صوت مجلس النواب المغربي في يومه الخامس من الشهر الجاري على مشروع القانون التنظيمي رقم 04.21 المغير والمتمم للقانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، غير أن التصويت هذه المرة كان استثنائيًّا بالنظر لما سبقه من نقاشات وما أعقبه من تجاذبات حزبية وتبادل اتهامات، بين من اعتبره انتصارًا للديمقراطية التمثيلية وتعزيزًا للمشهد السياسي المغربي عبر تمكين الأحزاب الصغرى من الحصول هي الأخرى على مقاعد برلمانية، وبين من رأى فيه انقلابًا على الأسس الدستورية ومناورة تدليسية للسطو على أصوات الناخبين بغية رسم خريطة سياسية مطابقة لتوجه معين.

وقد شكلت المادة 84 من القانون المذكور أعلاه، مثار نقاش عميق أربك أوراق بعض الأحزاب السياسية، خاصة ما تعلق منها بطريقة احتساب القاسم الانتخابي وتوزيع المقاعد البرلمانية، حيث دأب العرف الانتخابي المغربي على احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد الأصوات الصحيحة، وليس على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية الذي نادت به عدة أحزاب سياسية، بما فيها تلك المشكلة للتحالف الحكومي، حيث تبنت هذا التعديل – أي احتساب القاسم على أساس عدد المسجلين – كل أحزاب المعارضة (حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية) والأغلبية (حزب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) خلال أشغال لجنة الداخلية بمجلس النواب، باستثناء حزب العدالة والتنمية القائد للائتلاف الحكومي، ليتم في آخر جلسة التصويت إقرار القانون التنظيمي بتعديلاته بتأييد 162 نائبًا مقابل رفض 104 نواب ينتمون جميعهم لفريق العدالة والتنمية، فيما امتنع نائب فيدرالية اليسار عن التصويت، وهو الأمر الذي استنكره نواب البيجيدي معتبرين إياه إساءة للديمقراطية وتمهيدًا للانقلاب على الإرادة الشعبية.

حزب العدالة والتنمية: تعديل بأجندة خفية

وقد استنفر تعديل القانون التنظيمي بإقرار احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية كافة هيئات البيجيدي وكوادره، واحتدم السجال بين الحزب ومعارضيه بل أصدقائه أيضًا في الحكومة داخل قبة البرلمان، ولم يقف الأمر عند حدود القبة البرلمانية بل تعداها ممتدًا لوسائط التواصل الاجتماعي التي شكلت هي الأخرى أرضية خصبة لتبادل الاتهامات وكيل الشتائم بين المؤيدين للحزب والمناهضين له.

واعتبر عدد من المتعاطفين مع حزب المصباح أن التعديل الأخير امتداد لبلوكاج 2016؛ إذ إن أغلب الأحزاب المؤيدة لتعديل مادة القاسم الانتخابي هي نفسها التي عرقلت تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2016، والتي اكتسحها حزب العدالة والتنمية في وقت كان فيه أغلب المراقبين والمتتبعين للشأن السياسي بالمغرب يتوقعون سقوط الحزب الذي كسر كل التوقعات بعد فرز النتائج متحصلًا على 125 مقعدًا من أصل 395، وفي هذا الإطار كان قد صرح مصطفى إبراهيمي، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب في حوار له مع موقع pjd.ma أن مقترح تعديل القاسم الانتخابي سابقة في تاريخ الديمقراطيات الانتخابية، مؤكدًا أنه لا توجد دولة في العالم تعتمد هذا النمط من توزيع المقاعد، مشيرًا إلى أن حزبه قدم العديد من التنازلات مقارنة بما تضمنته المذكرات التي تقدم بها في إطار المشاورات المتعلقة بالقانون التنظيمي، وجوابًا على سؤال حول خلفيات تشبث باقي الفرق البرلمانية بالتعديل قال إبراهيمي بوجود مكونات سياسية باتت مقتنعة بعدم قدرتها على هزيمة الحزب عبر برامجها الانتخابية، وهو ما حدا بها للبحث عن أساليب هجينة وعمليات حسابية ملتبسة للسطو على مقاعد الآخرين على حد قوله.

وفي الصدد نفسه سجل مؤيدون للبيجيدي أن الحزب ومنذ استلامه مقاليد السلطة التنفيذية بالمغرب إبان انتخابات 2011، قد تعرض لعدة مضايقات وحملات ممنهجة كما وصفوها، بدءًا بتلطيخ سمعة قياداته وأعضائه عبر الخوض في أعراضهم وجعل حياتهم الخاصة مادة إعلامية دسمة يبتغى من وراءها ضرب الحزب وتشويه صورته داخل المجتمع المغربي وليس انتهاء باستغلال آخر شهور الحكومة الحالية لتمرير قوانين وقرارات وتبني توجهات ضد عقيدة الحزب المترأس للحكومة، وهو ما يكشف حسب المتعاطفين عن نية مبيتة لهدم حصون الحزب بعد فشل ذلك عن طريق صناديق الاقتراع، وذهب آخرون إلى القول بأن التعديل الانتخابي الأخير التفاف مضمر على ظاهرة العزوف الانتخابي، حيث ستصبح أصوات المقاطعين والأموات ولأول مرة ذات قيمة لتحديد معالم الحكومة المقبلة من جهة، وتعبيدًا للطريق أمام ما يسمى «الأحزاب الإدارية» للوصول إلى السلطة من جهة أخرى، ويتساءل بعضهم: هل صار البيجيدي فزاعة لمنافسيه؟

وقد لوح الحزب الإسلامي بالدفع بعدم دستورية القانون أمام المحكمة الدستورية (المجلس الدستوري سابقًا)، باعتبارها الهيئة المختصة بالرقابة على دستورية القوانين بمقتضى منطوق المادة 133 من الدستور المغربي لسنة 2011، حيث تختص في التحقق من مخالفة القانون للمقتضيات الدستورية تمهيدًا لعدم إصداره إذا كان لم يصدر بعد، أو إلغاؤه أو الامتناع عن تطبيقه إذا كان قد جرى إصداره، غير أن إحالة هذا القانون التنظيمي على المحكمة الدستورية من شأنه أن يخلق صدامًا بين رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، باعتبار أن الجهات المختصة بالإحالة فيما يخص القوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية للبرلمان تنحصر في كل من رئيس الحكومة طبقا للفصل 132 من الدستور والمادة 21 من القانون التنظيمي رقم 0666.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، ورئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين بمقتضى الفصل نفسه من الدستور والمادة 22 من القانون التنظيمي المنظم لعمل المحكمة الدستورية.

أحزاب المعارضة: تقوية للتعددية وانتصار للديمقراطية

من جهته أكد حزب الأصالة والمعاصرة أكبر كتلة معارضة داخل قبة البرلمان المغربي أن تصويته لصالح تعويض احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد الأصوات الصحيحة بأعداد المسجلين جاء إيمانًا منه بضرورة رد الاعتبار للأحزاب الوطنية وتعزيز مشاركتها السياسية حسب ما صرح به الأمين العام للحزب عبد اللطيف وهبي لمجلة «تيل كيل عربي». ومن جانبه وجه النائب البرلماني عن الحزب نفسه  هشام المهاجري، انتقادًا حادًّا للبيجيدي خلال مداخلة له بمجلس النواب، معتبرًا أن الديمقراطية تقتضي الانصياع لمنطق الأغلبية التي صوتت لصالح التعديل، ومؤكدًا في الوقت ذاته أن المحكمة الدستورية وحدها المختصة بإقرار دستورية القانون من عدمه، وعقب المهاجري أن الصراع القائم ليس صراعًا حول القاسم الانتخابي الذي اعتبره مجرد عملية تقنية لتوزيع الأصوات بل إن الصراع الحقيقي – على حد قوله – هو صراع حول المناصب والمقاعد، وليس على مصالح المغاربة، كما اتهم المهاجري الفريق العدالي (نسبة للعدالة والتنمية) بخرق حالة الطوارئ دفاعًا عن مصالحه، في إشارة لما سمي «الإنزال الجماعي» الذي قام به البيجيدي خلال جلسة التصويت على القوانين الانتخابية.

ومن جهة أخرى، فقد أكد الأمين العام لحزب الاستقلال ثاني أكبر حزب معارض بالبرلمان في وقت سابق خلال حوار له مع قناة الغد، على ضرورة تغيير القاسم الانتخابي ضمانًا للتعددية وتقوية للتمثيلية حتى تتمكن الحكومة المقبلة – على حد تعبيره – من القيام بالإصلاحات الضرورية لإخراج البلاد من أزمتها الخانقة وخدمة المواطنين.

وقد أثار الحضور المكثف لبرلماني البيجيدي استنكار العديد من المتتبعين للشأن السياسي بالمغرب، والذين استغلوا الفضاء الفيسبوكي للتهجم على الحزب منتقدين تغيب نوابه عن جلسات مناقشة قضايا تهم المواطنين كمسألة الموازنة العامة على سبيل المثال، مقابل تسابقهم للحضور بعد إحساسهم بخطر فقدان كراسيهم البرلمانية حسب ما جاء في العديد من التدوينات، كما انتقد بعضهم حضور النائب أبو زيد جلسة التصويت على القوانين الانتخابية، وهو الذي كان قد جمد عضويته ردًّا على قبول حزبه تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإدريس الأزمي رئيس المجلس الوطني للحزب والذي كان هو الآخر قد أعلن في وقت سابق استقالته من رئاسة برلمان الحزب تزامنًا مع استقالة الوزير مصطفى الرميد من الحكومة والمتراجع عنها لاحقًا، وهو ما استغلته مناهضو البيجيدي لتأكيد أن الحزب الإسلامي أثبت مجددًا أن المناصب تعلو فوق المبادئ وفوق مصالح المواطنين، فيما رد آخرون بالقول إن نواب العدالة والتنمية لم يمارسوا سوى حقوقهم المضمونة بمقتضيات النص الدستوري والقوانين البرلمانية، متسائلين: ألم تخرق أحزاب وشخصيات معينة حالة الطوارئ في عز أزمة كورونا في تلميح للتجمع الاحتفالي الذي نظم أواخر السنة الماضية في الأقاليم الجنوبية، أم أن الأمر مباح ما لم يتعلق الأمر بالبيجيدي – يضيف هؤلاء -؟

القاسم الانتخابي من وجهة نظر أكاديمية

ومن زاوية أخرى اعتبر عبد الرحيم بوعيدة، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش – رئيس مجلس جهة واد نون سابقًا، والمطرود من حزب التجمع الوطني للأحرار بسبب مواقفه من طريقة تسيير الحزب – أن القاسم الانتخابي يميع ويبلقن المشهد الانتخابي على حد وصفه، مؤكدًا أن عملية إزاحة أحزاب معينة من المشهد السياسي لا تتم بالضبط الانتخابي والقانوني بل وفق قواعد اللعب الديمقراطي النظيف وبالبرامج الانتخابية، منتقدًا تهميش الأحزاب السياسية للنخب والأطر والطبقات المتوسطة، وشدد بوعيدة على أن المشهد السياسي القوي لا يبنى بالمال والبروباغندا واستعراض السلطة والمال بل بالخطابات السياسية الحقيقية، مسترسلًا أن حزب العدالة والتنمية يستمد قوته أساسًا من ضعف الأحزاب المنافسة له وتهميشها للنخب السياسية الحقيقية، وضبابية خطاباتها السياسية وحركات الترحال السياسي التي تعرفها، كما استغرب بوعيدة ازدواجية الخطابات السياسية بالقول إن الديمقراطية لم تذبح بالقاسم الانتخابي فقط بل ذبحت مرات عديدة بدء بالبلوكاج الحكومي، وليس انتهاء بقانون التعاقد مرورًا بتولي حزب لا يملك الأغلبية رئاسة البرلمان.

ومن جهته عقب المحلل السياسي وأستاذ القانون بكلية الحقوق بالمحمدية، عمر الشرقاوي، في تدوينة له عبر حسابه على موقع «فيسبوك» على الإنزال الجماعي لحزب العدالة والتنمية، منتقدًا الضجة التي أثارها البيجيدي حول مادة القاسم الانتخابي في مقابل صمته عن القانون التنظيمي الذي يخص الأحزاب السياسية، والذي تضمن مقتضيات تنص على الرفع من الدعم المالي المخصص للأحزاب السياسية والسماح لهذه الأخيرة بتأسيس شركات وتدبيرها قصد الرفع من مواردها المالية، ويتعلق الأمر هنا بالقانون التنظيمي رقم 07.21 المتعلق برفع الدعم المالي العمومي لفائدة الأحزاب السياسية، والذي تم تمريره في صمت مطبق من البيجيدي حسب ما ذهب إليه الشرقاوي.

وسط كل هذا القيل والقال، يرى ثلة من المتتبعين للشأن السياسي بالمغرب أن المشهد السياسي المغربي الحالي يعاني من اختلالات عديدة سواء على مستوى المنظومة القانونية أو المنظومة البشرية نفسها، مشيرين إلى أن ما تشهده الساحة السياسية اليوم من صدامات بين مختلف الفاعلين السياسيين والحزبيين سبب مباشر في تفشي ظاهرة العزوف الانتخابي خاصة في أوساط الشباب، والذين فقدوا ثقتهم في المؤسسات رغم أن الدستور المغربي حصن حقهم في المشاركة السياسية عبر إقرار آليات الديمقراطية التشاركية والتمثيلية، غير أن معظمهم ما زال يفضل الارتماء في أحضان أمواج البحار – سعيًا وراء الحلم الأوروبي – بدل العمل على بناء مغرب جديد وبتصور جديد عن طريق تجديد النخب السياسية وبث روح جديدة في المشهد السياسي المغربي والانخراط في العمل السياسي، ولما لا خلق أحزاب منافسة للقواعد الحزبية الكلاسيكية وتبني خطاب سياسي حديث يتماشى مع مقومات الدولة الحديثة، والتي طالما دعا إليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في العديد من خطاباته، في مقابل ذلك يرى بعض المراقبين أن ظاهرة العزوف هذه بدأت تتحول من نقمة إلى نعمة أنعم بها التعديل القانوني الأخير على بعض الأحزاب السياسية، ليبقى السؤال الذي يطرحه الكثير من المغاربة كالتالي: هل سيصبح التصويت بعد هذا التعديل مجرد استطلاع للرأي؟

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد