أغرب أفلام المخرج ديفيد فينشر والنجم براد بيت.

في حدود الساعة الحادية عشرة صباحًا يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1918، خيّم الهدوء على الغربية بفرنسا معلنًا بذلك نهاية الحرب العالمية الأولى التي اندلعت عقب حادثة اغتيال ولي عهد النمسا، فرانز فرديناند، لتستمر لأكثر من أربع سنوات، متسببة في سقوط ما يزيد عن 40 مليون ضحية بين قتيل وجريح.

في مثل هذا الصباح الذي لا يُنسى والذي حضره الجميع حتى ثيودور روزفلت الرئيس السادس والعشرين للولايات المتحدة. صنع رجل ضرير فقد ابنه أثناء الحرب، أول ساعة في محطة قطار في أقصى جنوب الولايات المتحدة. وعند رفع الستار عنها ارتفعت أصوات الحضور «الساعة تمشي إلى الوراء»! في هذه الأثناء علا صوت جياتو الصانع يقول: أنا صنعتها بهذا الشكل لربما الشباب الذين فقدناهم في الحرب يقفون ويعودون من جديد إلى المنزل. ليزرعوا، ليعملوا، ليمتلكوا أطفالًا، ليعيشوا طويلًا حياة كاملة. ربما ابني أنا يعود للمنزل مجددًا!

في مدينة نيو أورلينز الأمريكية، وفي هذه الليلة التاريخية الرائعة التي أعلنت نهاية حقبة سوداء، الشوارع تغص بالناس، لا صوت، ولا ضوء يعلو على أصوات وأضواء المفرقعات. في لحظةٍ للذكرى، وفي ظروف خاصة كهذه وُلد بطلنا بينجامين بوتون معلنًا وفاة أمه التي بقي ممتنًا لها للأبد.

إنها المرة الرابعة التي أشاهد فيها فيلم «حالة بنجامين بوتون الغريبة»، لكنها المرة الاولى التي أشاهد فيها خبايا وتفاصيل وأسرار هذا الفيلم الغريب ما دفعني للبحث مطولًا عن كيفية صناعة شخصية البطل «براد بيت» الذي يولد رجلًا هرمًا، ويموت طفلًا! بالإضافة إلى حبكة الفيلم المميزة التي تدفعك للبكاء مجبرًا وفي نفس الوقت تجد أن هناك سخرية في النص غير مترابطة وأحيانًا تحتاج إلى تفسير، أو لا حاجة لبعضها أصلًا.

قصة الفيلم تبدأ قبل صُنعه عندما توفي والد المخرج فينشر، فقرر أن يصنع فيلمًا عن الموت. في حديثه في الوثائقي الذي صُنع عن هذا الفيلم يقول فينشر مازحًا: لا أريد أن أرى شخصين معًا، أريد أن أرى الجميع غير سعداء مثلي. حيث يعرض هذا الفيلم حالة غريبة عن الحياة والموت من منظور رجل يصبح أصغر سنًا مع مرور الزمن يرى من حوله الموت في عيون كل من عرفهم، ولك أن تتخيل كم التعاسة التي من الممكن أن يشعر بها بينجامين. إلا أن الحقيقة تبدو مختلفة في الفيلم؛ لأن بينجامين لا يشاركنا الشعور نفسه!

في بداية الفيلم ستشعر أنك تشاهد فيلمًا آخر قد تكون شاهدته من قبل. فطريقة سرد الفيلم مشابهة إلى حد كبير لطريقة السرد في فيلم الدراما والرومانسية titanic. شخصية بطلة كبيرة في السن تروي قصة الحب التي جمعتها مع بينجامين بوتون، بل حتى سردية غرق السفينة التي كانت هي العنصر الرئيس في فيلم تيتانك تراها في نهاية فيلم بينجامين بوتون؛ حيث تغرق الساعة، والتي هي العنصر الرئيس في الفيلم. وما تعليق فينشر واعترافه بأوجه التشابه بين الريشة في Forrest Gump، والطائر الطنان في Benjamin Button، إلا تأكيدًا على وجود عناصر مشابهة لأفلام أخرى استخدمها في حبكة وسردية الفيلم. في مشهد آخر يصف بينجامين تفاصيل حادث ديزي حبيبته بكل يقين، وهو لم يكن حاضرًا، ودون أن يقول ربما حدث هكذا! كيف له أن يعرف؟!

الفيلم يناقش قضايا عديدة أخرى غير الحياة والموت من أهمها مسألة الهوية. جميع من كان في الفيلم كان معروف من هو ومعروف ما وصفه هناك العازف، المثقف, الأم والراقصة. لكن الشخصية الرئيسة بينجامين تائه لا يمتلك هوية محددة، بل كان ضد أن يُعرف الشخص بهوية أو وصف. نراه في البداية يعمل في سفينة ونراه بعدها مصلحًا للدراجات الهوائية، ثم نراه رجل أمن دون بوصلة تهديه إلى طريقٍ اختاره هو بنفسه. ولا أدرى إن كان هذا مقصودًا من فينشر كدعوة للتوهان واللاهوية والضياع الذي روجه عبر براد بيت الزومبي الوسيم في بينجامين بوتون، أم أنه يقصد أن غياب الهوية ملازم للشخص المريض في حالة بينجامين الذي لا يبدو تمامًا أنه ساخط لطبيعة ولادته الغريبة.

تكمن هيبة فيلم بينجامين بوتون في المؤثرات البصرية غير العادية والتي حاز الفيلم من خلالها على أوسكار عام 2009. تخيل أن ثُلث الفيلم الأول لم يكن براد بيت حاضرًا فيه تمامًا، ما يشاهده الجمهور في الساعة الأولى هو نسخة حاسوبية من رأس بيت! المنتج التنفيذي للتأثيرات المرئية في الفيلم يقول: لقد عبرنا الزمن بهذه التقنية التي أخذت منا عامين، وعمل عليها 165 شخصًا لإنتاج ساعة من فيلم.

بالنظر إلى التاريخ الطويل لنجوم السينما المتطلعين والمغرمين، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن هوليود لن تستفيد من التكنولوجيا الجديدة لحذف الأسماء الكبيرة من الصورة. حتى أنه كان هناك فيلم عن ذلك. يُدعى سيمون، تقرر ممثلة مشهورة ترك الفيلم. وعندما لا يتمكن المخرج من العثور على بديل، يقوم رقميًا بإنشاء ممثلة لتحل محل النجمة. هذا العالم المتسارع بسبب التكنولوجيا لا يدع لنا مجالًا للشك فيما قد يحدث في المستقبل فما كان خيالًا بعيد المنال في الأمس أصبح واقعًا نعيشه اليوم.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد