سوق مليء بالدكاكين، تحمل رفوف كل دكان ـ في ثناياها ـ العديد من المفاجآت، منها ما تستحسنه عينك، و منها ما تخشى منه، مفاجآت حلمت بها منذ طفولتك حتى أصبحت مثل النجوم: تسعى دائما إلى اقتنائها رغم بعدها عنك، مفاجآت تتلون كل يوم بموقف أو حدث شهدته عينك.

 

مفاجآت بنيت عليها أحلام و آمال، ورغم اختلاف المفاجآت بالنسبة لكل شخص، لكن كلنا نؤمن بوجودها، ونسعى إلى تحقيقها؛ حتى نستطيع ملء الدكان بالبضائع، مهما تطلب ذلك من وقت وجهد.

 

هذه الدكاكين التي نسعى دائما إلى ملئها بالبضائع، سواء كانت شهادات، سنوات خبرة، دورات تدربية، أو لغات نتحدثها؛ حيث يصبح من السهل أن نخلط لغتنا الأم ـ على الأقل ـ بلغتين أجنبيتين، إلى جانب ذلك، عدد مقبول من المؤتمرات التى قمت بحضورها؛ حتى تجد من يقترب من دكانك ، و ترى لمعة رضا في عين المشترى إذا وجد ما يبحث عنه على رفوف دكانك، ويتبع ذلك بابتسامة انبهار بعدد الرفوف.

 

ومع الوقت تكتشف أن بناء الدكاكين أصبح من أسهل ما يكون في مجتمعنا هذا، ذاك المجتمع الهش الذي  يبني العلم فقط بالحصول على بكالوريوس تجارة، آداب، إعلام، هندسة، أو طب … و بعد بناء الدكان تبدأ المعركة، تلك المعركة التي يبحث فيها البائع عن مكان وسط زحام تلك الدكاكين التى غطاها الرماد، وأصابها الزمن بالعديد من الشروخ، و لكنها صامدة، وتصر على البقاء، و حيال ذلك لا يقترب منها أي مشتر.

 

مرحبا بك فى سوق العمل، هذا المكان الذي كنت تنتظره منذ 22 عاما، وسعيت له بكل الطرق، ونجحت في بناء دكانك، بعد حصولك على هذا البكالوريوس، وملأت رفوفه بعد عناء، وتعثرت عشرات المرات في هذا الطريق الطويل، ونبشت في هذه السكة، حتى تعلمت كل خباياها، وانتظرت المشتري، لكن دون جدوى، مما سيدفعك لتغير مسار اتجاهك، كما فعل من كانوا قبلك، فتقذف بنفسك من فوهة هذا البركان؛ باحثا عن سوق في بقعة جديدة خارج وطنك، سوق لا يكتظ بالدكاكين، فتعدو في أرض الله، حازما رفوفك وما عليها من شهادات حتى تجد المشتري، قاصدا أقرب سفارة، مصطفا داخل تلك الثعابين التي يطلقون عليها: طوابير، جالسا بجانب عشرات الراغبين في الهجرة، ولكنهم في انتظار أن يصطدم جواز السفر بالتأشيرة مع تصريح عمل لا يقل عن عام، وتذكرة ذهاب بلا عودة.

 

هنا تستيقظ الدوله، تستيقظ عند شعورها بافتقاد الخبرات فتبدأ في البحث عن من تسميهم “الطيور المهاجرة”، تلك الطيور التي سئمت من البحث عن فرصه عمل، وأعاقت هذه الطيور لقب مرفوض في كل مقابلاتها، مما دفعها إلى الابتعاد، ولكن تظل هذه الطيور أكثر من يشتاق إلى أوطانه، ولكن لديهم يقين كامل أنهم لن يستطيعوا التنفس فيه، ولن يقدروا على ممارسة حقوقهم به.

 

فأول الدروس التى يجب أن نتعلمها قبل بناء هذه الدكاكين هي: كيف نتنفس؟ كيف نتنفس في هذا الزحام القاتل؛ حتى نقدر فقط أن نعيش فيه، وكيف نرى الكون، ليس فقط من ثقب الإبرة الذي اعتدنا على النظر من خلاله؟ ذاك الثقب الضيق، الذي ليس له القدرة على إظهار الدنيا في صورتها الحقيقية، بل علينا أن نراه بعيون يملؤها التفاؤل، هذا هو العلم الذي ينبغي علينا أن نتعلمه؛ حتى لا نصدم في الواقع.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد