منذ تاريخ 5 يونيو 2017 إلى تاريخ 5 يناير 2021 ثمة قصة حصار بين دول الجوار الخليجية قد حصلت، وبالطبع ترتب عليها آثار على كافة الأصعدة لا سيما الاجتماعية والتجارية والعلاقات السياسية والدبلوماسية أمر مفروغ منه وهو الأساس.
منذ أن أعلنت الدول الأربعة المتمثلة بالسعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر قطع العلاقات مع قطر وتلتهم بعض الدول في اليوم التالي مثل الأردن التي خفضت التمثيل الدبلوماسي مع قطر.. ابتدأت معاناة الشعوب المعنية بالأمر، كيف لا وقد تربطهم وشائج اجتماعية ونسب وبعضهم اتخذ من تلك الدولة أو غيرها مقرًا له، وأقاربه وذويه يسكنون في تلك البقعة غير البعيدة عنه، إذ لا تفصل بينهم إلا الحدود!
كانت تلك الأزمة تنضح بالخسارة لكافة الأطراف والربح لبقية الأطراف «الخصوم» على سبيل المثال إيران التي كانت المستفيدة الأولى من دخول الطائرات القطرية حيّز أجوائها، ثم ألم تكن إحدى أسباب الحصار هي اتهام قطر بعلاقتها مع إيران! تعطلت مصالحهم، وتقطعت الصِلات بينهم! ومن ثم ألقت بظلالها حتى على تأدية فريضتي الحج والعمرة لأهلنا في قطر.
هذه الأزمة المؤلمة مسّت أخلاق البشر، وأظهرت لنا ما كان يبطنه من يتسربل رداء الفضيلة وحُسن الخُلق بحجة الدفاع عن الوطن! تم التطاول على الأعراض وقلّ الحياء وانتشر سوء الأدب أمام مرأى العالم في المحطات الفضائية وفي مواقع التواصل الاجتماعي، رغم أنه مهما بلغ الخلاف بين الدول -وهذا وارد دائمًا- لا ينبغي أن يصل إلى العِرض والقذف، بإمكانك أن تدافع عن وطنك سواء كان حاكمك على حق أو خطأ ولكن بخُلق رفيع، تلك الجروح كيف السبيل لأن تبرأ وتُصبح طي النسيان، كما صارت الآن الأزمة الخليجية بعد قمة العلا وتمت المصالحة وعادت الأمور إلى نصابها.
نعم، الدول تحركها المصالح فلا تنسى أيها الإنسان أن لك سمعة إن خدشتها سقطت فلا يمكن لك استعادتها بمجرد الصلح وفتح الحدود وعناق الحُكام. لا شك بأن هذه المصالحة سارة أياّ تكن أسبابها وابعادها، وجيد أن تربط بين دول منطقة الخليج مصالح على غرار الاتحاد الأوروبي ونأمل أن يُفعّل ما تم مناقشته من ربط الدول بسكة حديد، وتوحيد العملة، وغير ذلك.
والأجمل أن يكون لشعوب هذه الدول صوت يُسمع ورأي يؤخذ به، وحقوق تعطى وحريات تحفظ ولا تُمس. فنحن جميعنا لنا آمال وطموحات وأشواق في التعبير عن آرائنا بحرية دون تأثر بأي توجه كان. تلك الأزمة الخليجية أودت بالعديد من الصالحين السجون أمثال الدكتور سلمان العودة على إثر دعوة بتأليف القلوب ثم تلتها أحكام لا تليق. ومغردون آخرون يقبعون خلف القضبان، لذا من المفترض أن يتم الإفراج عنهم. ومحمد العتيبي الذي سلمته قطر للسعودية وقد كان ينوي السفر إلى النرويج قبل اندلاع الأزمة الخليجية، بموجب الاتفاقية الأمنية التي تخنق الأحرار.
يجب أن يدرك كل حاكم أن المواطن يكون مطيعًا لحاكمه عندما تكفل حريته، ويشعر بالأمان عندما يبدي رأيه بلا وجل، ويكون ثمة عقد اجتماعي يحفظ حقوق وواجبات الحاكم والمحكوم، وإلا فإن الطاعة لن تدوم بفعل القمع الذي قد يعقبه تمرد! المواطن جزء أصيل وحجر أساس في البلاد ولا يمكن عزله وتغييبه عن اتخاذ القرار الذي يمسه بالدرجة الأولى. لسان حال كل فرد منا يقول أشركني في أمري، فلا يعقل إبان الحصار أن يمنع الإنسان من التعاطف وإلا سيعاقب.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست