عندما استلم حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا بزعامة أردوغان وضع أهدافه نصب عينيه، وبدأ العمل عليها واحدًا تلو الآخر، غير أن الغرب لن يسمح لدولة متقدمه قريبه من إسرائيل وتناهضها، كانت أهم المعوقات لينهض حزب العدالة بتركيا تكمن في العلاقات مع إسرائيل وحزب العمال الكردستاني.

وضع حزب العدالة والتنمية نظريه تدعى (صفر مشاكل)، واقتضى بذلك العمل بالعلاقات مع إسرائيل وعقد سلام مع حزب العمال الكردستاني.

بدأ حزب العدالة والنتمية عمل نهضة اقتصادية وصناعية مذهلة، وكان يعمل بصمت، وجعل من تركيا خلال سنوات من حكمه من دولة شبه فقيرة بالموارد إلى دولة رائدة عالميًا في الصناعة والسياحة، بل نقلها بقفزة نوعية من المركز 111 إلى المركز 16 عالميًا وأدخلها بين مجموعة العشرين الكبار. الرئيس التركي لم يكتف بكل هذا بل وعد شعب تركيا أنه عام 2023 سيجعل من تركيا تحتل المركز الأول عالميًا حيث في هذا التاريخ تنتهي الاتفاقية الجائرة التي عملها أتاتورك مع الغرب بعد سقوط الدولة العثمانية بأنه لا يحق لتركيا التنقيب عن ثرواتها إلا بعد 2023.

لم يخف الغرب من النهضة التي قام بها أردوغان بقدر ماخافوا من توجه هذا الحاكم الإسلامي، أسلمة أردوغان لتركيا كما قالوا جعل الغرب يراجع حساباته من جديد بشأن العلاقة مع تركيا، ففرضوا شروطًا جديدة على انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وبدأو بالتراجع عن بعض الاستثمارات التي يريدون القيام بها في تركيا.

قد تبدو الأمور هنا عادية، لكن الأمر الأخطر أن يستقل قرار تركيا عن الإدارة الأوروبية التي كانت تتبعها منذ نشأة الجمهوريه التركية، إلى ما قبل استلام حزب العدالة للحكم، فاستقلال قرار دولة تملك ثاني أقوى جيش في الناتو بعد أمريكا دق ناقوس الخطر لدول الحلف وأمريكا، وكان لزامًا أن تعود تركيا لحظيرة الطاعة مجددًا. حكومة أربكان التي كانت نشأ من تحتها حزب أردوغان، والتي نجح الغرب في إسقاطها قال حينها ذلك القائد (إن شاهدتم حربًا في العراق وسوريا فاعلموا أن الهدف هو تركيا).

أردوغان أخذ الأمر بجديه أكثر فأثناء حرب العراق منع الناتو من استخدام أنجرليك لقصف العراق، وبدأت تتوتر العلاقة نوعًا ما مع الناتو، فقد بدأت بعض هذه الدول تحيك المؤامرات على تركيا، وأقصد هنا (هولندا، ألمانيا، أمريكا)، هذه الدول هي التي صعدت وافتعلت الأزمات بشكل حقيقي لكي تضعف تركيا، وربما إسقاطها وإعادتها إلى ما قبل عام 2000.

هولندا والصراع التركي

مطار اسطنبول الثالث كان سببًا رئيسًا في تصاعد الصراع بين تركيا وهولندا، حيث لم تكن تتوقع هولندا أن تبني تركيا أكبر مطار في العالم وأين في الشطر الأوروبي، فهذا المطار سيسبب أزمه فعلية لمطار أمسترادام، لدرجة أن هولندا سحبت شركة لها كانت مساهمة في بناء هذا المطار.

احتضان هولندا لمعظم أعضاء تنظيم بي كاكا المسئول عن معظم التفجيرات التي ضربت تركيا، بل إن بعض أعضاء هذا التنظيم يحملون الجنسيه الهولندية وأعضاء في البرلمان الهولندي، ومسموح لهم إقامة المظاهرات المناهضه لتركيا تحت مبدأ (الحريات).

هذا المبدأ لم يدم كثيرًا حيث قرر أردوغان كشف قناع الحريات الذي يستخدمه الغرب فقرر تنظيم فعاليات تروج للدستور التركي الجديد في هولندا، منعت هولندا هذه الفعاليات، بل وصل بها الأمر أبعد من ذلك، حيث منعت طائرة لوزير الخارجية التركية من الهبوط في هولندا، ومنعت وزيرة المرأة من الدخول إلى مكان تجمعات الأتراك في هولندا.

نفس هولندا التي تروج لتنظيم الأكراد تحت مبدأ الحرية هي نفسها التي فرقت تجمعات تركية مؤيده للدستور التركي بالقوة، بل أطلقت الكلاب على التجمعات ورشتهم بالماء الحار، لكن مع كل هذا تظل هولندا أقل خطورة على تركيا مقارنة بألمانيا وأمريكا.

ميركل واللعب بالاقتصاد التركي

بعد فشل الانقلاب في تركيا تصاعد الخلاف كثيرًا بين تركيا وألمانيا، ويبدو أن ألمانيا قررت القيام بانقلاب اقتصادي خبيث على تركيا، ألمانيا هي الآن بمثابة القائد لدول الإتحاد واستقلال قرار تركيا عن سياسة الاتحاد أمر خطير بالنسبه لهم.

فشل الانقلاب في تركيا كان خيبة أمل كبيرة لالمانيا التي التي اختارت بأن تقوم بانقلاب اقتصادي على تركيا وإعادتها خمس عشرة سنة للوراء، فالقيام بهذه الخطة يجب أن تكون قبل الانتخابات الرئاسية التركية، من أجل هز ثقة الشعب بأردوغان، وبالتالي تمويل حمله لرئيس حزب المعارضة.

بعد فشل الانقلاب في تركيا انهار قطاع السياحة، فعرضت ألمانيا على تركيا ضخ سيوله وتوزيع قروض مالية كتحفيز وإعادة سواح ألمانيا، طلبت ألمانيا من تركيا أن توقع على شرط استثنائي لا يقيدها بشرط في حال أرادت سحب أصولها في تركيا، ومنها الصناديق السيادية الألمانية المقدرة بـ31صندوقًا والموجودة في السوق التركي،حيث بحسب الاتفاقية من حق هذه الصناديق سحب أصولها في أي وقت تشاء دون شروط.

المصيبة الكبرى أن عدد المستثمرين التابعين لألمانيا يشكلون أكثر من 20%من الاقتصاد التركي، وهؤلاء المستثمرون بدأوا بضخ سيولة ضخمة أنعشت الاقتصاد التركي. ألمانيا تنوي التخطيط لسحب كل أصولها وأموالها من الاقتصاد التركي دفعة واحدة نهاية 2018، وبالتالي إسقاط اقتصاد تركيا قبل الانتخابات والقضاء على شعبية أردوغان، وبالتالي تسليط الإعلام على ملفات الفساد للرئيس أردوغان التي تنوي تجهيزها كجزء مم المخطط.

نوايا المانيا خبيثه جدًا، وتكمن في إعادة السيطرة من جديد على تركيا، وما منع إقامة الفعاليات التركية للأتراك المؤيده للدستور، ومنع المسئولين الأتراك من لقاء الجالية التركية في ألمانيا، إلا من أجل استفزاز تركيا للقيام بردة فعل لتبرير الحرب الاقتصادية التي ستشنها عليها، وكعادته أردوغان فهو يحب أن يعامل كل الدول بالمثل، فقرر منع برلمانيين ألمان من دخول قاعدة أنجرليك لمقابلة الجنود الألمان الذين يعملون هناك. هنا جن جنون ألمانيا لدرجة أنها أرادت أن تحسب جنودها للأردن للعمل في القاعدة الأردنيه بدلًا عن أنجرليك.

ألمانيا دعمت مظاهرات ضد لتنظيم بي كاكا في ألمانيا ومنعت الرئيس التركي من لقاء الجالية التركية في اأمانيا أثناء ذهابه لقمة مجموعة دول العشرين الكبار، ألمانيا دعمت صحفًا وصحافيين لإثارة الفوضى في تركيا، وهذا ما كشفته المخابرات التركية، حينما ألقت على 13 شخصًا ألمانيًا دخلوا تركيا على أنهم صحافيون،لكنهم كانوا يمدون تنظيم بي كاكا بالدعم اللوجستي الذي تقدمه لهم ألمانيا، ألمانيا صعدت في خلافها بعد أن قبضت تركيا على جواسيسها، وطالبت بإطلاق سراحهم فورًا، وحذرت السياح الألمان من الذهاب لتركيا لاعتباره بلدًا غير آمن، ألمانيا صرحت أن تركيا وضعت 68 شركة ألمانيه تعمل في تركيا على قوائم الإرهاب، وهو ما نفته تركيا قائلة: إن الهدف من مثل هذه التصريحات الإضرار بالاقتصاد التركي، وأن تركيا لم تصنف أية شركه ألمانية على قوائم الإرهاب.

كل هذه الأحداث والخطط التي دعمتها ألمانيا هي من أجل جعل 2019 بدون أردوغان. طبعًا سيتعهد الاتحاد الأوروبي للأتراك بإدخالهم للاتحاد وتقوية اقتصادهم في حال انتخابهم للرئيس الجديد، والذي سيكون من صنيعة دول الاتحاد وخادمًا لمصالحهم عكس أردوغان الذي خذل السياسة الأوروبية.

لكن ماذا عن المخطط الأمريكي

المخطط الأمريكي هو عسكري بحت، فأمريكا بحكم كونها قوة عالمية لا تخشى أيًا كان، وكون خططها أحيانًا على المكشوف، الكل يعلم الدور الذي لعبته أمريكا في الانقلاب التركي، وعلاقتها بالضباط الانقلابيين، ومنها ما كشفته المخابرات التركية عن اتصالات للسفارة الأمريكية بأحد الضباط الانقلابيين، لكن أمريكا بررت فعلتها بقولها إنها أخبرته عن انتهاء تأشيرته لأمريكا.

المخطط الاول للانقلاب يعيش تحت حماية CIA، بل رفضت أمريكا تسليمه، بالرغم من الاتفاقيه التركية الأمريكية التي تقضي بتسليم المشتبه بهم في الإرهاب لدولة ما، دعم أمريكا لقيام دولة كرديه على حدود تركيا، والتي ستقسم الجنوب التي لتضمه لدولة الأكراد، سحب الباتريوت التي تتبع الناتو بأمر أمريكي تاركة تركيا تواجه الخطر لوحدها، بل التخلي عنها أثناء إسقاط طائرة روسيا، توجيه أمريكي بسحب المخزون النووي من قاعدة إنجرليك باعتبار تركيا بلد غير آمن،  محاولة إسقاط تركيا في الفوضى على غرار سوريا، ولكن ذكاء أردوغان أنقذه من الفخ الأمريكي.

الغرب وأمريكا يسعون جاهدين لتفتيت القوة التركية الصاعدة.. ويبدو أن خيارات تركيا محدودة

فلمواجهة المخطط التركي اتجه أردوغان نحو الشرق لبناء تحالفات اقتصادية وعسكرية قوية فقد قررت تركيا الانضمام إلى شنغهاي، بالإضافه إلى بناء تحالف عسكري قوي مع روسيا، وأيضًا الاتجاه نحو الهند والصين وباكستان، لكون أردوغان أدرك حجم المخطط الذي يعدونه لتركيا، ولا أستبعد أن تخرج الغرب تركيا من الناتو في حال فوز أردوغان بالرئاسة.

هذا الوضع يذكرني كيف حاكوا المؤامرات لإسقاط الدولة العثمانية، وها هم أنفسهم من يحيكون المؤامرات على أردوغان، لأنهم يرونه سيعيد أمجاد تركيا العثمانية إلى تركيا الجديدة (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد