في السنوات السابقة تصدرت أخبار محمد دحلان القيادي السابق في منظمة فتح الفلسطينية المشهد الأردني، اتهم بالتورط بالكثير من الملفات ما قبل وبعد هروبه إلى أحد الدول الخليجية التي احتضنته كأداة متقدمة لمشاريعها. قوائم من الصحافيين، والكتاب، والنواب، والمواقع الإخبارية تتبع له، تقدم المشاريع والقوانين لتسليس حركته، لأهداف ظاهرها وطني وباطنها إقليمي، يمس الأمن الوجودي للدولة الأردنية، ويخدم مشروع إسرائيل، الضامن لهوديتها.
هذا المشروع انطلق مع افتعال الانقلاب على محمود عباس وبداية نيران الربيع العربي عام 2011، ليتضخم، بعد أن أوُجدت له قنوات مالية ضخمة تؤمن بالأهداف دون السؤال عن التكلفة.
فادي السلامين
كان فادي السلامين شابًا ذكيًا جدًا، لفت أنظار – خريج جامعة جونز هوبكنز للعلاقات الدولية – الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وبات قريبًا من القيادات الفلسطينية، رغم حداثة سنة.
بعد رحيل عرفات ابتُعث الشاب بواسطة منحة مقدمة من الولايات المتحدة، كان حينها من رجل تابع لدحلان، لكن الخلافات اشتعلت بين الاثنين بعد اشتداد عود السلامين مع بداية الربيع العربي، أي أن السلامين اتخذ دحلان مطية للوصول إلى أهدافه، في عين اللحظة التي أعلن فيها الانقلاب على محمود عباس، أظهر الشاب ميولًا صُهيونية إسرائيلية – يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأمريكية – وبات يُشكل سَهمًا حادًا مُصوبًا تجاههما، بهدف تشكيل تيار شبابي جديد مناوئ لهما، يتخذ من الولايات المتحدة منصة صلبة لمواجهتهم.
قبل ذلك كان السلامين مخلب قط وسمسارًا تابعًا لمحمد دحلان في الداخل الفلسطيني، البعض يعتقد أنه ما زال على مساره، وهذا عارٍ عن الصحة، فالأخير لا يطيقه، ربما لأن السلامين يرى نفسه أكبر من دحلان والأقرب إلى تحقيق الأحلام الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة.
صناعة البديل
قُدم الرجل في المحافل الدولية كفلسطيني مُدافعًا عن حقوق الشعب، وضد فساد منظمة فتح وقيادتها، استقبلته الصَحافة الإسرائيلية والأمريكية بحفاوة، كأحد بذور عملية السلام، ما شكل قَلقًا للقيادات الفلسطينية، خصوصًا مع دخوله على خط بيع أراضي القدس ومحيط المسجد الأقصى – عقار جودة – لصالح دولة خليجية عربية، ما فتح الباب على مصراعيه للحديث عن محاولات إنهاء الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، كان هذا قُبيل الذهاب بعيدًا عن مسار دحلان.
إلى هنا لم تنته القصة، بدأ السلامين محاولاته لقصقصة أجنحة محمد دحلان، فتواصل مع المعارضة الأردنية في أمريكا، في سنوات 2011 – 2014 وعقد معها اجتماعات، كفلسطيني، لكنها اكتشفت اللعبة – في أحد الجلسات في أمريكا قال لي صديقي الراحل تفاصيل اللقاءات في واشنطن، وكيف تهربوا منها؛ لأنها تمثل إساءة لهم وللدولة الأردنية – الهدف منها ليس إلا تشكيل جبهة مضادة تستهدف محمد دحلان في الداخل الأردني.
الأردن يشكل قاعدة متقدمة لحراك دحلان، وبتالي قَد تُمكن السلامين من تحطيمه، باستخدام أدواته، قبل أن يصل إلى أهدافه، المُتعلقه بإقناع الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة استبدال الوجوه لتحقيق الأهداف، هذه الأهداف تضخمت مع بدء رئاسة دونالد ترامب وطاقمه، إذ كانت الأفكار المطروحة، تقدم السلامين لخوض الانتخابات الفلسطينية كَوجه شاب، ما يعني دخوله في منافسة علنية ضد عرابه محمد دحلان.
الداخل الأردني
صار الأردن ساحة لتحطيم كل شيء يقف ضدهما، استطاع فادي السلامين اجتذاب عدد من المحسوبين على محمد دحلان فَاشتعل الأخير غَضبًا. كلا الطرفين يعُد العُدة للآخر، ويقود حِراكًا يسندهُ بصحافيين، وكتابٍ، وساسةٍ، ومواقعٍ إخباريةٍ، بَعضهم بمنهجية، بعضهم مدفوع الأجر، وبعضهم بسذاجة، هذه الأدوات المدفوعة الثمن، تظهُر تلبس قميص يوسف، تقدم خدمات جليلة للدولة الأردنية، فيما هي تشكل خناجر مسمومة، تستخدم الأردن كمنصة للإكمال على ما تبقى من فلسطين، لصالح مشروع التذويب والتهجير الضامن للسيادة والاستبداد على الأرض، ما يعني إنهاء الوجود الأردني والفلسطيني من التاريخ، إرضاء لمشاريع العملاء وسادتهم!
يعبث كلا الرجلين الآن بالداخل الأردني، ترى ظلالهم في الانتخابات النيابية والبلدية والنقابات، تراهم في سطور وإعداد البرامج الإعلامية والصحافية وفي تصريحات بعض الوزراء والنواب، وعبر بعض المواقع الإخبارية، بل زاد الأمر سوءًا إذ يتدخلان فيما يُعتبر شأنًا أردنيًا خالصًا مثل: ولاية العهد، وزيادة الأمير الحسين إلى القدس، الوصاية الأردنية على المقدسات، والعلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة.
وكأنما يبحثان عن إجبار الدولة على دعم تيار ضد آخر، لتسهيل الفوز بجائزة العميل الأجدر، ومواجهة السيد محمود عباس، المتهم من قِبلهما بتدمير القضية الفسطينية بواسطة التبعية لإسرائيل!
أذناب إسرائيل
وعليه إلى متى تصمت أجهزة الدولة على الفوضى الناتجة على يد هؤلاء؟ ألم يئن الأوان لقطع يد من يهدد أمن وسلامة الأردن وطنًا وشعبًا وقيادة، في ظل ظروف خطرة لا يمكن التفريط بها، تدعو للتكاتف لا التناكف، والارتقاء لا الإقصاء، وتبريد الأجواء لا إشعال الصراع الدخاني!
فالعدو للأردن إسرائيل وأذنابها، لا الحراك أو المعارضة الأردنية، والتهديد الذي يتأتى من إسرائيل قائم على التهجير، وأحد أدواته إيجاد قيادات فلسطينية تؤمن وتُسرع الهدف، وهو ما يشكل تهديدًا وجوديًا على الأردن.
وعليه فادي السلامين لا يقل خطرًا عن محمد دحلان، ومكافحته وتحديد وحصر تحركاته، أولى من توجيه نيران الدولة نحو معارضة الداخل والخارج، خصوصًا بعدما أضحى الشاب خزنة مالية لحق بها الكثير، إضافة إلى بعض الرموز المحسوبين على محمد دحلان، واللذان يشكلان قطبي جذب لصحافة موجهة تعمل على نخر الداخل بواسطة إنتاج قضايا جدلية فوضوية، تُخلق لتمرير أفكار وتسريب معلومات وشراء ذمم، تصب في صالح هذا التيار أو ذاك. نعم إسرائيل، العدو التاريخي للأردن، لكن قتل خيولها ضرورة للبقاء.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست