لاحظت أننا نحب أن نختار الخير الذي نريد أن نفعله، أو نساهم فيه، نريد الخير الذي يريحنا، والذي يرضينا ويعجبنا، ببساطة نريد أن نساعد الناس بالطريقة التي تناسبنا نحن، لا بالطريقة التي يحتاجونها.
صحيح أن فاعل الخير كباقي أشباهه من بني الإنسان، ليس منزهًا من الأخطاء، فهو له رصيده من الضعف والزلات، يخطئ هنا ويصيب هناك، يذنب ثم يستغفر، ثم يذنب، ثم يستغفر وهكذا دواليك، لكن أنا مشكلتي ليست في هذا الجانب أصلًا، مشكلتي مع جانب التخصيص في الخير في جوانب، وضربها ومقتها في جوانب ثانية، والحكم على نية فاعل الخير.
في البداية الخير كما هو متعارف عليه، كل ما يصدر عن الإنسان من أفعال حسنة، وأقوال طيبة للمحيطين به؛ من أجل منفعتهم ومساعدتهم، وكسب محبة الناس وتقديرهم، والأجر والثواب من الله – سبحانه وتعالى- على عمل الخير.
الخير، هذه الصفة الفريدة المميزة، تشمل جميع جوانب الحياة بنكهة أخرى عن جميع الصفات الثانية، إلا أننا نخاف في صفة الخير جانبًا مرعبًا، لطالما كان له الدور الكبير في تثبيط وترك الكثير من الناس للخير، بحكم الراحة النفسية، أو كمان يقولون بالعامية «نخلص من وجعة الراس»، في عدة جوانب كان لا بد من وجوده فيها.
هذا الجانب الذي يلتبس على الكثيرين منا، جانب الحكم على نيات من يفعلون الخير والطعن.
الخير دائمًا ما نجده مختبئًا، لا يحب الظهور لتكتمل قدسيته، ويكون خالصا لله وحده، صحيح أن الأصل فيه الستر، لكن لا يجب أن ننسى أن هنالك من يتفاخر بالمعاصي ويحسب نفسه على حق، في هذه الحالة فعل الخير علنًا محمود، ليس من أجل إظهار نبلنا، بل من أجل نشر السلوك الخير القويم، فربما ذاك الذي كان يجاهر بالمعصية يومًا انضم إلى صفنا.
لو كانت نظرتنا إلى جانب الإسلام في الخير فهو حث على الالتفات إلى احتياجات الآخرين دون منفعة دنيوية مرجوة، فمن يعمل الخير ويقصد به وجه الله لا يهمه الشخص الذي يقدم له المساعدة، ويتجاوز مشاعره تجاهه.
أهل الخير موجودون بيننا، لكن الكثير منهم يائسون! طمئنهم يا صديقي! أخبرهم عن قداسة أفعالهم في الأرض، وصداها في السماء، واطلب منهم أن لا يتوقفوا، حتى وإن لم يجدوا لمعروفهم أثرًا بعد. أخبرهم يا صديقي أن البِرَّ دين، وأن أفعال الخير لها عند الله حرمة، يحفظُها ولا ينساها.
أخبرهم يا صديقي عن طول المسير، وانقطاع العلامات، وغياب الأعوان وكثرة الخبث، وازدراء الناس، وأن صاحب المعروف والخير ليس أبله أو ضعيفًا، وإن وُصف بذلك، أو قوبل عملُه بغير ما استحق. وأخبرهم كما أخبرتني أن صاحب المعروف كغيره يُصاب فيقع، لكنه إن وقع وُجد بعد وقعته واقفًا، كرامةً لمعروف صنعه.
ذكّرهم يا صديقي بأن حوائج الناس إليهم، إنما هي من نعم الله عليهم، وأنّ الخير يُهدى إلى السماء وحدها، فمقاييس الجزاء في السماء عن تلك التي في الأرض مختلفة، إنها أعدل وأحكم!
جُل اهتمامي ألا يذهب تعبك وجهدك ومالك في فعل الخير هباء منثورًا!
«وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا».
فلنتأمّل!
اللهم إني أعوذ بك من مظهر يدل على تقواك مع قلب لاهٍ عن ذكراك. اللهم استخدمنا ولا تستبدلنا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست