ثورة مصر

بعد هدوء الموجة اللاثورية التي حرك بها محمد علي الشارع المصري، وبعد اختراقه جدار الصمت الذي خيم على المشهد السياسي في مصر، ووصول دعوته إلى فئات شعبية كسرت حاجز الصمت لديهم، وخرجوا لأول مرة، ولربما لم يخرجوا في يناير أيضًا، ولربما تحرك الصعيد لأول مرة أيضًا، والذي ظل بعيدًا عن المشهد السياسي طوال الفترة من يناير وحتى اليوم، تحرك البعض إلى الشارع واندفع الجميع وراء تلك التحركات بلا أي حسابات أو قراءات جيدة، نتج من ذلك الحراك استدعاء للاستعداء مرة أخرى، وعلت أصوات عنترية «سيبو لنا الطلعه دي» وأخرى «على الإخوان المسلمين أن يبقوا بعيدًا عن ذلك الحراك وألا يفسدوه بخروجهم» وأصوات أخرى «لا عسكر ولا إخوان».

وبدلًا من أن يكون هناك أصوات عاقلة تعمل على استدعاء قوة المجتمع المدني في مواجهة الغطرسة العسكرية من الجيش والشرطة، زادت تلك الموجة من الحراك اتساع الفرقة والشتات بين الجميع، ناهيك عن حجم الخسائر في زيادة أعداد المعتقلين، والبحث في الحراك عن الثوار الحقيقيين الذين قد يستطيعون تغيير المعادلة لصالح الشعب المصري.

كانت النتيجة العكسية تشديد القبضة الأمنية على المعتقلين داخل السجون، وحرمانهم من الزيارات والتريض، وتتبع الناشطين السياسيين، والقبض عليهم، والبحث عن الإخوان المسلمين بالذات، وألقي القبض على بعض منهم من بيوتهم بعيدًا عن حركة الشارع. شوهت قنوات إسطنبول الحراك أيضًا، وهللوا له كثيرًا واستبقوا في انفراداتهم المخبولة بناء على مصادرها المزيفة، حتى سادت حالة من الإحباط الشديد بعد تهاوي الآمال المرجوة من ذلك الحراك المصطنع.

لم تستوعب القوى السياسية والإعلامية الدرس جيدًا، ولم يتعاملوا معه بمهنية الإعلامي، ولا حنكة السياسي، استبقت حركة 6 أبريل الحراك ببيان مضاد للحراك، وإلقاء اللوم على الإخوان المسلمين بإضاعتهم الثورة، ورغبتهم في عدم النزول للشارع تحت أي مسمى، وكانت سقطة أخرى جديدة لهم، تزامن صمت الإخوان المسلمين وعدم التعليق على الأحداث مع ما فعله محمد بن زايد من إعلانه حربًا ضد الإخوان المسلمين من خلال حديثة مع إحدى الصحف الأمريكية، ليس من أدبيات الإخوان المسلمين التغيير الثوري.

وما كانت ثورة يناير إلا حراكًا اندفعت إليه الجماهير المصرية إلى الشارع، ولما كان الإخوان المسلمون جزءًا من نسيج الشعب المصري فقد خرجوا بعد ما تأكد لهم قوة الضغط الشعبي الذي يمكنه أن يصنع ثورة ويحميها، فكانوا في القلب من الميدان واستطاعوا تغيير مسار الأحداث لصالح الشعب المصري، حتى وصلوا بالثورة المصرية إلى صناديق الانتخابات ليكون الاختيار أيضًا للشعب المصري الذي صنع من الانقلاب على مبارك ثورة شعبية رائعة في كل تفاصيلها وأحداثها، في ثورة يناير احتمى الإخوان المسلمون بالشعب، وتترس الشعب بالإخوان المسلمين، لكن مع تطورات الأحداث في يناير انكشف الجميع، وانسحبوا تدريجيًّا حتى أبقوا المشهد السياسي وكأنه صراع بين العسكر والإخوان، قدموا ثورتهم وتنازلوا عنها للعسكر لمجرد اختيار الشعب المصري للإخوان المسلمين.

ورغم دعوة الإخوان المسلمين لكل الأطراف إلى التشاركية في الحكم لانتزاع مصر من يد العسكر، فإن دعوتهم قوبلت بالرفض من كل الأطياف السياسية، تدحرجت الثورة المصرية وعادت إلى أحضان العسكر من جديد، وكان انتقام العسكر عنيفًا من كل مكونات ثورة يناير، اعتقال، وإخفاء قسري، وقتل، واغتصاب، تحولت مصر إلى سجن كبير يعيش فيه الجميع بلا استثناء، وبعد صمت ست سنوات مضت، أتى حراك جديد لم يتعاط معه الإخوان المسلمون حتى يتبين ماهيته وأبعاده، تمخض الحراك في النهاية عن أطراف يتصارعون فيما بينهم، ويرغبون في إحداث حالة تتشابه مع ثورة يناير، لكن بحذر شديد ونزع الدسم منها، وإبعاد من يستطيع تغيير الحراك عن مساره، ويبقى الإخوان المسلمون بعيدًا عن ذلك الحراك المصطنع حتى لا تنكشف ظهورهم من جديد ويدفعون ثمنًا بلا مقابل.

ورغم أهمية الحراك على الأرض، فإن آثاره الإيجابية تظل رهينة بمدى توافق الجميع، ورغبتهم في توحيد أهدافهم، ونبذ خلافاتهم، لن يصنع الإخوان المسلمون ثورة، ولم يفعلوا قبل ذلك، ولن يستدعي الإخوان المسلمون القوة في المواجهة، ولن يستدعوا نموذج حماس في المقاومة، ولا نموذج النظام الخاص في الصراع، حماس تواجه عدوًّا ظاهرًا (إسرائيل)، والنظام الخاص كان من أجل مقاومة الإنجليز في مصر، مقاومة الانقلاب يلزمه توحد قوى الشعب المصري كله في مواجهة سلمية مبدعة وموجعة، يتشارك فيها الجميع تحت مظلة واحدة، يتوصل من خلالها الشعب المصري إلى صندوق الانتخابات؛ حتى يظل شعار الكلمة الأخيرة للشعب شعارًا حقيقيًّا، ستظل الأحداث باردة لتمسك الأطراف بقناعاتها وأطماعها.

تراجعات محمد علي، ودعوته للتظاهر من فوق أسطح المنازل، تشير إلى توافقات ما حدثت بين الفرقاء، حتى يحدث زلزال آخر من داخل المؤسسة العسكرية مكملًا لزلزال محمد علي، الذي أعاد المشهد السياسي من جديد في صدارة اهتمام الشعب المصري، ستبقى الأحداث بعيدة عن الاشتعال حتى ظهور توابع لزلزال محمد علي، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد