حديث الرئيس الإريتري «أسياس أفورقي» عبر الفضائية الإريترية، ينتابه نوع من التضارب، في ظل الأحداث الحالية، التي تشهدها المنطقة، وخاصة الأدوار التي تود إريتريا أن تلعبها، خلال المراحل القادمة، وبخاصة التحركات التي تقوم بها الحكومة الإريترية، في منطقة القرن الأفريقي، ومنتقدًا العديد من الأدوار، التي تقوم بها الدول الأخرى.
وكان الحديث في بدايته ينتقد دور قناة «الجزيرة» في المنطقة؛ واصفًا إياها بأن لها أدوارًا خفية ضد إريتريا، وأن «الجزيرة» تعمل على نشر أخبار كاذبة في المنطقة عن إريتريا، وأن مكتب «الجزيرة» في «أديس أبابا»، خلفه شخص يعمل على جهود العمل الدعائي، ويهدف إلى نشر الأكاذيب في المنطقة، وأن هذا المكتب، ومن يقوم بتمويله، وتحريكه، والغرض الذي فتحت بسببه الجزيرة مكتبًا في «أديس أبابا»، وحسب خبراء مصريين؛ أن «الجزيرة» لها أهدافًا أخرى في المنطقة، وخاصة عقب نشر الأكاذيب هذا ما قاله «أسياس».
قال «أسياس»: «إن خبر معسكرات «ساوا»، وتواجد المصريين فيها، هذه أكاذيب، وتواجد الجيش المصري في إريتريا هي ادّعاءات، وإن التواجد المصري في «ساوا» ما المقصود به؟ وإلى أين يود المصريون الذهاب من «ساوا»؟ ولماذا يقولون «ساوا»، حيث إن حكومة «الوياني» وعملاءها تنشر أخبار كاذبة؛ بسبب القلق الذي تعيش فيه حكومة «الوياني».
هواجس الوياني
خلال حديث «أسياس»، الذي استمر حوالي ساعة وأربعين دقيقة، كان مصطلح «الوياني» يتكرر في كل سطر، أو فقرة؛ مما يوضح توجسه من النظام الإثيوبي، وأن أغلب الردود التي طرحها، تؤكد أن «أسياس» فعلًا ينوي القيام بأدوار في المنطقة، وهي بمثابة تأكيد للأخبار التي نُشرت في الوقت السابق لزيارته للقاهرة.
وكانت أحاديث الرئيس «أفورقي» تركز بصورة كبيرة عن ذكر اسم «الوياني»؛ وهو مصطلح يطلق على الجبهة الشعبية لتحرير »تقراي» «T.P.L.F» الائتلافي في الحزب الحاكم الإثيوبي، ولكن «أسياس» خلال حديثه يركز على النقاط التي تداولتها وسائل الإعلام خلال المراحل القادمة، وهي بصورة مباشرة تأكيدًا لحقيقة المعلومات، وردودًا لبعض التساؤلات، التي كانت تُطرح على الساحة.
وفي جزء من اللقاء قال «أسياس»: «وخلال العامين الماضيين، يعمل عملاء «الوياني» على ضغوط على الشعب الإريتري، ونشر أجندة داخل المنطقة، وهي التي لم تحقق الأهداف المرجوة منها، ولم ينجحوا في تدمير قوتنا، وفشلوا في ذلك، وفي الأخير تم ربط الموضوع بمصر، ودور مصر، وقالوا إن مصر موجودة في «ساوا»، وهذه الرسالة للسودان، وهنالك علاقة للوياني مع السودان، وهذا ليس وقته الآن».
ويقول «أسياس» في أحاديثه إن هناك بعض الأجندات لبعض الدول، والتي تحاول أن تعمل على زعزعة أمن المنطقة، وفيما يبدو أن «أسياس» هنا يحاول أن يلقي باللائمة على بعض الدول؛ أمثال «تركيا، وقطر» في ظل التكتلات التي ظهرت في المنطقة، وهو الذي ينتمي لفريق يعمل ضد تلك الدولتين.
اللهجة التي كانت واضحة في الحديث، وخاصة حول تركيزه حول الأوضاع في المنطقة، وإشادته بالدور المصري في المنطقة، ورفضه للأدوار التركية، واتهام تركيا بإقامة قاعدة عسكرية في منطقة البحر الأحمر في منطقة «سواكن».
وحاول الربط بين الأخبار الأخيرة، ونشرها على أنها محاولة لإثارة الشعب السوداني قال: «وإن الأخبار ما هي إلا محاولة لفتنة بين الشعبين الإريتري والسوداني، وإدخال السودان في حرب مع إريتريا، وما قام به السودان من استعراض في قفل الحدود، وإن هناك اتفاق بين السودان والوياني؛ لإدخال جيشه في «كسلا»، وعلى أن يتحمل السودان نفقات الجيش الإثيوبي في المنطقة».
وما بين أحاديثه عن العلاقة بين الجانبين، واتهامه للحكومة الإثيوبية السودانية، هنالك تخبط في حديث الرئيس «أسياس»، الذي مرة يشيد بالعلاقة مع السودان، وأحيانا يتهمها بعلاقاتها مع إثيوبيا.
واتهم «أسياس» في حديثه السودان، وبعض الجهات بالقيام بفبركة أخبار معينة، وأن قصة الجيش المصري هي قصة مفبركة، وخلفها العديد من الأهداف، مثل ما حدث في العراق، والتي كانت بعض الجهات تحاول ضرب العراق بإعلان العديد من الأكاذيب.
خلال الحديث قال: «وَضَحَ إن هنالك جهات ترفض علاقة مصر بإريتريا، ومتهمًا بأن الدول تتوجس من هذه العلاقة»، وحسب حديثه إن حكومة إثيوبيا تربط علاقة إريتريا بمصر بأهداف تضر بالآخرين.
وكان حديثه عن تواجد القوات المصرية في إريتريا قد أخذ حيزًا واسعًا من اللقاء، وهو يحاول أن يحلل الغرض من تواجد القوات المصرية، حسب النظرة المصرية والإريترية، ولماذا تربط الجهات هذه الأحداث بقضية إثيوبيا، والصراع في المنطقة؟ وقناة «الجزيرة»، وكل الأحاديث، التي تم تداولها كانت تحاول أن تقدم ردًا لوسائل الإعلام عن كل ما صُدِرَ خلال هذا الأسبوع من أحاديث؛ فتطرق للقوات السودانية، والإثيوبية في الشرق، ومروي، والطيران الإثيوبي؛ مما يؤكد أن له متابعة مكثفة عن ما قيل في كافة وسائل الإعلام، خلال الأيام الماضية، من أخبار عن التواجد المصري، والأحداث في المنطقة.
الحديث وقناة الجزيرة
كان مجمل اللقاء ردًا للاتهامات، التي كانت قد نُشرت عن إريتريا، من العديد من الجهات، وأهمها الهجوم الذي كاله على قناة «الجزيرة» الفضائية، واتهامه لها بصورة مكررة عدة مرات، بنشر المعلومات الكاذبة.
تكررت العديد من الاتهامات لقناة «الجزيرة»، والقائمين عليها في اللقاء، وكأن «الجزيرة» دولة، وليست وسيلة إعلامية؛ وهذا يوضح أن «أسياس» يعمل ألف حساب لهذه القناة، واتهام القائمين عليها، وخاصة مكتب «أديس أبابا» بعدد كبير من الاتهامات، وانتمائها لجهات تستهدف إريتريا والمنطقة.
وفي حديثة عن القناة يستند على بعض المصادر، من الخبراء المصريين، في تحليلهم على تواجد قناة الجزيرة في «أديس أبابا» في هذا الوقت، وربطه بملف الصراع، والخلاف في المنطقة، وتمويل الجزيرة بصورة خاصة في هذه المرحلة.
انتقاد الدستور الإثيوبي
انتقد «أسياس» المادة 39 من الدستور الإثيوبي التي تعطي كل القوميات الإثيوبية حق تقرير المصير وقال: «إن الهدف من هذه المادة هو تفتيت إثيوبيا من قِبَل الحزب الحاكم؛ من أجل أن يستمر في الحكم، ويوطد حكمه، عقب تشتيت إثيوبيا، ونشر الفوضى فيها».
وشدد عدة مرات على أن الحزب الحاكم في إثيوبيا له العديد من التخوفات؛ التي تجعله يعمل مع المخابرات السودانية، على زعزعة المنطقة، ونشر الأكاذيب في المنطقة.
وانتقد تدخلات إثيوبيا في الصومال، واصفًا بعض الدول بالتخوف من الصومال؛ باعتبارها دولة قوية في المنطقة، والدول التي وصفها أنها تتخوف من الوضع الصومالي مثل «كينيا، وإثيوبيا، وجيبوتي» واصفًا الصومال بالقوة العسكرية المتقدمة في المنطقة، وخاصة في السابق، وقال إن تراجع الصومال الآن بسبب تلك الدول، ومتهمًا تلك الدول، والتي تحاول محو الصومال من الخارطة، ووصفهم بالممولين لحركة الشباب الصومالي في المنطقة، وأن الشباب والعمل الإرهابي الذي تقوم به حركة الشباب؛ هو نشاط مشترك لبعض الممولين في المنطقة؛ الهدف هو تدمير الصومال حسب «أسياس أفورقي».
السودان وتركيا
انتقد «أفورقي» التواجد التركي في المنطقة؛ متهمًا تركيا بأن لها مآرب أخرى في المنطقة، وأن تواجدها في «سواكن»؛ لإقامة قواعد عسكرية في البحر الأحمر للسيطرة على مداخل البحر الأحمر، وهذه الآراء في مجملها هي آراء العديد من الدول.
صرح «أسياس» في حديثه أن للسودان الحرية في تكوين علاقة بتركيا، ولكن تركيا لها أهداف في التوسع في المنطقة، وقال لماذا تدخل تركيا في الصومال؟ هل يوجد أكراد في الصومال؟ لماذا تود تركيا الدخول في السودان وإثيوبيا؟ وما هي أهدفها؟ وهنالك العديد من التساؤلات التي تُطرح من الخبراء حسب «أسياس»، وقال إن تركيا تحاول أن تفرض الحكم التركي، مرة أخرى في المنطقة.
وانتقد الوجود التركي في السودان، واتهم تركيا بمحاولة نشر قواعد عسكرية في المنطقة، وخاصة «سواكن»، وقدم العديد من التساؤلات حول التواجد التركي في السودان، وقال يجب التعرف على أهداف تركيا في المنطقة، وأهمية الوجود التركي في السودان، و«سواكن» خاصة.
الوضع في إثيوبيا
بالرغم من مهاجمته لإثيوبيا عدة مرات، والوضع في البلاد، والنظام الإثيوبي، والحراك الإثيوبي في المنطقة، إلا أن التناقض في آخر اللقاء، عندما سُئل عن الأحداث في إثيوبيا، والاحتجاجات يرد قائلًا: «نحن لا شأن لنا بالوضع الآخر في إثيوبيا». تضارب في الآراء والأحاديث، ويعتبر نوعًا من التخبط ما بين الهجوم في الأول، والرد في الأخير بعدم اهتمامه بالشأن الإثيوبي.
في ظل تواتر الأحداث قدم «أسياس» اتهامات لكل الدول التي صوب مدفعه إليها؛ ليكون في مأمن من الهجوم، بالرغم من أن تلك الدول التي له علاقات ومصالح مشتركة معها، أكدت أهدافها وأدوارها في المنطقة بطريقة واضحة، وكيفية الدخول إلى المنطقة من قَبل حديثه هذا، بعدة أعوام.
يظل التوتر واضحًا في حديث الرئيس «أفورقي» أمس على فضائيته؛ والذي كان في مجمله كيلًا من الاتهامات في شئون ما تعنيه، وما لا تعنيه، ولكن أغلب الردود، لم تكن موفقة من الرئيس، الذي غالب رده المقتبس من الوضع الذي تسير فيه بلاده.
يظل «أفورقي» الرجل الذي لا اتجاه له في الخارطة السياسية في المنطقة، والآن خَلَفَ توقعات الخبراء عقب تضارب الآراء في موضوع التواجد المصري في إريتريا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست