للأسرة، للمدرسة، دور في تربية الفرد، كذلك، الأمر ينطبق على المجتمع والشارع، والمدارس، والجامعات، حتى أماكن العمل.
يتلقى الفرد تربية حقيقية، لكن هذه التربية تصدم بواقع مغاير خارج أطر الأسرة؛ فالتعاليم والأخلاقيات التي ينشَّأ عليها الطفل تنقلب رأسا على عقب حال خروجه إلى فضاء الواقع.
الكثير من أرباب الأسر يفشلون في متابعة خُطا أبنائهم، بل واسراهم، لذا يخرج البعض من دائرة التربية الإيجابية إلى محيط التربية السلبية التي تتناقض جملة وتفصيلًا عما زرعت الأسر في أبنائها.
أسوق هذه الكلمات – التي قد لا تعجب البعض – على هامش العملية الإرهابية التي اقترفها شاب في الـ22 من عمره، وذهب ضحيتها خمسة شباب – نحتسبهم عند الله شهداء – في عمر الورد، من مرتبات مكتب «عين الباشا» التابع لدائرة «المخابرات العامة الأردنية».
الشاب الإرهابي ضحية، لا يختلف عن الشهداء الخمسة، ضحية غرر به، غسل دماغه، عبث بتربيته بواسطة تعاليم ـ قطعًا ـ لم يربَّ عليها.
تربية خارجية استُدرج لها بواسطة، زرعت أفكار شاذة في رأسه، لا تتوافق مع طبيعة الإنسان السوي, أفكار عمل على تربيتها ثلة ممن لا يخافون الله، ينظرون إلى الحياة نظرة أحادية سوداوية، لا ترى الراحة إلا في الموت وإزهاق أرواح الآخرين بما يتناقض مع قدسية الحياة وأهدافها، تربية خارج إطار الأسر، يتحكم في خيوطها أناس يعتقدون أنهم خلفاء الله على الأرض.
البعض مثلًا يرجع أفعال هؤلاء إلى تعاليم «ابن تيمية»، و«سيد قطب»، و«حسن البنا»، لكن أكاد أجزم أن هؤلاء لم يقرأوا في حياتهم صفحة واحدة مما كتبه هؤلاء، والذي جاء نتيجة ظروف محيطهم، فما صلح لزمن ليس بالضرورة يصلح لزمان آخر، وما قاله «ابن تيمية» يصلح لزمنه، لكن من الاستحالة أن يصلح لزمن آخر.
عودة إلى العبث في العقول من خلال تزيين الأفكار السوداوية، وتغليفها بإطار ديني.
ما يجعلني أسال هو كيف تمت السيطرة على عقل شاب بهذا العمر بسهولة تامة، دون أن يلحظه أحد، أو يكترث لأمره أحد، هل تأثر بكتب دعاة الإرهاب الحديث وتعاليمهم، هل جالسهم, هل تردد على حلقاتهم واستمع إليهم؟ من هم في الأصل؟ ماذا يفعلون ؟ من يقف خلفهم؟ ماذا يريدون؟ لربما كانت هناك طريقة تحول دون ولوج هؤلاء إلى النفق المظلم الذي ألقوا أنفسهم فيه وآخرين للتهلكة، لو عولجت أفكارهم، واحتويت، قبل أن تستفحل وتنشر سكاكين غدرهم وسيوف رعبهم.
أسئلة كثيرة لابد من إجابتها لحماية المجتمع من انتشار واتساع رقعة تحركات هذه الفئات، هذا لا يعني الوقوف ضد الأديان بمساجدها، وكنائسها، بل بإعادة قراءة الأديان وتعاليمها، أيوجد دين سماوي حقيقي يدعو إلى القتل وإزهاق الأرواح، وتهديد حياة الإنسان وأمنه؟ أيوجد؟
نعم الإرهابي ضحية لتعاليم خاطئة، لغياب مؤسسي حقيقي، يبدأ بالأسرة، ولا ينتهي بالدولة، غياب فتح الأبواب لدخول هؤلاء إلى عقول الشباب والعبث بها. هل عدنا إلى تاريخ الجماعات السلفية، وكيف تم تخليقها من العدم؟
أسئلة تدور في أذهان الجميع، لابد من إجابتها والوقوف على أسبابها.
كم عدد الذين انضموا إلى عصابات الإرهاب من طلبة المدارس، والجامعات الأردنية، خاصة ممن يحملون الشهادات العليا في تخصصي الطب والهندسة؟
هل تسهم جامعاتنا في إنتاج هؤلاء؟
إن كان الجواب «نعم»، هي تفعل ذلك, فهذا يعني أن القائمين على التعليم الأردني لا يقلون خطرًا عن عصابات «داعش» وشياطينها.
ثمة دراسات واستطلاعات للرأي قامت بها الحكومة للوقوف على هذه المشكلة؟
أين يجتمع هؤلاء؟ من هو المسؤول الفعلي عن غسل أدمغتهم والتحكم فيها؟
كم عدد المؤسسات والمراكز التي تدرس هذا النمط من التعاليم الإرهابية؟
لماذا لا تسحب جنسية من ينضم لهذه المنظمات؟
كيف يُتبنى الشباب؟ وبم يوعدون؟
ما هي الأهداف المفضلة لقادة التجنيد الإرهابي؟
هل يمكن كشفهم من قبل العامة؟ وهل تستطيع الدولة تمييزهم عن الآخرين؟
أسئلة كثيرة لا إجابة عليها، لابد من الوقوف على أستارها، لحماية المجتمع من آفة الإرهاب الممنهج المسكوت عنه.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست