منذ أيام، قرأت منشورًا على الفيسبوك لفتاة تشكو من نظرة المجتمع للعازبات غير المتزوجات، وضغط المجتمع عليهن، فيسعى كل من حولها جاهدًا لتزويجها وكأنها لا تطمح إلا في الزواج، في الوقت الذي تخاف فيه الكثيرات ممن حولها منها بسبب الحسد أو من خطف الأزواج.

يراها المجتمع متعجرفة معقدة فاشلة على المستوى الاجتماعي، وعادة ما يضع من حولها في أذهانهم صورة عنها بأنها مناصرة المرأة – برغم أن دفاعها عن حقوق المرأة ليس سُبة ولا عيبًا – وأنها تضع معايير صعبة “ولا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب” كما يقولون، وفي الوقت نفسه تحسدها بعض صديقاتها على حرية العزوبية، ويعلق الكثيرون على وقت فراغها الذي قد تستثمره في الدراسة أو العمل التطوعي بعبارة “ما ورهاش حاجة”.

تؤكد صاحبة المنشور أن الفتاة العازبة قوية وعادة ما تكون ناجحة وسعيدة لأنها لم تركز طموحها في الحياة على الزواج والإنجاب الذي يفعله كل الخلق حتى الحيوانات وأنها في العادة تمتلك ما لا ترضى التنازل عنه بضعف نحو الزواج وهذا سر قوتها، بينما تظل تلك التي لا تطمح إلا للزواج والأطفال أضعف وأقل طموحًا.

وهذا يُعد في الحقيقة من أسوأ ما يمكن أن نلاحظه جميعًا. المرأة عادةً هي أكثر من يسيء لنفسها ولأختها المرأة برغم أنها يقينًا قادرة على تغيير سلبيات هذا المجتمع وقبحه بتغيير تربيتها لولدها وابنتها. ومن مثال ذلك أن مجتمع النساء هو أكثر من يتحدث عن الفتاة غير المتزوجة أو الأرملة أو المطلقة، ربما أكثر مما يفعل الرجل. قد يطمع الرجل ويستغل ضعف المرأة، لكن القيل والقال هو غالبًا للأسف الشديد من صنع المرأة.

يحاول المجتمع بالفعل التدخل في شأن المرأة العزباء وقد يكيل لها الاتهامات ويطلق عليها صفات التكبر والعجب وربما صفات أخرى مثل التحرر وغير ذلك، فتكون النتيجة أن تدافع هي عن نفسها بأن غيرها ضعيفة الثقافة قليلة الطموح ولا تحلم بأكثر من زواج وإنجاب.

والحقيقة أن العيب ليس في أن يكون حلم إحداهن هو الزواج وإنجاب الأطفال، وإنما العيب أن يقتصر الأمر في ذهنها على الزواج والإنجاب في ذاتهما دون أن تكون لديها رسالة من ورائهما، فيكون الزواج من أي شخص، والإنجاب في مخططها هو مجرد الولادة، والتربية في ذهنها هو توفير الطعام والشراب والملبس ثم المذاكرة وفق منظومة تعليمية عقيمة.

والحلم العقيم الذي لا يحمل رسالة في طياته هو آفة تصيب الجميع في مجتمعاتنا، فالمرأة العاملة كثيرًا ما تتحدث عن إثبات الذات والطموح والكيان، بينما الكثيرات منهن ليس لهن طموحٌ فعليٌ ولا رسالة، وإنما تظل مجرد حلقة في ترس بلا هدف ذاتي.

قد نتصور أن مشكلة تبادل الاتهامات تقتصر على مجتمع السيدات فحسب، لكن المتأمل يجد أنها مشكلة متوغلة في كل فئات المجتمع التي تعاني من تلك المشكلة. كثيرٌ من الشباب لا يطمحون إلى أكثر من إيجاد عمل، دون حتى التفكير في تنمية مهاراته أو قدراته بعد تخرجه في نظام تعليمي فاشل بامتياز، ثم يسعى للزواج دون أن يفكر أو يخطط لمعايير اختيار زوجته، ويظل بعدها يدور في طاحونة الحياة كما يقول المثل الشعبي الشهير “تور مربوط في ساقية” فيسعى لاكتساب المال لإنفاقه على أسرته وربما بعض الترفيه دون أن يتساءل للحظة كيف سيربي أبناءه.

وإن تفكرت معي فسترى أننا نمارس جميعًا في المجتمع الطريقة نفسها كثيرًا، تهاجم المرأة المتزوجة العزباء بأنها متكبرة أو صيّادة رجال، فترد عليها العزباء بأنها تافهة لا تسعى سوى للزواج، ويهاجم الشباب الفتيات بأنهن متطلبات، فترد الفتيات الهجوم بأن الشباب لم يعودوا رجالًا.

 

ويستمر الأمر فيتهم جيل الآباء الشباب أنهم متهورون ومخربون، ويدافع الشباب عن أنفسهم أمام الكبار بأنهم متحجرون، بل حتى في وقت الثورة نجد أن الاتهامات متبادلة إذ يكيل كل طرف للآخر بعضًا من الأوصاف مثل الغافلين والخرفان والعبيد وعشاق البيادة و50% وغير ذلك دون أن نرى من يحاول امتلاك رؤية حقيقية لرفع مستوى وعي هذا الآخر بدلًا من التقليل من شأنه.

الأمر صعب جدًا وتغيير المجتمع يحتاج لأجيال، هذا صحيح لكن البداية تكمن في تغيير الصورة الذهنية عن المشكلة في اختلافاتنا. هكذا خلقنا الله مختلفين فلا يجب أن يكون المجتمع كله على نسيج واحد.

تصوروا لو أننا سعينا لرفع وعي من حولنا إن كنا نراهم على خطأ بدلًا من كيل الاتهامات والدفاع عن نفسنا بممارسة الفعل نفسه. إن كان مبدأ نابليون “الهجوم هو خير وسيلة للدفاع” يصلح في بعض الميادين، فعلينا أن ندرك أنه لا يصلح نبراسًا في حياتنا الإنسانية والاجتماعية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد