لم تكن السترة المقلوبة المثيرة للسخرية في صورة الاتفاق الحكومي سوى علامة على أن كل شيء كان مقلوبًا ومعكوسًا منذ البداية، بدء من انتخابات لا تمثل نتائجها كل المغاربة الذين عزف أغلبهم عن المشاركة والتصويت إيمانًا منهم بأنها لا تغير شيئًا، ثم مرورًا بقصة الشهور الطويلة دون حكومة، وانتهاء بمشهد الاتفاق الذي قلب كل الوعود والصراعات السابقة، وانتصر طرف لا يملك حتى عدد مقاعد يشكل به فريقًا برلمانيًا مكتملًا.
الندم الذي أبداه الكثيرون ممن شاركوا في انتخابات أكتوبر بعد أن طعنتهم صدمة أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي بسترته المقلوبة الذي دخل فاتحًا منتصرًا للفريق الحكومي؛ مما يعني أن المصوتين شاركوا في مسرحية عبثية لا تقدم ولا تؤخر و ا تعطي قيمة لصوت أحد. انتخابات تصرف فيها أموال طائلة ليقاطعها أغلب المغاربة ويفوز فيها صاحب أقل عدد من الأصوات، ويفرض شروطه بكل أريحية. منطق مقلوب ومسار معكوس يستحيل أن يفهمه عتاة الخبراء في علم ما يسمى بالديمقراطية.
هذا المشهد المسرحي العبثي الذي انتهت به قصة الحكومة المغربية لا يمكن إلا أن يثير سخرية الأجانب على الديمقراطية المغربية ويقتل الأمل في أن يكون يومًا للمغربي قناة توصل صوته، وطريق توصل مطالبه لمن يهمه الأمر.
يمكن للمغربي أن يصرخ ويبكي على صفحات التواصل الاجتماعي، وقد يجد فيها من يتلقف صوته ويحن لحزنه هناك في الوجود الافتراضي، فكم من قضية مرت من فيسبوك ولم تمر من برلمان أو حكومة! في المقابل من سيعطي بعد اليوم صوتًا في أي انتخاب، والكل صار يعرف الحقيقة بلا زيف أو خداع! من سيؤمن بعد اليوم بمؤسسات لا يد له فيها إلا متفرجًا ومطبلًا إن اقتضى الأمر!
سياق الربيع العربي الجارف الذي مكن للأحزاب الإسلامية في المغرب من الصعود لم يعد موجودًا على الأقل مؤقتًا، فضلًا عن أن التقطيع الانتخابي يستحيل من خلاله أن يفوز حزب بالأغلبية المريحة التي يستغني بها عن التحالفات، وهذا ما عطل تشكيل الحكومة لشهور طويلة لم يحس المواطن المغربي خلالها بوجودها من عدمه، و هي حقيقة تأتي من الوثيقة الدستورية نفسها، فهامش الحركة والمناورة ضيق و الصلاحيات محدودة، بل شبه منعدمة؛ مما يجعل الحكومة جهازًا منفذًا،ـ وأفراده لا يخططون أو يقررون، بل مجرد منفذين ومنزلين للبرامج والسياسات التي تأتي طبعًا من الحكومة الحقيقية.
آن الأوان للأحزاب المغربية ذات المرجعية الإسلامية خصوصًا أن تعرف أصول اللعبة الديمقراطية في المغرب، فهي لعبة حقيقية ومن يتحكم فيها في الكواليس هو من يحدد قوانينها والمنتصر فيها حسب الظرفية والسياق والمتقلبات الدولية ومن يراهن على عدد الأصوات والشعبية فقد أدرك من خلال الإخراج الحكومي الأخير أن لا داعي لتصدير الأوهام للأقلية من المغاربة الذين يكبدون أنفسهم عناء التصويت، أما غالبية المغاربة وبالأرقام والإحصاءات فقد أجمعوا على مقاطعة الانتخابات التي أصبحت مسرحية مكشوفة تضيع الكثير من أموال دافعي الضرائب لتعطي نتائج مرقعة مبلقنة ينتصر فيها الخاسر ويخسر فيها المنتصر وتشكل الحكومة من تحالف أحزاب لا تجمعها أية رابطة إيديولوجية أو برنامج إصلاحي بقدر ما يجمعها تقاسم الغنائم والمناصب على حساب المطالب الشعبية.
المنطق الديمقراطي مقلوب في هذا البلد، ولعل صورة السترة المقلوبة ستوقظ الحالمين بالديمقراطية من سباتهم، فكل شيء يسير معكوسًا، والطريق لم تزل طويلة، والنفق المغربي لا باب له في الأفق القريب.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست