«مخططات التوسع الصهيوني المسيحي في المنطقة، الجزء الثاني»
كما ذكرنا في الجزء الأول، أن مخططات التوسع الصهيونية المسيحية في المنطقة، يمكن ردعها من خلال الدعائم الأربع للمسلمين في مواجهة هذا التيار، ولقد تحدثنا في الجزء الأول عن أهمية القرآن الكريم وفضله في مواجهة الصهيونية المسيحية، والمحاولات العديدة لهذه الصهيونية في تشويه القرآن الكريم وسنة النبي ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ وكيفية مواجهة هذا التشويه؛ لمواجهة هذه المخططات. وكذلك دور الأزهر الشريف وعلماء الدين في وضع الحدود والضوابط لمواجهة هذه المخططات الواسعة؛ لإضعاف الرابطة الاسلامية، واختراقها، والتقليل من شأن الدين وتفكيك الأمة الاسلامية.
وفي هذا الجزء سنتناول صلاة الجمعة والحج باعتبارهما من أهم الدعائم ـ أيضا ـ التي تعمل على تقوية الرابطة الاسلامية، وتجمع المسلمين؛ لأنهما بمثابة اجتماعات دورية للمسلين على مستوى العالم.
صلاة الجمعة إحدى دعائم المسلمين
ومن أعظم أسرار صلاة الجمعة في جمع من المسلمين ظهور التساوي بينهم: غنيهم وفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم، قويهم وضعيفهم؛ فهو يوم عيد أسبوعي للمسلمين، يجتمعون فيه على الذكر والصلاة في الدنيا، ويوم كرامة ورفعة، ومزيد قدر لهم في الآخرة، وله ما يقرب من ثلاث وثلاثين خاصية، ذكرها العلماء في كتب الفقه والحديث، وثبت أن الأمم قبلنا أمروا به فضلوا عنه فهدانا الله إليه، فالناس لنا فيه تبع: لليهود السبت، وللنصارى الأحد.
ودليل خصوصية لنا خطاب الله ـ جل وعلا ـ بقوله تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9]. وترك البيع والشراء والسعي إلى ذكر الله دليل على ما في هذا اليوم من الخير للمسلمين. ذلك اليوم الذي ما طلعت الشمس على أفضل منه – فعسى أن نذكر الله فيذكرنا، وندعوه فيستجيب لنا ونتوب إليه فيتوب علينا.
تشويه الخطاب الديني يوم الجمعة أكثر ما يهدد الاسلام
خطباء الجمعة في مساجدنا لا يقومون بواجب إعداد خطبتهم، وإنهم يتناولون أبسط الأمور في ديننا الحنيف، إن معظم خطب الجمعة لم يعودوا يجذبون المصلين، رأيت في عدد من المساجد التي ترددت عليها أن كل من تمكن أن يجلس إلى جوار الحائط ليسند ظهره ويمدد رجليه، وكأنه ليس في مسجد للعبادة والتبتل، رأيت البعض من المصلين يغالبهم النعاس؛ لأن الخطيب لم يأت بموضوع يشدهم ويحثهم على التقوى، ويمس شئون حياتهم ومستقبل أولادهم من بعدهم.
دور الآباء في تربية أبنائهم على الصلاة والالتزام بصلاة الجمعة
إنّ أولادنا أمانة عندنا، وهبها الله تعالى لنا، وكم نتمنى جميعًا أن يكونوا صالحين، وأن يوفقهم الله في حياتهم الدينية والدنيوية.
وتوجيه الأبناء للصلاة من خلال
- تدرَّج في تعليم ولدك النوافل، بعد أن تعلمه الفرائض.
- اغرس في ولدك الشجاعة من أجل دعوة زملائه للصلاة.
- احرص أن يحضر أولادك صلاة العيدين والاستسقاء فيتعلق أمر الصلاة بقلوبهم، وردّد أمامهم أنك صليت صلاة الاستخارة وسجدت سجود الشكر.
- مكافأته على تحريه الدائم للحلال والحرام، وعلى التحلّي بالطاعات.
- مشاركته في ترديد أذكار اليوم والليلة ومتابعته فيها، وتعريفه بأن الصلاة والذكر من أهم أسباب حفظ الإنسان.
- تحبيبه في حفظ القران والأحاديث النبوية، ومتابعته في ذلك.
- استخدام كل الوسائل المباحة شرعًا لغرس الصلاة في نفوس أولادنا ومن ذلك:
- المسطرة المرسوم عليها كيفية الوضوء والصلاة، جداول الحصص التي تحث على الصلاة، أشرطة الكاسيت والفيديو، وبرامج الكمبيوتر التي تعلّم الوضوء والصلاة وغيرها.
- اهتم وأنت تعلم أولادك بالآتي:
ترديد الأذان مع المؤذن والدعاء بعده، دعاء الخروج من المنزل لأداء الصلوات، دعاء دخول المسجد والخروج منه، دعاء دخول الخلاء لقضاء الحاجة، وكذا الخروج، التسبيح بعد كل صلاة.
مؤتمر الحج السنوي للمسلمين أهم دعائم الاسلام
الحج هو الملتقى السياسي السنوي لمسلمي العالم؛ لحج مركز إسلامي جامع
ورد في القرآن في معرض الأمر بالحج: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [البقرة: 125] والمثابة مرادفة لكلمة المركز بمعناها الحديث، أي المكان الذي يجتمع فيه الناس، ويكون مرجعًا يرجعون إليه، وجامعًا يجمعهم ويصونهم من التشتت، فبيت الله هو المركز الإسلامي العالمي إلى يوم القيامة، وهو مقر الاجتماع العالمي السنوي لكل مسلمي العالم.
الحج مجلس شورى المسلمين
فالمسلمون يجتمعون في وقت واحد وموضع واحد على عمل واحد ويتصل بعضهم ببعض، فهذا الحج هو مؤتمر إسلامي سنوي ينعقد بدعوة إلهية، وتلتقي فيه وفود الأمم الإسلامية وممثلوها، في أطهر مكان بأصفى نفوس مؤيدين بمعونة الله؛ ليرسموا خطة تعاون المسلمين، ويقرروا ما يحقق آمالهم، ويعالج أمراضهم، ويوحد كلمتهم.
كيف يكون جمع المسلمين في الحج السنوي له أهدافه لنشر الاسلام
- ويمكن تحقيق ذلك من خلال أن الحج أقدم وسيلة إعلامية.
- محفل لإعلان المواقف السياسية.
- هزيمة نفسية للأعداء.
- جلاء التعتيم الإعلامي على المسلمين.
- إعلان لمحاربة العنف والإرهاب.
كيف توحد الأمة الاسلامية في جمع المسلمين في الحج السنوي
الوحدة بين أفراد الأمة الإسلامية من أهم مضامين الحج؛ وحدة في المشاعر، ووحدة في الشعائر، ووحدة في الهدف، ووحدة في القول والعمل؛ لا إقليمية، ولا عنصرية، ولا عصبية للون، أو جنس، أو طبقة بعينها؛ كما هو مرفوض في الإسلام: «إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى».
الحج أكبر تجمع يمثل الوحدة الإسلامية على مختلف شعوبها واختلاف لغاتها، وليكون المؤتمر السنوي للأمة الإسلامية؛ تلتقي فيه الأفئدة والقلوب، وتذوب فيه كافة أشكال النعرات العنصرية بين آحاد الأمة الإسلامية، ويتساوى فيه الناس جميعًا؛ فيذكرهم بيوم الحشر والنشر بين يدي الله تعالى، فيجددّون فيه العهد مع الله؛ تراهم هناك كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
فالحج هو التجمع العالمي الوحيد الذي يجسد معنى الوحدة والمساواة بين الناس، تجمع لا مثيل له. ويمثلها واقعًا يعيشونه بينهم، لا نظير له في كافة التجمعات البشرية والمؤتمرات العالمية بمختلف أشكالها وأنواعها وأهدافها. كيف لا يكون كذلك، وهو التجمع الوحيد الذي هدفه الأول عبادة الله حقًّا، وأداء المناسك والشعائر التي تعبر عن تقوى المؤمن لله تعالى، وشهود المنفعة الدنيوية للأمة؟
يوم عرفة وفضله في توحيد الأمة الاسلامية
إنه يوم وحدة الأمة الإسلامية، ووحدة المسلمين منهج رباني، وهدي نبوي، جاء به الإسلام، وأرساه قيمًا، وسلوكًا، وعملًا، وعبادة في كافة نواحي الحياة؛ فما من عبادة، أو خلق إسلامي، أو أمر دنيوي، إلا وتجد فيه الدعوة إلى الوحدة، والتوحيد، وتجسيد روح الترابط، والمساواة بين الأمة.
في يوم عرفة يتجسّد هذا المعنى بوضوح: يقف ملايين المسلمين صفوفًا متراصة موحدة في النية والدعاء واللباس على صعيد عرفة لإحياء مراسم الوقوف في يوم الحج الأكبر ملبين لله معلنين العبودية والطاعة له وحده، والبراءة من كل مشرك، والرفض لأي ظلم أو استكبار عالمي ضد الأمة الإسلامية والمسلمين كافة، إنه بحق يوم وحدة وقوة المسلمين.
فالحج أكبر تظاهرة إسلامية تختزن من خلال أبعادها التعبّدية بعدًا سياسيًا يعلن موقفه من المستجدات السياسية على الساحة السياسية الإسلامية. وينطلق هذا البعد لفريضة الحج من مفاهيم الوحدة الإسلامية؛ إذ يحوّل الطواف بالبيت الحرام إلى طواف بمنهج الإسلام والحفاظ على وحدة المسلمين، ويتحول رجم الشيطان إلى رجم السياسات الاستعمارية التي تريد السيطرة على مقدرات الأمة وشعوبها.
في تلك البقاع الطاهرة التي تهوي إليها النفوس، وتتهافت إليها القلوب، وتسير إليها الركبان فرادى وجماعات يأتون من كل فج عميق؛ استجابة لنداء الملك العلام: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ* ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾[الحج: 27-29]. ليتنعموا بلحظات التجلي العظيم لله على عباده، ويعيشوا أيامًا مباركات؛ قيامًا وسجودًا، تهليلًا وتكبيرًا، ذكرًا وتلبيةً: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك»، رافعين بذلك شعار العبودية الخالصة لله تعالى، مجسدين معاني الوحدة والأخوة الإيمانية بينهم، التي لا تكاد توجد في أي تجمع من تجمعات الكتل البشرية في هذه الأرض.
فلا رفث يسمع منهم، ولا فسوق عندهم، ولا جدال يقع بينهم؛ الكل هناك سواسية كأسنان المشط؛ لا رئيس ولا مرؤوس، ولا مالك ولا مملوك، لا غني ولا فقير؛ كلهم عباد الله إخوانًا، تجمعهم لغة التوحيد، يعملون عمل رجل واحد، في وقت واحد، وكأنك عندما تتحسس مشاعرهم وتقرأ في وجوههم معاني الإيمان الحقيقي تقسم أنهم في دنيا أخرى غير دنيانا الفانية.
تعيش الأمة الإسلامية النفحات الوحدوية في تلك الأيام المباركة أيام «الحج»، التي فرضها الله لعباده في أشهر معلومات، وزمن معلوم، ومكان محدود هو صعيد «عرفات» الطاهر.
آليات مواجهة اختراق الصهيونية المسيحية جمع المسلمين في الحج السنوي
وذلك من خلال أن هذه السبل التي سنذکرها هي من أهمِّ سبل المسلمين للوصول إلی الوحدة المنشودة، فإذا عمل بها المسلمون في طوال السنة، وتمسَّک بها ضيوف الرحمن في موسم الحج، فلا شک أنَّه تتحقق الأمَّة الواحدة التي أرادها الله أن تکون خير الأمم، وهي:
أولاًً)- القرآن الكريم أساس الوحدة
القرآن العزيز، هو كلام الله العظيم والمنزل على نبيه الكريم ومعجزته الخالدة إلى قيام يوم الدين، وهو الثقل الأكبر والحبل الإلهي الممدود من السماء إلى الأرض الذي ينجو من تمسك به، ويضل ويهلك من يزيغ عنه، وليس من الغريب أن يكون من أهم مصادر الوحدة الإسلامية ومعالمها؛ إذ إنَّه:
1- كتاب المسلمين جميعهم، وقد أُمروا بالتمسک به.
2- لقد دعا هذا الکتاب جميع المسلمين إلی الوحدة، وعدم التنازع والاختلاف في قوله تعالی: «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا..ْ».
3- لم يخاطب هذا الکتاب، مسلمًا دون مسلم، بل خاطب المسلمين جميعًا.
ثانياً)- شخصية الرسول الأكرم محور الوحدة
إن رسول الإسلام وخاتم النبيين ـ صلى الله عليه وسلم ـ شخصية تجمع المسلمين بكافة انتماءاتهم وأعراقهم، فهو رسولهم جميعًا، وكلهم متفقون على أنه القائد الأول والإنسان الإلهي الأكمل، الذي قدّمه الله قدوة للبشرية، «لّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِر وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً».
وإنَّه لمن دواعي السرور والفرح أن يتجدد لقاء علماء المسلمين، بمختلف مذاهبهم ومشاربهم، في هذه الذكرى العطرة في كل عام من شهر ربيع الأول، کما يتجدد في کلِّ سنة قرب موسم الحج، وفي الموسم، لتداول قضايا الإسلام الكبرى، وما يهمُّ المسلمين في قضاياهم الدينية والثقافية.
ثالثًا)- الحج موسم وحدة المسلمين
إن الحج يعلن وحدة خط الأنبياء عبر التاريخ حول مسألتي العبودية لله، واجتناب الطاغوت، وذلك بشتى الأساليب التي تتناسق فيما بينها لتؤكد هذا المضمون الوحدوي العظيم.
وقد تابعت الثورة الإسلامية هذا الخط وأکَّدت على لزوم إعادة الدور الحقيقي للشعائر الإسلامية، كصلاة الجمعة، والحج، باعتبارهما من أكبر المجالات المحققة للإحساس بضرورة الوحدة في هذه الأمة .
وبالتدريج اتخذ مؤتمر الحج العظيم شكله الحقيقي وصارت سيرة البراءة تقام سنوياً بمشاركة عشرات الآلاف من الحجاج الإيرانيين والمسلمين الثوريين من البلدان الأخرى، يردّدون خلالها شعارات تطالب بإعلان البراءة من الاستکبار العالمي، خصوصًا أمريکا وإسرائيل؛ باعتبارهما من أهم المصاديق البارزة للشرك والكفر العالمي، وتدعو المسلمين إلى الاتحاد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست