لطالما شهدت منطقة القرن الأفريقي أشكالًا عدة من حرب النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية التي تتسابق للسيطرة على تلك المنطقة، لما تتمتع به من أهمية جيوستراتيجية كبيرة تجعلها دائمًا محطًّا لأنظار تلك القوى للسيطرة على العالم، وقد شهد عام 2021 مجموعة من التغيرات على المستويين الإقليمي والدولي، والتي تصب في الأخير في تغير شبكة التفاعلات والتوازنات في المنطقة خلال الفترة القادمة. فمن ناحية؛ شهدت نهاية العام تقارب خليجي- تركي، مما ينذر بنهاية شكل من التنافس بين القوتين كان على أشده في منطقة القرن الأفريقي، ومن ناحية أخرى؛ مع صعود بايدن للرئاسة في الولايات المتحدة تصاعدت المحاولات الروسية للسيطرة على المنطقة، في مقابل النشاط الأمريكي المُتصاعد لإدارة بايدن، ونسعى من خلال هذا المقال إلى محاولة فهم مجموع تلك التفاعلات، وتأثيرها في منطقة القرن الأفريقي..
أولًا: التنافس الأمريكي-الروسي وتأثيره على القرن الأفريقي:
على الرغم من تراجُع أفريقيا في أجندة السياسة الخارجية الروسية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وما تسبَّب فيه الغياب الروسي من فراغ استغله لاعبون جُدد خلال العقود الثلاثة الماضية في القارة، إلا أنه مع صعود الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة، حاولت روسيا استعادة نفوذها السياسي بوصفها قوة كبرى في النظام الدولي، تمتلك العديد من المصالح في شتَّى أنحاء العالم، ومنها قارة أفريقيا التي تمتلك أهمية إستراتيجية في النظام الجيوسياسي الدولي، ولطالما كانت منطقة القرن الأفريقي أحد أهم المناطق الإستراتيجية في العالم؛ نظرًا لما تتمتَّع به من موقع جغرافي مميز، وكونها تطل على ممرات مائية مهمة، فضلًا عن احتوائها على العديد من الموارد الطبيعية، وقُربها من مسرح الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، مما جعلها محطَّ أنظار العالم لاسيما القوى الكبرى، ومع تراجع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في القارة في عهد ترامب؛ لانشغالها بتسارع الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وتعقيداتها، واتت روسيا الفرصة للاندفاع نحو أفريقيا، وخلق مناطق نفوذ لها في منطقة القرن الأفريقي؛ بهدف تحقيق وتعزيز مصالحها فيها.
الولايات المتحدة الأمريكية في عهد بايدن:
نظرًا لما تتمتع به منطقة القرن الأفريقي من أهمية كبيرة علي المستويين الاقتصادي والإستراتيجي للقوى الإقليمية والعظمي، تولي الولايات المتحدة المنطقة اهتمامًا كبيرًا كونها تقع ضمن الفضاء الجيوسياسي القريب من مناطق ثقل علاقاتها وتحالفاتها في منطقة الخليج والشرق الأوسط، التي تتواجد فيها قواتها وقواعدها، حيث تتقاطع في المنطقة المصالح الحيوية لإستراتيجيات القوى العالمية، وتُعد قواعد واشنطن بها من أهم القواعد التي ظلت علي الدوام في مرحلة التأهب القصوى، بسبب نشاط بعض القوى الإقليمية كإيران، والدولية كروسيا والصين، وتعتمد الولايات المتحدة في تحركاتها في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر؛ أربعة أهداف رئيسة: أولها: ضمان التفوق البحري والجوي لها ولحفائها.
وثانيها: تأمين طرق التجارة العالمية وناقلات النفط وبضائعها إلي الأسواق العالمية الواعدة في آسيا والمحيط الهادئ.
وثالثها: تجفيف الوجود الإيراني ومحاصرة أي تحركات وليدة تهدد في المستقبل النفوذ الأمريكي.
ورابعها: منع وصول أي نظام سياسي معادٍ للمصالح الأمريكية، ولمَّا أظهرت الحروب في سوريا واليمن وليبيا أن النزاعات التي لم يتم حلها تولِّد إرهابًا عابرًا للحدود، وتثير كوارث إنسانية، وتدفع الهجرة التي تعطل السياسة بعيدًا عن ساحة المعركة، وتصبح ساحات للصراع بالوكالة؛ فبالنظر إلى هذه الدروس، بدأت إدارة بايدن بإعطاء الأولوية لمنع الصراع، بدءًا من القرن الأفريقي؛ حيث تحتاج إدارة بايدن بشكلٍ عاجل إلى تجاوز الانقسامات البيروقراطية بين أفريقيا والشرق الأوسط، وإشراك دول الخليج وتركيا لتحقيق الاستقرار في القرن الأفريقي قبل فوات الأوان.
روسيا ومصالحها في القرن الأفريقي: ترتبط المساعي الروسية بشأن التوجه نحو منطقة القرن الأفريقي بجملة المصالح الرئيسة للروس فيها؛ أولها: المشاركة في احتواء خطر الجماعات والحركات الإرهابية؛ بما لا يهدد مصالحها في المنطقة، وبما يصعِّب من انتقال العناصر الجهادية إليها.
وثانيها: استعادة النفوذ الروسي في المنطقة، وإيجاد موطئ قدم لها في منطقة البحر الأحمر، في ظل تصاعد التنافس الدولي والإقليمي على المنطقة.
وثالثها: تستغل روسيا المنطقة كقاعدة للانطلاق نحو توسيع نفوذها في مناطق أخرى من القارة الأفريقية، باعتبار أن منطقة القرن الأفريقي هي بوابة عبور إلى وسط وجنوب القارة.
ورابعها: المساهمة في تأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر، والمشاركة في حماية مضيق باب المندب، فضلًا عن القرب من الأزمات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
وخامسها: تعزيز التعاون السياسي، والتفاعل مع دول المنطقة، لضمان دعم روسيا في المحافل الدولية بخصوص القضايا والملفات التي تهم الجانب الروسي.
وسادسها: تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية، وتعزيز التجارة الثنائية بين دول المنطقة في مختلف القطاعات.
وسابعها: فتح سوق جديدة في المنطقة، يمكن من خلالها تصدير المنتجات والخدمات والتقنيات الروسية مثل الأسلحة الروسية، وبناء محطات الطاقة النووية، وبناء البنية التحتية، وتكرير النفط وخطوط أنابيب البترول، وإطلاق الأقمار الصناعية.
وثامنها: استغلال الموارد الطبيعية للمنطقة، مثل النفط والغاز الطبيعي، والأراضي الزراعية، والثروة الحيوانية، والمعادن، واليورانيوم.
وفي هذا الإطار هناك عدة معطيات تساعد في التنبؤ بسلوك وسياسات روسيا وأمريكا وتحركاتهما الخارجية، ومن ثَمَّ من المتوقع أن تتبوأ منطقة القرن الأفريقي – وحوض البحر الأحمر على وجه الخصوص – مكانة كبيرة في السياسة الخارجية لكلتا القوتين مستقبلًا، وذلك للمعطيات والتحولات الآتية:
أولًا: بروز ملامح لتشكُّل نظام دولي جديد؛ بسبب التحولات المتسارعة في السياسة الدولية، حيث تراجع القوة الأمريكية، وبروز عالم متعدد الأقطاب تسعى القوى الصاعدة فيه – منها روسيا – لتعظيم فرص نفوذها في مناطق العالم وأقاليمه الحيوية المختلفة، ومنها القرن الأفريقي.
ثانيًا: الحرب الباردة الجديدة؛ حيث يُمكن وصف ما يجري حاليًا بين الغرب وموسكو بأنه إعادة إنتاج للحرب الباردة، فقد بات التنافس اليوم بين القوى الدولية من خلال تكالبها على بعض المناطق الإستراتيجية من العالم، خصوصًا الشرق الأوسط والقرن الأفريقي؛ نظرًا للأهمية الجيوستراتيجية لهاتين المنطقتين بالنسبة لمصالح الدول الكبرى وسياساتها؛ ففي خضم هذه الحرب الباردة الجديدة ستسعى بعض القوى التقليدية إلى المحافظة على مناطق نفوذها، وتسعى دول أخرى إلى الحصول على مناطق نفوذ جديدة، وتسعى دول ثالثة إلى استعادة مكانتها ونفوذها، وهو بالفعل أشبه بحرب باردة جديدة.
ثالثًا؛ الفراغ والتنافس الإقليميين؛ ففي هذين الإقليمين الحيويين – الشرق الأوسط والقرن الأفريقي – هناك تراجع في أدوار القوى الإقليمية التقليدية، لاسيما بعد ثورات الربيع العربي وتداعي النظام الإقليمي العربي في ظل بروز قوى وسياسات إقليمية جديدة كُليًّا على أنقاض النظام القديم، وهو ما شجَّع القوى الكبرى على التكالب نحو هذه المنطقة عبر سياسات العسكرة شديدة الخطورة.
وهكذا يأتي الانخراط الروسي ليسهم في اشتداد التنافس في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر؛ كونها منطقة مزدحمة بالقوى الدولية والإقليمية، كما أنها موطن للقواعد العسكرية لقوى غربية وآسيوية وأمريكية، بالإضافة إلى التنافس الأمريكي الصيني في المنطقة، والتنافس الدولي والإقليمي على الموارد، وبالتالي التواجد الروسي يفتح جبهة جديدة من التنافس الدولي في المنطقة، ومن ثَمَّ، ففي ظل مسارعة الجانب الروسي إلى الانخراط في قضايا المنطقة، وتعزيز علاقاتها بدولها، يُمثِّل التوجه الروسي نحو المنطقة عبئًا إضافيًّا عليها في إطار تعدُّد الأطراف الدولية والإقليمية، وتضارب المصالح والأجندات في القرن الأفريقي، بما يُعقِّد بيئة التفاعلات في المنطقة، التي تنعكس على مصالح الجميع فيها؛ ولذا هناك موجة من التوجُّس لدى الدوائر الغربية من المساعي الروسية للعودة إلى منطقة القرن الأفريقي؛ لعدة أسباب؛ تتمثل أبرزها في التخوف من تكتُّل روسي صيني في المنطقة، وما يمكن أن يترتب عليه من إقامة شراكة بين روسيا والصين على حساب المصالح الغربية في القارة الأفريقية؛ بحيث يكمِّل بعضهما بعضًا، سواءً في إطار تجمع البريكس أم الاتفاقيات الثنائية الروسية الصينية، وفي مجلس الأمن الدولي أيضًا، كما يُمكن لروسيا استغلال بعض القوى الإقليمية المتمركزة في المنطقة كبوابة لتوطيد وتطوير علاقاتها مع بعض دول المنطقة؛ مثل تركيا، التي تتواجد بشكل جيد في دول مثل الصومال وجيبوتي، والسودان وإثيوبيا؛ ومن ثمَّ فمن غير المُحتمل أن يتغير نهج روسيا الانتهازي في المنطقة، إذ إنها ترغب في تنظيم مشاركتها في حل التحديات الأمنية العديدة في القرن الأفريقي، فضلًا عن استمرار بيع الأسلحة وإقامة القواعد العسكرية. ومع ذلك، فمن المحتمل أن تتأثر سياستها في المنطقة بتكثيف التوترات بين روسيا والقوى الغربية لاسيما فرنسا والولايات المتحدة، فضلًا عن انعكاسات التوسع في نفوذ روسيا بالشرق الأوسط، وقدرتها على تخصيص موارد لتعزيز قدرتها على خلق موطئ قدم لها والتغلب على القيود التي فرضها عليها شركاؤها في الشرق الأوسط، كما أنه من غير المُحتمل أن تتراجع أمريكا-بايدن عن الانخراط في أزمات القرن الأفريقي، ولعب دور الشريك صاحب النفوذ عبر مبعوث بايدن للقرن الأفريقي، والذي ظهر في العديد من أزمات المنطقة خلال العام.
ثانيًا: التقارب الخليجي-التركي وتأثيره على القرن الأفريقي:
نمت مشاركة دول الخليج في القرن الأفريقي بشكلٍ كبير خلال العقد الماضي، لتصبح نقطة ساخنة أخرى في الصراع الإقليمي، ومع احتدام السباق الدولي في المحيط الهندي، كانت دول الخليج حريصةً على تأمين مصالحها الخاصة، وهكذا صارت منطقة القرن الأفريقي وشمال أفريقيا ساحة للتنافس بين المحورين؛ التركي القطري، والإماراتي السعودي؛ فمن ناحية يُشكِّل القرن الأفريقي ساحة أخرى مثل ليبيا وتونس تسعى فيها تركيا وقطر إلى تعزيز نفوذهم، ومن ناحية أخرى؛ عملت السعودية والإمارات بنشاط في إريتريا وإثيوبيا وأرض الصومال والسودان لمواجهة المحور التركي القطري، ولطالما أدى التنافس بين المحورين إلى توترات سياسية في المنطقة، حتى برزت مؤخرًا محاولات التقارب بينهما.
دوافع الطرفين للتقارب:
تتمثَّل دوافع هذا التقارب في عدة ملفات ستتأثر إيجابًا، من بينها الأزمة السورية والخلافات في شرق المتوسط وليبيا؛ فتركيا تتهم الإمارات بمساندة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات الحماية الكردية في شمال شرق سوريا بالمال والسلاح والتعاون الاستخباراتي، كما تتهمها بالتحالف مع اليونان وقبرص ضد توجهات أنقرة في البحر المتوسط، وبدعم قوات القائد العسكري خليفة حفتر في شرق ليبيا؛ كما أن أنقرة تريد من الإمارات دعمًا اقتصاديًّا وأن توقف أبو ظبي دعمها للمسلحين الأكراد في سوريا، وأن تساند تركيا في مطالبها بالحصول على حصة من الغاز ومصادر الطاقة في شرق المتوسط، وأن تتوصلا إلى تفاهمات حول ملفات شائكة في ليبيا واليمن. وفي المقابل؛ تسعى أبو ظبي إلى شراء حصص في مشاريع تركية وإنشاء شراكات إستراتيجية – كما حدث مع قطر – لاسيما في مشروع قناة إسطنبول الجديدة، والذي سيربط بين بحر مرمرة والبحر الأسود؛ هذا فضلًا عن رغبتها بشراء بنوك وحصص في البورصة التركية، وكذلك إبداء رغبة في تأسيس شراكات قوية تدعم قطاع الصناعات الدفاعية التركية، الذي شهد نموًّا كبيرًا في السنوات الأخيرة، تحديدًا في قطاع تصنيع الطائرات المسيرة، كذلك يبدو أن فتور العلاقات الخليجية-الأمريكية في ظل إدارة جو بايدن، وتوجهات واشنطن الواضحة للانسحاب من المنطقة، بجانب التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجهها دول الخليج في ظل ما تراه تلك الدول «تهديدًا إيرانيًّا متصاعدًا»، ورفض شركات السلاح الأوروبية إبرام صفقات جيدة مع أبو ظبي بسبب تورطها في حرب اليمن، كل هذا جعل من تركيا وسيطًا يمكن الاستناد إليه في التوصل إلى مقاربات تخفف من خطر وقوع مواجهة مع طهران.
تأثير التقارب على القرن الأفريقي: في الوقت الذي تسعى فيه تركيا وقطر الآن إلى التقارب مع مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، قد يحصل القرن الأفريقي على فترة راحة من التنافس بين المحورين، وفي حين أن المصالح والأيديولوجيات المتضاربة لا تزال تُشكِّل الديناميات في القرن الأفريقي، فقد أدى انتخاب جو بايدن رئيسًا إلى إعادة تقويم للسياسات المصرية والخليجية والتركية تجاه المنطقة، مما أدى إلى محاولات مختلفة لإصلاح العلاقات بين الكتل المتعارضة، وأثار تعهُّد بايدن باتباع سياسة خارجية تركز على حقوق الإنسان مخاوف من أنهم قد يصبحون أهدافًا لغضب واشنطن، كما أدى وعد بايدن باستعادة الاتفاق النووي الإيراني إلى خلق حالة من عدم اليقين، مما أدى إلى إزاحة المحورين لبعض خلافاتهما العالقة في الوقت الحالي، والمُتوقع في ظل المفاوضات النووية الجديدة بين واشنطن وطهران أن تستعيد إيران رضا ومباركة إدارة بايدن لدورها وحضورها الإقليمي، وبالتالي تدرك تركيا ودول الخليج ضرورة تحسين علاقاتها في أقرب وقت، وثمَّة عامل آخر مهم، وهو وجود علاقات ومصالح وثيقة لكل دولة مع أطراف أخرى تدخل مع هذه المجموعة في نزاعات أو توترات؛ مثلًا لكلٍّ من تركيا والسعودية والإمارات علاقات قوية مع إثيوبيا، بينما تملك تركيا نفوذًا ودورًا كبيرًا في القرن الأفريقي خصوصًا الصومال.
وفي ضوء المعطيات الراهنة، يُمكن توقُّع أن تخف حدة التنافس على المصالح والنفوذ في أفريقيا ليس فقط بين تركيا ومصر وبعض دول الخليج، لكن أيضًا حتى فيما بين دول الخليج وبعضها بعضًا، وذلك على وقع انشغال أبو ظبي والرياض بما تعدانه خطرًا إيرانيًّا متزايدًا؛ فهذه الدول يمكنها التعاون أكثر من الصدام، وهذا بدوره سيُخفِّف من حدة التنافس بينها في القرن الأفريقي، حتى من الممكن أن تلعب أنقرة دورًا كبيرًا في الوساطة بين السودان وإثيوبيا بمباركة مصرية في حال حلحلة الخلافات بينهما، وعلى الرغم من كون مدى تأثير مناخ الانفراج على القرن غير مؤكد، فإن الهدوء النسبي يوفر فرصة لواشنطن لتولِّي القيادة ومنع هذا النوع من التنافس العنيف بين المحورين الذي ثبت أنه كارثي في سوريا وليبيا.
الخُلاصة
يتضح من العرض السابق مدى قوة المنافسة بين القوى الإقليمية والدولية في القرن الأفريقي، وكذلك مدى تأثير تلك المنافسة في استقرار الدول محل هذا التنافس؛ ومن ثمَّ فإن تقارب الطرفين التركي والإماراتي؛ سيؤدي بدوره إلى تهدئة التنافس بينهما في تلك المنطقة، وانصرافهما نحو ملفات أخرى كانت قد تأثَّرت أثناء فترة القطيعة بين الطرفين، مثل ملفات سوريا وليبيا وغاز المتوسط، ويأتي بالتزامن مع هذا الهدوء المُرجَّح من الجانبين التركي والإماراتي؛ نشاط أمريكي مُتصاعد في المنطقة، والتي توليها إدارة بايدن أهمية كبيرة، ظهرت في تعيين مبعوث أمريكي خاص بها، والاهتمام الأمريكي بالملفات الساخنة فيها خلال الفترة الماضية، مثل حرب التيجراي في إثيوبيا، وانقلاب البرهان في السودان، وغيرها من الملفات؛ كما يأتي أيضًا بالتزامن مع صعود روسي في المنطقة، تمثَّل مؤخرًا في التقارب الإثيوبي الروسي، مع نشاط روسي في أماكن أخرى من القارة مثل أفريقيا الوسطى ومالي وتشاد، كل هذا يصب في الأخير في صعود التنافس الروسي-الأمريكي في منطقة القرن الأفريقي على حساب التنافس التركي-الإماراتي، في حالة نجاح جهود التقارب بين البلدين.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست