في أتون المعركة مع كوفيد-19، وتحديدًا منتصف العام الماضي، وقت أن انشغلت فيه دول العالم بتوفير الخدمات الطبية لمواطنيها، وبذلت الجهود الحثيثة لمنع انتشار الفيروس بين السكان، سارعت الحكومة في مصر، إلى إرسال طائرات حربية محملة بالمساعدات الطبية إلى الصين، والولايات المتحدة الأمريكية، صاحبتا أكبر اقتصادين عالميين، بخلاف إعلانها دعم نحو 30 دولة وإمدادهم بالمواد المطلوبة، للمساهمة في
كبح جماح الجائحة، التي لم تجد من يكبح جماحها في مصر.

شيء محمود أن تتضامن الحكومات الغنية «مثل الحكومة في مصر» مع تلك الفقيرة «مثل الولايات المتحدة والصين»، وتمد لها يد العون، ولكن الأجمل أن تكون تلك اليد ممدودة للمواطنين الذين عجزوا عن توفير الدواء والغذاء. كان الأسلم في تلك الأوقات العصيبة البعد عن الخطوات الاستعراضية، التي تهدف إلى إبراز دور الحاكم وكأنه منقذ الكوكب، والتركيز على الداخل ومحاولة القضاء على الأزمة.

ففي وقت تطير فيه المساعدات إلى أوروبا وأمريكا، كان هناك مرضى يموتون في مستشفى حكومي لم تتمكن إدارته من توفير الأكسجين، وفي الأثناء وفر أحد الزوار هاتفًا بكاميرا، «من ذلك النوع الذي يمر على الأشياء ويحولها لفيديو موثق لا يمكن إنكار ما فيه»، ورصد مأساة دارت أحداثها في مستشفى مدينة الحسينية في الشرقية، مطلع العام الجاري، ليسجل للعامة رحيل جميع المرضى في قسم الرعاية «خنقًا»، لعدم توافر أدوات التنفس اللازمة لمساعدتهم على البقاء أحياء. نفد أمر الله، اللهم لا اعتراض.

تحركت الجهات المعنية سريعًا، وأصدرت أمرًا تنفيذيًّا بتوفير الأكسجين ومحاسبة المسؤولين في المستشفى! لا لم يحدث ذلك. بل خرج مدير المستشفى ينفي الواقعة ويكذب كاميرا الهاتف الحديث سابق الذكر، ويدعي أن المصور إخوان، وعلى الفور تحركت قوات الأمن وقامت باعتقال الشاب أحمد ممدوح نافع، الذي سرب المقاطع المصورة، واتهمته السلطات بنشر أكاذيب وإثارة الرأي العام، ولولا ضغوط جماهيرية كبيرة، لما اضطرت السلطات إلى الافراج عنه في وقت لاحق.

في تلك الأثناء، خرج الأطباء والممارسون الصحيون، من كل حدب وصوب، يطالبون وزارة الصحة بتوفير المواد اللازمة للداخل أولًا – والفائض نهديه لا ضير – قوبلت دعواتهم بمطاردات أمنية، وتهم بإثارة الرأي العام، شجبتها نقابة الأطباء والمنظمات الدولة، ولكن حكومة الصوت الواحد تأبى أن تسمع حتى صداها. حرصت وزارة الصحة في خطابات روتينية، على تهدئة الجماهير، مؤكدة قدرتها على كبح جماح الجائحة، وسردت أرقامًا بصفة دورية تصف أعداد المصابين بالمطمئنة، وفي أرض الواقع كانت الحكاية لها تفاصيل أخرى.

عندما بدأت شركات الأدوية في الإعلان عن إنتاج لقاح كورونا المستجد، سارعت كبريات دول العالم بتكثيف إمكاناتها الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، للحصول على يكفي من تلك اللقاحات، لدرجة أن التنافس أصبح يشكل خطورة على بعض الدول، ومن أجل ذلك أعلنت منظمة الصحة، بالتشاور مع دول العالم، عن مبادرة كوفاكس، التي تضمن توزيعًا عادلًا من اللقاحات، للدول الفقيرة وذات الدخل المنخفض، هل تعتقد أن مصر من بينها؟ كيف وهي صاحبة اليد العليا وخيرها يعم على أوروبا وأمريكا، دعنا نكمل الحكاية.

تأتي الخطوة للحد من التفاوت الهائل في الحصول على اللقاحات بين الدول الغنية من ناحية، والدول متوسطة ومنخفضة الدخل من ناحية أخرى، وشملت المبادرة توزيع لقاحات على دول منها السودان وجيبوتي، وأفغانستان التي أصبحت ثالث دولة في إقليم شرق المتوسط تحصل على لقاحات كوفيد-19 عبر مرفق «كوفاكس» المنقذ.

ووسط كل تلك المناورات الدولية، لم تتعاقد مصر على ما يكفي من اللقاحات الموثوقة، ولم تبذل جهودًا تتناسب مع حجم الوباء الذي يهدد الملايين من الناس، وذلك ما دفع إلى وضعها ضمن قائمة المستفيدين من مبادرة «الضعفاء».

لم أكن أتخيل أن تحتاج مصر صاحبة المساعدات شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبًا، إلى تلك المبادرة، فنحن نشتري طائرات بمليارات الدولارات، وكذلك ندفع مقدمًا لاستلام القطع الحربية من دول الغرب، وبأموالنا نفعل ما نشاء، فلماذا ننتظر عطفًا عالميًّا فيما يخص لقاحات شعب أنهكه الوباء.

قرأت في وكالات الأنباء العالمية أن مصر استلمت نحو مليوني جرعة لقاح كورونا ضمن المبادرة، وعندما علمت مدى حجم الشحنة التي سُمحت لنا، أيقنت وقتها أن هناك ضرورة لتدخل رئاسي، أو تدخل من أي نوع يمكن من خلاله إصدار أوامر بعقد صفقات سريعة تضمن تلبية احتياجاتنا من اللقاح، بعيدًا عن أي مبادرة أو تنظيم معد خصيصًا للدول العاجزة عن عقد الصفقات وتوفير الأموال اللازمة، فنحن أمة طالما كانت غنية بشعبها ومواردها.

فكما أصابنا الفخر ونحن نشاهد عرض نقل المومياوات، الذي تكلف ملايين الدولارات، وخرج مشرفًا نباهي به العالم، أصابنا الخزي، ونحن ننتظر عطفًا دوليًّا أو مبادرة عالمية لتمنحنا لقاحًا ينقذنا من الوباء، لا أدرى كيف كانت مشاعر المسؤول في مصر عند استلام شحنة اللقاحات التي لا تكفي لحقن سكان شارع في حي من أحياء القاهرة الكبرى، وهل كان المسؤول يعلم بالمساعدات الاستعراضية التي صدرتها الحكومة من قبل لدول بعينها، وأهدرت حق الشعب في العلاج.

لست ضد مساعدة الآخرين، ولكن ها هي الصين تعافت من الجائحة سريعًا، وتسير الولايات المتحدة نحو الخروج من الأزمة، بعد تطعيم أكثر من ربع السكان، حتى إن بعض الولايات رفعت فرض الكمامات في دلالة على قرب انتهاء الكارثة، وسجلت المستشفيات في إيطاليا تناقصًا في أعداد المصابين، وفي مصر الأزمة مستمرة في التصاعد، والإصابات يكاد لا يخلو منها بيت، وأعداد الضحايا في ازدياد.

مطالبنا يجب أن تمثل صرخة في أذن المسؤولين، يجب أن يعي أن الشعب المصري أحق بالرعاية، وهو وحده مصدر الفخر، فها هي الصين تفتخر في كل يوم بأنها الدولة الأولى التي خرجت من الوباء بشكل سريع، فلم تتباه بحجم المساعدات التي وزعتها على الدول، كذلك لم تنتظر مبادرة دولية لتحصين شعبها، وحماية اقتصادها من الفيروس، أدعو الجيش المصري إلى التدخل وعقد صفقات مع شركات الأدوية العالمية لتوفير اللقاح، ومعاملة تلك الصفقات كصفقات الأسلحة التي توليها الوزارة أهمية قصوى، فذلك سيعيد لنا كرامتنا بعيدًا عن مبادرة قد تمنحنا أو تمنعنا.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد