هل البطل المنقذ هو من يغير مجرى التاريخ ويعيد تشكيل العالم المحيط به، أم أن مجرى التاريخ الطبيعي والظروف المحيطة تؤدي إلى ظهور البطل المنقذ كنتيجة طبيبعة لها؟!

إشكالية تبدو بسيطة لكنها ليست بتلك السهولة التي تبدو عليها.

في الوقت الذي يبدو للكثيرين أن الأبطال هم من يتوقف عندهم التاريخ ليحول مجراه تحت تأثير سطوة البطل إلا أن ذلك غالبًا لا يكون صحيحًا كل الصحة لأنه أحيانًا مهما أوتي الإنسان من قوة وبعد نظر، لا يستطيع أن يقف أمام عجلة التاريخ التي تأخذ مجراها الطبيعي بقوة بفعل التراكمات التاريخية المتلاحقة.

تنتج النظرة الأحادية غالبًا لتأثير التاريخ أو البطل المنقذ إما لنقص المعلومات أو التحليل السطحي والمبسط للمعلومات المتاحة، وبالتالي يكون الانطباع الذي نخرج به خاطئًا وكذلك النتيجة.

نضرب مثالين تاريخيين في أكثر من مجال لتوضيح الفكرة بشكل أكثر، والمثالين معروفين لكل منا ومجرد ذكر اسمهما يأتي إلى العقل بانطباعات معينة لأن كل منهما نحت اسمه على صخرة التاريخ.

أما أولهما ففي مجال قيادة الأمم وسياسة الدول وهو صلاح الدين الأيوبي، أما الآخر ففي مجال التعبير عن الروح الإنسانية وروح العصر وهو وليام شكسبير.

بالطبع كلنا نعرف من هو صلاح الدين وصفحاته المشرقة في تاريخنا الكبير، فهو القائد المظفر يوسف بن أيوب الذي أعاد كثيرًا من بلاد الشام للعرب وصاحب موقعة حطين الشهيرة ومؤسس الدولة الأيوبية الذي اشتهر بالصلاح والعدل والعلم والجهاد.

معظمنا اليوم يتمنى ظهور شخص كصلاح الدين في أخلاقه وعدله وقيادته في ظل ما يحيط بنا من ظروف اليوم، لكن هل كان صلاح الدين وحده فعلًا هو البطل الذي غيّر مجرى الزمن؟

الحقيقة أن الإجابة هي لا، فصلاح الدين جاء في زمان كانت الأمور والظروف التاريخية معدة ومؤهلة لمجيئه، فمهمة توحيد المسلمين ودولهم وتنظيم دولة المسلمين والعرب قد بدأت قبله بفترة كبيرة في عصر الدولة الزنكية التي مثلت الأساس لما تلى وظهور صلاح الدين، فعماد الدين زنكي ابن مؤسس الدولة الزنكية آق سنقر عزم منذ بداية حكمه على مقاومة الوجود الصليبي بالشام، بتوحيد الصفوف والقضاء على الفرقة بين الولاة المُسلمين الذين تصرفوا في ولاياتهم وكأنها كيان مستقل عن باقي البلاد، بالإضافة إلى الفوضى التي انتشرت في باقي الأقطار الإسلامية آنذاك، مما ساعد على تثبيت أقدام الصليبيين في الشام، كما كان عليه استرجاع الولايات الشامية التي استولى عليها الصليبيون، وكلل عماد الدين زنكي حياته باسترجاع إمارة الرُها «ثاني أهم الإمارات الصليبية بعد بيت المقدس»، ثم جاء من بعده ابنه محمود نور الدين زنكي الملقب بالملك الشهيد الذي سار على نهج أبيه مضافًا إليه النقلة الكبيرة باهتمامه بالتعليم وانتشار كثير من العلماء المعروفين والطلاب في أنحاء دولته الفتية، وقد كان عازمًا الملك الشهيد على تحرير القدس  حتى أنه أمر ببناء منبر ليضعه في المسجد الأقصى بعد أن يقوم بفتح المدينة، وقد صنع هذا المنبر في دمشق ونقل بالفعل إلى القدس بعد فتحها على يد صلاح الدين الأيوبي.

مما سبق يظهر لنا أن صلاح الدين جاء في ظروف تاريخية مواتية وأن المسيرة كانت قد بدأت بالفعل فجاء هو وكللها بانتصاراته وأخلاقه، لكن هل هذا يعني أنه ليس هناك دور لصلاح الدين وإنما جاء دوره كتحصيل حاصل؟

الإجابة لا أيضًا. لقد كانت روحه ومؤهلاته تسمح له أن يكون الشخص المناسب لتلك اللحظة التاريخية، ولقد بذل من الجهد والتعب الشديدين ما أوصله إلى ما نعرفه عنه، فلربما لو لم يكن هناك ذلك الشخص الذي يحمل مؤهلات وحكمة ذلك البطل الهمام، لتفسخت الدولة الإسلامية مرة أخرى تحت ضغط الأمراء الطامعين في السلطة والصليبيين وما تبقى من الدولة الفاطمية، وما كان التاريخ بتلك الصورة التي نعرفها الآن.

خلاصة الأمر هنا أن البطل التاريخي يتأثر بالظروف المحيطة وتعينه تلك الظروف أو تعيقه بأشكال وبمقاييس متنوعة، وربما يكون هو إحدى نتائج التراكمات التاريخية، لكن أيضًا البطل التاريخي له من المؤهلات والقدرات ما يؤهله للظهور في تلك اللحظة الفارقة، وليس ذلك ممكنًا للجميع وربما عدم وجود مثل ذلك البطل يؤخر أو يؤدي إلى ظهور نتائج تاريخية مختلفة عما نعرفه.

في النهاية علينا ألا نبالغ في قدرات ومؤهلات شخص ما على أنه يستطيع أن يفعل المستحيل، وأن نعلم أن الظروف والملابسات المحيطة والتراكمات السابقة لها أبلغ الأثر في النتائج التي يصل إليها، وفي نفس الوقت علينا ألا نبخس الأبطال مكانتهم فهم لديهم من القدرات والمؤهلات ما يجعلهم في المكانة التي يشغلونها.

هل الأمر يتوقف على قادة الأمم وأبطال المعارك، أم أنه يشمل مجالات أخرى من مجالات النشاط الإنساني؟

في المقال القادم نستعرض أحد أعلام الأدب الإنساني، والذي ترك بصمته وهو وليام شكسبير لنرى هل هو عبقرية فذة انبعثت من العدم في إنجلترا إليزابيث، أم أن الظروف التاريخية كان لها دورها فيما وصل إليه؟

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

تاريخ, مجتمع
عرض التعليقات
تحميل المزيد