من وافقك على أفكارك أصبح ذكيًا «فهمانًا»، ومن خلافك غدا جاهلًا لا يفقه شيء في هذه الحياة إنها إحدى أبرز مشاكل العقل العربي الذي يطلق صفة الذكاء الفهم على الشخص الذي يوافق أفكاره أو اتجاهاته السياسية أو معتقدته الدينية، بينما يطلق صفة الغباء – التخلف – على من يخالفه.
الاختلاف في الرأي هو سر الحضارة الغربية، بينما هو سبب تخلف العرب، الاختلاف عند الغرب يعني العمل والسهر والتعب والدراسة والاجتهاد وتفريغ كل الطاقة السلبية المتولدة من المنافسة مع الآخر في العمل، وليس في الحقد وتدبير المكائد والسعي لتدمير الآخر؛ مما يؤدي إلى تقدم المجتمع في حين الاختلاف عند العرب يعني تدمير وتحطيم وتبخيس إنجازات الآخر المنافس، بحيث يبقى رأيه وحيدًا دون منافس؛ مما يضطر الناس إلى الأخذ به لعدم وجود بديل عنه مما يؤدي إلى جمود في العقل لوجود رأي واحد لا يقبل المنافسة، وبالتالي عدم تقدم المجتمع.
ولولا دفع الله الناس بعضهم البعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على الناس.
إن سنة الاختلاف هي أمر إلهي، لكي تبقى المجتمعات تتطور وتزدهر، ولكي تقضي على العادات والتقاليد البالية التي قدسها الأجداد كثيرًا، فكانت السبب في موتهم، ولولا الاختلاف لبقيت هذه العادات إلى اليوم تحصد مزيدًا من الأرواح، وعلى سبيل المثال لا الحصر كان العرب قبل الإسلام قديمًا يؤدوا البنات مخافة من الذل والفقر والحظ العثر، فجاء الإسلام الذي كان مختلفًا كليًا مع هذه العادات البالية وقضى عليها مما ساهم في الحفاظ على الكثير من الحيوات التي ساهمت في تطور الحضارة.
الاختلاف في الآراء هو الابن الشرعي للديموقراطية لذلك يحاول المستبد تشويه صورة الاختلاف في الرأي من خلال شيطنته في الإعلام وجعل كل صاحب رأي مناقض عميل مندس يريد تدمير الأمة، وبالتالي يحافظ المستبد على سلطته وتبقى الشعوب تقاد حسب رأي الحاكم فقط دون أي معارضة.
إن الاختلاف هو فطرة ربانية فطر الله سبحانه وتعالى الناس بها، لكي تحدث المنافسة بينهم وبالتالي يتقدم المجتمع والحضارة والإنسانية جمعاء، فالماذا يصر الكثير من العرب على إقصاء كل مختلف في الرأي.
اختلافك بالرأي مع شخص ليس له علاقة بتحويل مشاعر الحب من قبلك تجاهه إلى كره لمجرد أنه لا يفكر بالطريقة نفسها التي تفكر بها، ولو كان كل اختلاف في الرأي يؤدي إلى تغير المشاعر وتوليد الحقد، بدلًا عن الحب تجاه من اختلفت معه في الرأي لما أحب أبدًا ابن والده لان طريقة رؤية كل منهما للأشياء تختلف تبعًا للثقافة والقيم والعمر.
عندما ترى مجتمع كامل يؤمن بأفكار محددة، ويحارب من أجلها باستماتة، دون أن يعلم أبعادها، وما هي سلبياتها وفوائدها، وينبذ كل الأفكار المخالفة لأفكاره على مبدأ الحفاظ على معتقدات وعادات الأجداد، فعلم أن هذ المجتمع سوف تكون معتقداته وأفكاره السبب في انقراضه.
لولا الاختلاف لما اتضح الغث من السمين، ولستمرت الخرافات تسيطر على عقول الناس، ولبقيت الكنيسة في العصور الوسطى في أوروبا تذكرة الدخول الوحيدة إلى الجنة، ولظل العرب إلى اليوم يعبدون الأصنام.
الاختلاف والدعوة إلى التجديد تكون في البداية سبب لآلم كثيرة عند المنقادين وراء أفكار محددة لفترات طويلة من الزمن، لكن من الأفضل المعاناة الآن، على أن يستمر الغرق في مستنقع العادات والتقاليد البالية العمر كله.
المعاناة في سبيل الخروج من مستنقع مليء بأفكار مضره أفضل من الاسترخاء في بحر الأفكار والعادات البالية.
الاختلاف الدافع الأول للتقدم والتطور كما هو أيضا السبب الرئيس للحروب والمشاكل والقطيعة فهو سلاح ذو حدين، ويمكن استخدامه في العمار أو الدمار، وذلك تبعًا للمستخدم.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست