(1)
لعنة الفراعنة حق. الله حق،. ولكن ليست اللعنة التي تنصرف إليها أذهاننا بادي الأمر.
(2)
إنها اللعنة التي ذكرها الله في كتابه حين قال سبحانه وتعالى:«فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ، يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ، وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ».
(3)
إنها اللعنة التي ذكرها الله في كتابه حين قال سبحانه وتعالى:«كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ، كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ، فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ»، وقوله تعالى:«فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ».
(4)
هي اللعنة التي حصدت فرعون وجيشه، وهي ذاتها اللعنة التي حصدت هامان، وهي ذاتها اللعنة التي خسفت بقارون وبداره الأرض، فأصابت اللعنة الدار مع صاحبها، وهي ذاتها التي أصابت الدار الأكبر مع أصحابها، فأصابت مصر كلها مع أهلها بالدم والجراد والقمل والضفادع والآيات العظمى، ثم دمر الله عليهم.
(5)
إنها ليست اللعنة التي تصيب من يقتحمون مقابر الفراعنة، بل اللعنة التي تصيب أتباع الفراعنة، إنها اللعنة التي تورث الفقر، وتأتي بالخراب بعد العمران، وتمحق الفرعون وكل من معه ومن أطاعه، ذلك أنهم كانوا قومًا فاسقين.
(6)
تلك هي اللعنة الحقيقية التي كثيرًا ما ضربت مصر وشعبها تحت ظلال الفراعنة، وما أكثرهم في التاريخ المصري، إنها لعنة حق، مذكورة في كل كتاب، لا تضرب المعتدين على الفراعنة، بل تضرب المعتدين الفراعنة!
(7)
إنها ذاتها اللعنة التي تصيب الفراعنة في كل مكان، وهي ذاتها التي امتدت إلى أبي جهل الذي أسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فرعون هذه الأمة»، فهلك بئس الهلاك في بدر، وأهلك قومه معه، وألقي وغيره من صناديد قريش في قليب بدر، وقد كانوا يريدون الرجوع، فمنعهم وحرضهم على هلاكهم في الدينا والآخرة.
(8)
إنها ذات اللعنة التي حاقت بعبيد الله بن زياد فرعون بني أمية وقاتل الحسين رضي الله عنه، فأهلكته وجيشه، ولم يعد يعرف له قبر، وهي ذات اللعنة التي حاقت بالحجاج بن يوسف فرعون بني مروان فلما مات دفنوه خلسة، وغموا قبره فلا يعرف له قبر، وقد مات وهم يحكم نصف الأرض! وهي ذات اللعنة التي حلت بأبي مسلم الخرساني فرعون بني العباس الذي أسرف في القتل والبغي، فبغي عليه ولا يعرف له قبر، وهي ذات اللعنة التي حلت بمحمد علي لما تفرعن وعلا في الأرض بطشًا وظلمًا وقتلًا ونهبًا، فأهلك الله أبناءه وكانوا قادة جيوشه، الواحد تلو الآخر، ثم شهد انكسار حلمه، وتضعضع امبراطوريته في حياته، وزوال معظم منجزاتها.
(9)
وتستمر رحلة مصر مع فراعنتها – ومن اللافت أن يذيع البي بي سي فيلمًا تسجيليًا بعنوان فراعنة مصر المعاصرين – فوجدنا «الزعيم الملهم» الذي يبطش ويطغى ويقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس، ويسخر من الحجاب ومن الغيبيات، فيرحل هو وينتشر الحجاب، ويطوي الزمان عصره مهزومًا غارقًا في نفسه، ويقف على الباب الذي سخر منه، لا ندري أيدخل أم يرد.
(10)
لقد رأينا لعنة الفراعنة رأي العين وعاصرناها في السنوات الأخيرة، رأينا الفرعون يخرج علينا في زينته متبخترًا بمعابد يبنيها فتنهدم، ومشاريع يقيم لها «البروبجندا» فيسقطها الله.
(11)
لقد رأينا لعنة الفراعنة رأي العين وعاصرناها في السنوات الأخيرة، رأينا خلصاء أتباع الفرعون يحصدهم الموت، وقد عمروا قبله دهرًا، وقد كانوا بصحة جيدة، فأذهبت لعنة الفراعنة عافيتهم، وختم لهم بخاتمة السوء، فيما يظهر لنا، إن ربك لبالمرصاد.
(12)
لقد رأينا لعنة الفراعنة رأي العين وعاصرناها في السنوات الأخيرة، رأينا سحرة فرعون يذهب الله كيدهم وينقلب سحرهم عليهم، فكل ما رموا به خصوم الفرعون أظهره الله في فرعونهم وفيهم، حتى غدوا أضحوكة الدنيا، وأبطل الله سحرهم، إلا قليلًا، ولا يفلح الساحر حيث أتى، فمنهم من خسئ، ومنهم من انقلب على فرعونه، ومنهم من بار سحره وخفت شأنه.
(13)
لقد رأينا لعنة الفراعنة رأي العين وعاصرناها في السنوات الأخيرة، رأينا الكثير من مؤيدي الفرعون يصيبهم النكال على ، وقد أرادوا بتأييدهم له الرفعة في الدنيا فضربهم الله بالذل، حتى صرخ كثير منهم: أهذا جزاؤنا منك يا فرعون، وقد أخلصنا لك الخدمة وأيدناك! لكنها لعنة الفراعنة التي كتبها الله على أمثالكم.
(14)
لقد رأينا لعنة الفراعنة رأي العين وعاصرناها في السنوات الأخيرة، رأينا الكثير من داعمي الفرعون بالمال ليستقوون به على خصومهم قد أصابهم الله بالفقر والفاقة بعد العز، وضربهم بالأزمات بعد الأزمات، وشتت الله عليهم أمرهم، وجعل الفرعون عونًا لعدوهم عليهم! كيف افتقرت خزائنهم وقد كانت كالجبال؟ إنها لعنة الفراعنة التي كتبها الله على أمثالهم!
(15)
إنها لعنة الفراعنة يا سادة، من استعز بهم أذله الله، ومن طلب الغنى بهم أفقره الله، ومن طلب رضاهم بسخط الله باء بسخطهم وسخط الله، ومن شد أزرهم واستوزر لهم أهلكه الله، ومن دعمهم نكبه الله، ومن احتشد معهم وسار في ركابهم أغرقه الله في نفسه. لعنة كتبها الله على الفراعنة، وآخر دعوانا أن رب نَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
لعنة الفراعنة