وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى حكم مصر ولو شكليا لمدة عام كامل في أول ظاهرة إنتخابية شفافة في تاريخ مصر ﻻ يعني حب الناس للجماعة بقدر تعطش الشعب إلى من يحمل الفكره الإسلامية الوسطية والتي تحمل في طياتها العدل، والحرية، والتقدم والازدهار والانضباط وإعمار الحياة بكاملها.
وتجربة الإخوان في النقابات المهنية في مصر مؤشر قوي على إمكانية نجاحهم بقوة في إدارة الدولة لو توفر لهم مناخ العمل وحرية واتخاذ القرار ومساعدة أجهزة الدولة ومؤسساتها لهم، ولم يفشل الإخوان في إدارة الدولة بقدر تكاتف الجميع في إفشالهم وإسقاطهم.
تجمعت مصالح داخلية وقوى إقليمية ودولية ليس من مصلحتهم نجاح تلك التجربة لأن نجاحها يعني زوال عروش ظلم كثيرة في المنطقة وإقتراب زوال إسرائيل أيضًا، وسقوط الإخوان وفشلهم ﻻ يبرر لهم أن يحملوا سلاحًا من أجل إستعادة ملكهم في مصر لأنه ببساطة من أدبيات الإخوان في نظرتهم للحكم أن من ياتي للحكم فهو خادم للشعب، وليس متسلطًا عليه.
وإذا لم يحم الشعب من سيأتي به ليحكمه فلن يورط الإخوان أنفسهم في حمل سلاح وإصابة دماء لأنهم ببساطة جاءوا لصيانة الأعراض وحفظ الحقوق وحقن الدماء ورقي الوطن ونشر الرخاء.
لم ولن يكون الإخوان دعاة حمل سلاح من أجل تغيير واقع مصر إذا كانت المواجهة المسلحة داخل القطر الواحد، ولن يكون إستخدام السلاح من مصري في مواجهة مصري آخر، إن أبناء الوطن الواحد لايمكن أن تتلاقى وجوههم مع فوهات البنادق أو رصاصات السلاح، وإن مشروعية القتل وحمل السلاح في تلك الحالة لا تستند إلى شريعة أو شرعية، ولا يقرها دين أو عقيدة صحيحة وسليمة، وإن ما حدث في مصر من انقلاب عسكري وقتل أبرياء لا يكون مبررا في استخدام السلاح لاستعادة الشرعية الدستورية والسياسية.
لذلك كان هتاف مرشدها سلميتنا أقوي من الرصاص، وصدقت كلماته وأثبت التاريخ صحة منهجهم فاليوم يتساقط النظام الفاسد يوما بعد يوم ويوم أن يزول فسيزول غير مأسوفا عليه ولن يجد من يترحم عليه أو يبكي رحيله، وإن ما أنجزته السلمية المفترى عليها بعد مرور سبع سنوات مضت أثبتت صحة ونضوج المواقف الحكيمة التي منعت الاحتراب الأهلي ووقوع مصر في فخ عسكرة الثورة المصرية، والوصول إلى تقسيم مصر عبر تدخلات دولية.
إن تجربة حكم الإخوان وضعت الكل أمام حجمه الطبيعي وكشفت الخونة وأسقطت قناعات كثيرة مزيفة وكل يوم يمر تنكشف معه حقائق كثيرة، لن يكون حكم مصر غنيمة ضائعة حتي يحمل الإخوان السلاح لاستعادتها، حيث أن إستعادة الشرعية الدستورية والسياسية أصبح واجبًا على كل الشعب المصري وليس قاصرًا على فئة أو جماعة.
إلى المتعجلين من داخل صف الإخوان تعلموا الحكمة من قيادتكم، واعلموا أن الحماسة الزائدة لا تبني وطنًا ولا تعيد حكمًا ولا تقيم دولة، وإن استيعاب الظروف السياسية والمتغيرات الدولية والإقليمية من ضرورات العمل السياسي الحكيم الذي يجب أن نتعلمه جيدًا، وأن المستحيل اليوم سيكون ممكنًا غدًا.
وإلى الشامتين من خارج الصف الذين يجلدون الإخوان ليل نهار إنكم لم تتعلموا بعد ولم تعرفوا أين تضعون أقدامكم، وإن ضياع التجربة المصرية التي جاءت بالإخوان المسلمين لحكم مصر كانت بسبب عدم وجود خطاب جامع يلتقي عليه الجميع من أجل تقديم المصالح العليا للوطن في مقابل التخلي عن الطموحات الحزبية والمطامع الشخصية.
علي الجميع أن يراجع قناعاته فحكم مصر ليس بالغنيمة التي يتصارع عليها النخبة بقدر ما هو مسؤلية وأمانة تتطلب القوي الأمين، وأن من يتولى المسئولية لابد أن يكون منتخبًا من الشعب المصري عبر انتخابات نزيهة تعبر عن طموحات وآمال الشعب المصري في التغيير والانتقال السلمي المتدرج من الحكم الشمولي الاستبدادي العسكري إلى حكم مدني مصري منتخب. دعونا نتلاقى ونلتقي بدلًا عن الخلاف واﻻختلاف، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست