خلال الخمسة أعوامٍ الماضية، سعت الأجهزة في مصر للسيطرة تمامًا على وسائل الإعلام، وأحكمت «قبضتها الحديدية» على الفضائيات والصحف والإذاعات حتى أصبح خطاب هذه المنصات «واحدًا» مروجًا لـ«إنجازات ومعجزات» نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فضلًا عن الضعف الشديد في المحتوى الذي تُقدمه هذه الوسائل الإعلامية؛ نظرًا لتقليص الحريات الصحافية عند تناول القضايا التى تهم المواطن، والتعليمات الصادرة بعدم التعرض نهائيًا لقضايا أخرى؛ بحجة الحفاظ على الأمن القومي، مع الالتزام فقط بالبيانات الرسمية التي تصدرها أجهزة الدولة.
باختصارٍ شديدٍ، فإنّ الصحافة المصرية أصبحت فى «مأزقٍ شديدٍ» مع القضاء نهائيًا على الحريات الصحفية، ومنع طبع أو مصادرة أية جريدةٍ حاولت الخروج عن الخط المرسوم من قبل أجهزة الدولة، ومع ضعف هذه الوسائل الإعلامية المقروءة، وانهيار المحتوى الصحافي المقدم بها، انصرف عنها القارئ المصري، فتعرضت لـ«خسائر فادحة»، وأُغلقت جرائد، وجمدت مواقع إلكترونية عملها، وسرّحت الصحافيين العاملين بها.
بالعودة قليلًا للوراء، نجد أنّ مساحات الحريات الصحافية كانت «أوسع» حتى في عهد محمد حسني مبارك، الرئيس المصري الأسبق، وكانت الجرائد تتميز بقوة المحتوى الصحافي، بل كان «سقفها» يصل لمهاجمة الرئيس نفسه، وانتقاد الحكومة.
اهتمام النظام الحالي فى مصر بالسيطرة التامة وفرض «القبضة الحديدية» على وسائل الإعلام سببه أنّ هذا النظام يدرك تمامًا الدور الكبير الذى لعبته تلك المنصات في الإطاحة بالدكتور محمد مرسي 20 أغسطس (آب) 1951 – 17 يونيو (حزيران) 2019 من سدة الحكم فى مصر؛ لاسيما أنّ هذه الوسائل كانت تتعرض بالنقد الشديد لسياسات «مرسى» وحزبه الحرية والعدالة (صدر حكم قضائي بحله في 9 أغسطس 2014) الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.
وبسبب هذه الجزئية، فإنّ أجهزة الدولة لا تريد تكرار هذا السيناريو مع الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، القادم من بيروقراطية الحياة العسكرية، فحدثت السيطرة التامة على الوسائل الإعلامية، فالصحف القومية مملوكة للدولة أصلًا، والجرائد والقنوات الخاصة اشترتها شركات تابعة للمخابرات.
المثير للجدل أن نجد مسؤولين بارزين في الإعلام المصري يتحدثون عن أنّ أزمة «الصحافة المصرية» تتركز في ضعف المحتوى، وعدم تأهيل الصحافيين فقط دون التطرق نهائيًا للمسألة الخاصة بتقليص المساحات الصحافية، رغم أنّ الأخيرة هي السبب الرئيس في انهيار الصحافة المصرية حاليًا.
ولذلك تأتي تصريحات هؤلاء المسؤولين أقرب إلى الردود أو التصريحات الدبلوماسية عن أزمة الصحافة المصرية؛ خاصة أنّ هؤلاء المسؤولين يشغلون مناصب صحافية رفيعة، وأي تصريح مخالف لتوجهات النظام الحالي قد يكون سببًا في الإطاحة بهم من هذه المناصب.
فمثلًا نجد أنّ ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة «أخبار اليوم»، والصحافى المقرب من الرئيس عبد الفتاح السيسي، نجده يقول دائمًا أنه يتم إلصاق مشكلة الصحافة بالآخرين، لكن السبب الرئيس هو ضعف مستوى الصحافيين والصحف من حيث الفن الصحافي والمتعة.
تصريحات «رزق» جاءت خلال انعقاد الملتقى الاعلامي لـ«نادي دبي للصحافة» في مقر نقابة
الصحافيين المصرية.
https://www.elbalad.news/3982802
أما عبد المحسن سلامة، نقيب الصحافيين المصريين السابق، ورئيس مجلس إدارة «الأهرام»، المؤسسة الصحفية الأضخم والأكبر في مصر، فقد كانت له تصريحات بعيدة تمامًا عن حال الصحافة المصرية حاليًا؛ ونفى أن يكون هناك صحافي تعرض للحبس بسبب رأيه، رغم وجود قائمة تضم صحافيين موجودين خلف القضبان.
كما ينفي «سلامة» إغلاق أي صحيفة، في الوقت الذي تعرضت فيه مئات المواقع الإلكترونية الصحفية في مصر للحجب؛ بسبب تقديمها محتوى قد يكون مناهضًا للنظام.
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1199736
كما نجد من ضمن أصحاب «الردود الدبلوماسية» أيضًا ضياء رشوان، نقيب الصحافيين المصريين، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات التابعة للرئاسة المصرية، فقد كان له تصريح غريب جدًا تسبب في حالة من «الغليان» على مواقع «السوشيال ميديا».
وقال «رشوان» في تصريحه: إن الإعلام في مصر يتمتع بأقصى درجات الحرية وليس هناك أي رقابة على المضمون أو المحتوى الذي يبث.
تصريح نقيب الصحافيين المصريين جاء خلال افتتاح مركز الخدمات الإعلامية للقنوات الإخبارية العربية والأجنبية الجديد التابع لمدينة الإنتاج والكائن بشارع النيل بالعجوزة بالقاهرة.
http://gate.ahram.org.eg/News/2250539.a
الخلاصة أنّ هذه التصريحات لا تمثل الحقيقة عن الأزمة التي تعانيها الصحافة المصرية حاليًا؛ وحتى عند الحديث عن تطوير المحتوى الصحافي، فإنّ هذا الأمر يتطلب وجود «هامش» من الحرية في تناول القضايا، وإفساح الطريق أمام التحليلات المعمقة عن الشأن العام في مصر التي حلت في المرتبة 163 عالميًا في «مؤشر حرية الصحافة» الصادر عن منظمة «مراسلون بلا حدود» في أبريل (نيسان) الماضي، ما يعكس عمق الأزمة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست