرين هو سن غريب جدًا لا تعرف أين أنت ومن أين جئت، فهناك أشخاص كثر قد حالفهم الحظ وتزوجوا، وأيضًا هناك الكثيرون قد ماتوا وذهبوا إلى الجانب الآخر من الكون، وهناك منهم ما زال يعيد الثانوية، بالرغم من الكم الهائل من المال الذي دفعه أبوه وأمه لكي يتخطى عقبة الثانوية العامة، لا يهم تلك الدرجة التي سيحصل عليها، ربما يكتفوا بالدرجة التي تجعله من الطبقة السيادية ويصبح ضابط، لكن للأسف الشديد السيادية ذاتها لم تقابله بعد.
ليت الناس تعي أن الشهادة لا تثبت أنك تفهم.
قرارت أن لا أكمل المسيرة التعليمية، لقد اكتفيت لم أستفد منها شيئًا سوى أنني أستطيع القراءة والكتابة فقط، وهناك بعض الاصدقاء لم يستفيدوا شيئًا منها على الإطلاق، إنها مسيرة مزيفة.
العام الدراسي.. اكتب.. اقرأ.. احفظ.. اكتب.. احفظ.. اقرأ.. الامتحانات.. انتهى العام الدراسي، بالتوفيق والنجاح.
كيف يمكن للعقل البشري استيعاب تلك المنظومة التعليمية؟ ونحن في هذا العصر، عصر التكنولوجيا الحديثة والمتطورة، أنها منظومة لم تتغير منذ عقود، تعتمد على الحفظ فقط.. حتى أصبح عقل الطلاب مثل (الكارت الميموري)، لا أعتقد أن هذا تقدم تكنولوجي جديد للمنظومة التعليمية، تحويل عقل إلى شريحة تُخزن الملفات وتفرغها في نهاية العام الدراسي، لكن لن أكترث حاليًا، أصبح الأمر لا يهمني الآن، ربما من عليه الاهتمام هو الشخص الذي ما زال في المسيرة التعليمية.. لكن سوف تظل المنظومة التعليمية هي أهم القضايا التي لو أتيحت لي الفرصة لسوف أسعى جاهدًا لإصلاحها.. ربما خروجي من المسيرة التعليمية مبكرًا كان قرار صحيح. أهاب القرارات التي اتخذها ويمر الزمان لكي أكتشف أنني قد دمرت نفسي باتخاذ قرار خطأ.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست