كتب كانط، أبو التنوير الأوروبي، في أطروحته عام 1781 معرفًا التنوير «التنوير هو التفكير بمعزل عن إملاءات سلطة خارجية»، وقبله كان ابن رشد أبو التنوير العالمي حيث رفض الخضوع للنقل وفضل العقلانية في الطرح والنقد. كلمة تنوير تعني إنارة العقل بالمفاهيم التي تجعله مدركًا للمشكلات التكنولوجية أو المفاهيم الفلسفية التي لا علاقة لها بالفلسفة الأكاديمية، بل بعلوم مختلفه تملك أثرت في حياتنا اليومية. على سبيل المثال، في العصر الحديث، يقود ستيفن بينكر التنوير في مجال التفكير الإحصائي المتعلق بالذكاء الاصطناعي. أما في عالمنا العربي، يقتصر التنوير على الملابس الداخلية، ومن ثم يتم تغطية الأفكار تحت مسميات جدلية حديثة مثل النسوية، والتي هي في معظمها، إن لم نقل كلها، مطالب إنسانيه وليست مقصورة على النساء.

نعيش في عصر المعلومات حيث ينتج العالم الكثير كل ثانية مقارنة بالماضي، قبل ألف عام كان الباحث يدرس جميع العلوم ويساهم في تنميتها، ولكن في عصرنا لا يفهم العالم البيولوجي حتى مجال البحث الخاص به بأكمله الذي قد يكون فيروسًا صغيرًا ويجرب على حيوان معين، وبين هذا وذاك ما زال مفكر الملابس الداخلية في الوطن العربي يتجادل مع طبيب في الطب وعالم الفقه في الدين، يضربون كل قواعد العلم التي تتطلب على الأقل معرفة الأساس. المشكلة أن الكون يستسيغ دائما الحكمة بشكل بطيء مقارنة بتدفق المعلومات، ولأن العربي يعاني من صراعات سياسية واجتماعية، لم ير أنه لا يعاني من نقص في الخبراء والنخب، ولكن بل إنه يعاني من وسائط تافهة تتمثل في قنوات إعلاميه لا هم لهم إلا النفخ في نكرة لا يمثل المجتمع من أجل بعض الجدل الذي سيزيد المشاهدين.

لطالما أذهل تنويرو الملابس الداخلية بجنة أوروبا، التي هي مرجعية الإنسانية بالنسبة له، وفرنسا التي يشيد بأناقتها, ترفعها وسموهم، فيما يخص الإنسانية قتلت 5.5 مليون جزائري. أما سموها فبعد سنوات من بكائها مع العالم بشأن الهولوكوست، قُتلت مليون ونصف مليون جزائري. أما في ما يخص الترفع، فيحدث اغتصاب بمعدل واحد كل ثانية، وحيث يتم التمييز بين الأشخاص في الأجور، وتمارس العنصرية في الطرقات. أما عند التدقيق في هؤلاء المفكرين بمراجعة مساراتهم جميعًا، فإنك تدرك أنهم مجرد أشخاص لم يعيشوا أبدًا في أوروبا، لكن جلد الذات نما فيهم عندما كرم الأوروبيون نفسه على شاشات التلفزيون وكان هو حبيس البؤس بين حيطان منزله, فأرادوا أن يتبنوا ثقافة أجنبية داخل ثقافتهم متناسين أن شخص يفقد من حريته فور دخوله لمجتمع.

الوصاية الفكرية لهؤلاء الناس على العالم العربي تتجلى عندما يظن أحدهم أنه يقاتل من أجل حقوق الشعب العربي، حاملًا لواء النضال في مجال الملابس الداخلية، وهو كل ما يتعلق بالانخراط في أمور ثقافية غير مستحبه لإحداث ضجة يقودها مؤثرون في وسائل التواصل الاجتماعي اقترب أجلهم ولم يقدموا أي شيء لهذا العالم دون إعادة طرح الأسئلة القديمة قدم الحديد في كوكب الأرض مع ادعاء الحداثه، وفي الواقع هم يعادون ثقافتهم لتلبية رغباتهم التي ربما بعضها فكرية أو جسدية تتمثل في تبني وفرض ثقافة الغير، كما يكتب قاماتهم في جدل لا علاقة له بالصواب والخطأ، بل ببناء أفكار مبنية على الاستنتاج المباح، وليس الاستنتاج الصحيح من منطلقه المجتمعي.

تستند التنمية إلى القدرة التنافسية، وليس من وجهة نظر شخصية تحتوي على مقارنات بين الناس، ولكن حول الأفكار والمشروعات. بينما يقود بينكر وقفة فكرية تشرح للعالم دور الإحصاء في بناء العالم الجديد، تدعم وسائل إعلامنا ودولنا من خلال استغلال سذاجة المشاهدين أو المال العام أشخاص لا فكر لهم بغير المكروه ولا إبداع لهم إلا في عدد التكرير. إن إظهار المفكرين العالميين في مجال التنوير، سيضع كل إمعة في مكانه ويقود العالم العربي نحو الأفضل، لأن قرين المفكرين الغربيين في عالمنا العربي سوف يبرزون وستصبح المناقشات حول الذكاء الاصطناعي والهجرة إلى المريخ أمرًا مهمًا يدفع المجتمع نحو بناء أمة أفضل.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد