أذكر جيدًا قبل عام، عندما جاءتني صديقتي (المغتربة الآن بعد خلع الحجاب) وجلست إلى جواري قائلة: «سأخلع الحجاب». سألتني: «هل ستتغير نظرتك لي؟» وكان ردي: «هذه حياتك». أثارت تساؤلات في داخلي قبل حفيظتي، ووجدتُني أسأل نفسي: «لماذا أتحجب؟». في داخلي قناعة تجاه هذا الحجاب تجعل منه ما يفوق كونه «قطعة قماش» على رأسي في الشارع أو أمام الأقرباء قبل الغرباء، رأيتني لا أجدُ فيه سجنًا أودُّ الخروج منه. فما السبب وراء ذلك؟ وما السبب الذي جعل صديقتي ترى غير ذلك؟
فحقيقة دائمًا ما أتجنب إبداء الرأي في الأمور الدينية والإفتاء خوفًا من الوقوع في أخطاء أحمل وزرها لاحقًا دون أن أدري، إلا أن فكرة خلع الحجاب منتشرة بكثرة في الآونة الأخيرة، وفي هذه المقالة أردت رؤية الأمر من عين فتاة تضع الحجابَ لها صوتٌ تريد الإدلاء به كما تعلو أصوات اللواتي يخلعن حجابهن. وليس غرضي الدعوة إلى ارتداء الحجاب أو خلعه، فالله أعلم وليس لبشر على بشر سلطان في القصاص أو الحساب.
واللافت أن الحجاب أصبح موضع اختلاف بين علماء المسلمين، فبعضهم جاء بفرضِ الحجاب على المرأة ولا ينحصر بكونه غطاءً للرأس فحسب، بل هو أسلوب حياةٍ تعيشه، وبعضهم اعتبره عادة اجتماعية لا شأن للدين بها، مما دفع صديقتي والكثيرات من اللواتي كُن متحجبات إلى خلعه، أغلبيتهن ممن تركن بلدانهن وسافرن إلى بقاعٍ أخرى، بدوافع عدّة كالبعد عن بطش وسيل الشتائم من المجتمع لهن عقب خلعهن الحجاب، أو بدعوة ضرورة تحرير المرأة من كل ما يحول دون التعبير عن حريتها، ودوافع أخرى.
وفي ظل هذا الاختلاف لا يمكن لأحد اعتبار خلع الحجاب خطيئة، وخروجًا عن الملّة وإطلاق الأحكام والصفات المشينة على من يخلعنه، وإن كان كذاك، فحين جاء جماعة يجرجرون فتاة بدعوى أنها زنت، وأنّ لابد من أن يقيم عليها الحد وترجم، ورد عليهم المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في مقولته الشهيرة (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر). فانصرف الجميع وأطلقوا سراحها، وهذا المطلوب بالطبع.
ولو نرجع إلى السبب الرئيسي، حينئذ نلقي اللوم على الأهل لإجبار بناتهم على تغطية الرأس دون تعليمهن الغاية منه ومنحهن الحق في ارتدائه عن قناعة تامة وحبًا في الدين الإسلامي، عندها يقع الخطأ الأكبر عليهم بلا منازع في الانجراف وراء عادات وتقاليد مجتمع خلط بين الدين والعرف الاجتماعي، حتى بات الحجاب كعادة اجتماعية في كثير من المجتمعات المحافظة، وقيدًا على أغلب الفتيات اللواتي ينتهزن الفرصة الأولى للعزوف عنه، مما يجعل الحجاب عادةً سلوكيةً مجردةً من أي قيمة دينية، وله مخافة من الناس أكثر من إله الناس.
مما لا شك فيه وبديهيًا بأن الشكل الخارجي جزءٌ من أية عقيدة أو بلد ما، فعندما أرى اللباس الساري أعرف أنه يرمز إلى الهند، والقلنسوة إلى اليهودية، والصليب إلى المسيحية، والحجاب يعد شكلًا من مظاهر المرأة المسلمة مثلًا. وكم يحتاج وقتنا الحالي إلى إبراز الصورة الحسنة عن الإسلام خاصة مع كثرة المتعصبين باسم الدين وما انتشر في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ما تسمى ظاهرة إسلاموفوبيا، فما الضير أن تبرز سماحة الإسلام التي احترمت جميع الأديان، وأعطت المرأة حقوقها كاملةً قبل صكوك حقوق الإنسان الدولية.
فالمرأة المسلمة قادرة لأن تظهر بأبهى زينة وأحلى هيئة لأجل أن تحقق إنجازات عظيمة وإصرارها على العطاء ونيل أسمى المناصب بحجابها، فلم يكن الدين يومًا عائقًا أمام الحرية، وما وضع الحجاب إلا سترٌ للرأس والجسد وليس للأفكار والحياة، وما كان استماعي لرأي صديقتي في خلع الحجاب إلا نوعًا من احترام الآراء، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أني أؤيد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست