بين طيات سطور تفكيري الذي بات مشتتًا بين قديم اعتقاد وحديث، بين ظاهر مُجمّل وعمق مُخرّب وحيد بين أذرع وطن وكثر بالأرقام، بين رؤية مخطط لم ينفذ ومنفذ غير الذي خطط له، شاب شعري وتبلورت ملامحي، زاد سني للعيان وانحنى عود زهرة شبابي فإلهي إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نبالي!
توابع الثورة
ترعرعنا ومرت السنون ومضى من العمر بضعة عقود تأزمنا وتيسرنا، فرحنا وغضبنا، ذقنا المر والمالح ذقنا طيات كتمان الذل وانكسار – جلالة – الكرامة المتبعثرة كُسر بخاطرنا ونجبر بخواطر البشر صبرنا وشكرنا فلم يشكرنا الوطن افترقنا وتحزبنا فتدهور الوضع تأقلمنا فانقلب الوضع إلى الأسوأ، لم تنقصنا التجارب والمحاولات،التفكير في الأفضل والتفوق الجاد، قيل السعي فسعينا – لعل الله يعطينا – ومن ثم يأتي بنو البشر ليأخذوا ما اقترفناه من مساعينا.
تلبدت الحواس وتكبدنا نحن الألم، تكاتلت الفصائل وتفصص الثوار، وثرنا لنيل فنقص، وأرض فتهدي وتباع بالجزيرة، طالبنا بعيش فنموت وحرية فأعطونا الدكتاتورية، عدالة اجتماعية فزادت السلطة تعجرفًا، نعلم أن السلطة قد شابت وشاخت وقد ابيضت عينها وضعف سمعها فكلما طالبنا بعيش حرية عدالة اجتماعية سمعوها «جيش – شرطة – قضاء» فآلت الامور إلى ما هي عليه وبئس الأمور هي؛ فلا من في الوطن آمن ولا من هم خارجه مطمئنون.
الحكم العسكري
إن فكر الحكم العسكري ليس فقط حكم سلاح ودبابة بل حكم لديه استراتجية وفكر مستقل لكنه من نوع خاص، فكر متناقض ومتنافيان مع جميع الآداب والأعراف مهيأ للاختراق في أي لحظة تبعًا لهوى الحاكم، وخضوع العقل للقول هو الأغلب والأشمل حتمًا فحين يقول القائد ازحف لا تناقش إذا كنت مظلومًا، ثم بعدها ارفع شكوى فلا مجال للمناقشة وفِي المناقشة يغلبهم القوة، أو إذا لم يستطيعوا استخدامها بادروا أولًا بالسباب وربما يتباهون بذلك فلم يدربوا للمناقشة والفكر إنما للسلاح والقوة.
فلا زلت اذكر قصة لعميد بالقوات المسلحة كلما تذكرتها أشفقت على أنفسنا من حكامنا كنت أقضي فترة تسمى «التربية العسكرية» وهي غالبًا ما تكون أسبوعًا أو أسبوعين إجباريين حتى يمكنك إتمام مرحلة البكالريوس وكان ذاك العميد يحاضر في هذا اليوم وقال بعد أن حكى عن بطولاته وانتصاراته انه كان في السودان الشقيق لحل نزاع قبائلي ما، وكان من بين الحضور ضابط بالموساد الإسرائيلي فأخذت العزة العميد المصري ليخبره بأن المصريين انتصروا على الموساد في ٧٣ واستردوا سيناء فأخبره الضابط الإسرائيلي بالحرف ألواحد :
But I can go to SAINA as if I am going to my bathroom
فقال الضابط الفرعوني له بكل فخر ليرد بعضًا من كرامته التي تبعثرت توًا أمام العديد من ممثلي الدول :
*******Pleased to meet you son ma «سبه بأمه».
صفق الطلاب لرد العميد المخضرم وقال العميد متفاخرًا: «آه ماسبتش حقي».
أريد أن أعلم هذا الضابط أني الحامل الجنسية المصرية الآن لا أستطيع دخول سيناء وذاك الإسرائيلي ما زال يتمتع بدخولها بدون حتي تأشيرة مسبقة، أريد أن أخبره بأن من يدافعون عن جزيرتي تيران وصنافير ربما حتى لم يروا البحر الأحمر رأي العين أو ربما لم يدخلوا مدينة شرم الشيخ التي يتنعم بها أي إسرائيلي في أي وقت .
لمن الوطن اليوم
أتحدث عن أناس لا يوجد مجد إلا تشرفوا بصنعه، أمجاد تبنى بتبنينا خارج أوطاننا بسواعد أيدينا بتعليم لُب مدارسنا، ليس العيب فينا ولا في وطننا، حاشاه فالعيب كل العيب في جبننا العيب في كرامة قد بعثرت في نخوة قد دٌمرت في طمع قد كبُر واشتد ساقه. مصر بهيبتها ونيلها وصحراواتها بعد أن احتضنتنا تلفظنا، ليس فقط بل كل قوتها تلفظنا للمجهول وتحيط علينا قبل الوصول، لا هي لفظتنا ولا احتضنتنا ولا حتى تركتنا نهيم في خبايا احلامنا، قضي على الأخضر واليابس من تفكيرنا، أمّا التفاؤل فقد استنفذ مخزون لم يستنفذ ولو عٌشر من أعشار عشره في أوطان رضي قاطنوها عنها، مصر التي في خاطري تثور بثورتها وتنخلع، مصر يوم ثورتها ظننت أني سأرمي شباكي فيأتي إلي السمك فاتحًا فاه وسأجد الخاتم عند شق بطنه، ذاك الخاتم الأسطوري الذي يجده الصياد في وقت ضيقه، ولكنها كلها محض ظنون وأحلام.
إن الحرية التي نادينا بها في الميادين كانت بمثابة صك الاستثمار والتطوير الاعتمادي للوطن وترسيخ حبه الذي لا يحتاج سوى القليل من التعلم من الأخطاء وممارسة النقد البناء، أما حرية المدح والإطراء للسلطة لم تكن سوى نفاقا إن هذا الوطن ليس وطنًا لمن يضحي لأجله بل لمن ينهب خيراته ويستولي على مدخراته.
الكل يدّعي الوطنية أم أنها تباع وتشترى
دار بيني وبين أستاذ في الكلية حوارًا وكان بدرجة أستاذ دكتور مبجل له نصيب من العلم ما له، بدأ حواره معي بسؤاله لي عمّا إذا كنت أصدق ما يحدث في سوريا عن صورة أيلان الغريق و عمران المصاب أو التفجيرات في سيناء وتهجير أهلها فقلت نعم أصدق! فقال: أنت مخدوع أو موجه، هاجمني بأنني مُوجّه من قبل من هم لهم مصلحة في إرداء الوطن والجيش أرضا وبلا بلا بلا، حافظت على هدوئي واحترمت فرق السن وقلت له فليذهب كل منا إلى ثكانته فالجيش يعود لحدوده ويترك سلطة وطننا، فقال لي: إحنا من غير الجيش وإبعاده عن السلطة ولا نسوى شيء، قلت هذا إن كان في الاساس نزيهًا وتبعته بسؤال: «هل تستطيع أن تدخل ابنك الحربية أو الفنية العسكرية دون أن تدفع ما يقارب 200 ألف جنيه؟»، فشحب وجهه وغيّر الموضوع بسؤال زميلي عن أحواله، ليفاجئني زميلي بعد أن خرجنا من مكتب ذاك الأستاذ الجامعي بأنه قد دفع رشوة مقابل أن يُدخل ابنه الكلية الفنية العسكرية، وقتها عرفت ما معنى كلمة وطن له و ما الفرق بين وطني الذي أحيا بين شوكه ووطنه الذي ينعم هو وولده بين أضلعه.
أصبحت بلا وطن
اتجهت إلى بيتي وأخرجت خطابات التوصية التي كنت طبعتها مؤخرا وعزمت على أن أصدقها من أساتذة كليتي لأختار وطني كما يختار كل واحد منهم وطنه بطريقته، قررت أن أرحل بعيدا أبعدوني فقط عن هذا المكان الآثم فكل من هم فيه أنجاس والأطهار في السجون يعذبون وبين ضواحي الصعيد يتنقلون وبالليل عن الأَسِّرة هاربون مبتعدون عن منازلهم كي لا يعتقلون، عزمت الرحيل فلم أعد أريد أن أطيل المكوث، أريد النزوح فلنرحل بعيدا هيا؟! فالمكوث بها مشق فينتظرنا ما لم يكن في مخيلتنا، فانتظرنا الحبس فلا اللفظ يجدي ولا الوجود بها فذاك هو الحبس والحبس أشمل وها أنذا أسير في بلدي مبعثرة كرامتي عبد عند قومي مظلوم في بلدي.
شكر واجب
شكرًا 25 يناير شكرا كل متلون جبان «ليميز الله الخبيث من الطيب» ولتستمر اللعنة في تقديم أفضل ما عندها وتحريك عظامنا المكسورة وتوسيع جروحنا التي بالكاد هي مضَمّدة وحبسنا في بلادنا وترويعنا بالخارج وتهديدنا بالإرهاب.
شكرًا بقدر ما واجهنا المتاعب من بعدك بقدر ما تفتحت اوراق ومفاهيم لم ولن نكن قادرين علي فهمها شكراَ لانتشال كل صالح من مجتمع يملأه الفساد والريبة، شكرًا لإهدائنا القدرة على التمييز بين المعارض والآدمي واللا آدمي بين الإنسان وبين من هيأته على شكل إنسان .
إمضاء: «شاب بالماضي كان ثائرًا».
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست