للحروب والنزاعات الإقليمية تكلفتها الإنسانية باهظة الثمن، والتي غالبًا ما يدفع المدنيون فاتورتها لسنوات وأجيال لاحقة وتُجَابه المجتمعات التي يروح في رحاها الاقتتال بين الأطراف المتناحرة بأكثر صنوف المعاناة الإنسانية التي قلما تمحوها مشاريع الإعمار اللاحقة لاتفاقيات السلام. وبما أن القانون الدولي الإنساني وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة 1949 الخاص بحماية المدنيين في فترات أوقات النزاعات المسلحة قد ألزم الدول الموقعة عليه بضرورة وضع كل الاحتياطات لضمان سلامة المدنيين في الحروب، إلا أن هذه الالتزامات يصبح صعب الإيفاء بها وغير فعالة في خضم الاندفاع القتالي.
فخلال 15 يومًا منذ إطلاق التحالف العربي لحملاته في اليمن أصدرت الحركة الدولية للهلال والصليب الأحمر الدوليين نداءين لوقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة، بغية إيصال المساعدات الطبية للمستشفيات فوفقًا لبيان صحفي للصليب الأحمر واليونيسف حسب صحيفة المشهد اليمنية فإنه قد قتل “74 طفلًا” في القتال المستمر في مناطق مختلفة من اليمن. وقصفت المستشفيات واحتل المقاتلون المدارس. ويهدد نقص الوقود بتعطيل برامج تطعيم الأطفال التي تتطلب حفظ اللقاحات في ثلاجات. كما توقف توزيع المساعدات المالية من جانب الحكومة على الثلث الفقير من السكان. وفي الوقت نفسه ارتفعت تكلفة المياه حيث صار تشغيل المضخات لجلب المياه أكثر تكلفة.
وزادت أسعار المواد الغذائية الشحيحة مع تراجع دخول الناس. ومن بين تداعيات النزوح الكبير للناس والأسر من المدن الأكثر تعرضًا للدمار تدهور الوضع الصحي واحتمال انتشار الأمراض. وكان من المحتمل أن تصل إلى صنعاء شحنة من الإمدادات الطبية وفرتها اللجنة الدولية لعلاج ما بين 700 و1000 مصاب يوم الثلاثاء قادمة جوًا لتوزيعها على المستشفيات في جميع أنحاء البلاد التي تعاني من عجز في الإمكانيات الطبية اللازمة لعلاج جرحى الحرب.
وقد حزرت الممثّلة العليا لنائب رئيس المفوّضية الأوروبية، فيدريكا موغريني، ومفوّض المساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات كريستوس ستيليانيدس بالمفوضيه الاروبيه، من أن تداعيات القتال الدائر بين الميليشيات المختلفة، والقصف، وانقطاع الخدمات الأساسية عن المدنيين وخصوصاً الأطفال في اليمن،» وصلت إلى مستويات مخيفة مع تفاقم الوضع الإنساني السيئ أصلاً «وقد أشار تقرير صادر من مكتب منظمه الهجرة أن الأٌسر التي اخلت منازلها في صعداء وصنعاء بلغت 1,846 في مجتمعات مضيفه وفي ظل اوضاع صحية غير مواتيه.
وقد أجلت عدد من الدول كباكستان، الصين، الهند، السودان، الجزائر والدول الغربية رعاياها من اليمن الذين بلغوا 14,000 منذ انطلاق الضربات الجوية ولكن تبقى مأساة أخرى تلوح في الأفق تواجه بعض الجنسيات الأخرى من اللاجئين الصوماليين والإثيوبيين فوفقًا للحكومة اليمنية فإن أعداد اللاجئين والمهاجرين القادمين من الصومال وإثيوبيا وإريتريا يقدرون بمليون ومائتي ألف لاجئ، في حين تشير إحصائيات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن عدد المسجلين في كشوفها يبلغ 242 ألف لاجئ، غالبيتهم من الصوماليين. يواجه هؤلاء اللاجئين والمهاجرين أوضاعًا كارثية حيث يفتقدون للحماية الدولية ولنجاعة الحلول المؤقتة.
وقد تؤدي الحرب المستمرة وغير المحددة بجداول زمنية لتفاقم الوضع الإنساني في دولة تعاني أصلًا من ضعف هيكلي في الخدمات الأساسية فسكانه الذين يتجاوزون الـ 25 مليون نسمة يعاني 10% منهم نقصًا حادًا في الغذاء حسب منظمة الأغذية العالمية، ووفقًا للمدير القطري لاكسفام باليمن فإن الوضع الإنساني كان سيئًا قبيل الحرب، فإن 16 مليون يمنيا يحتاجون للمساعدات الإنسانية، 9 ملايين منهم في حاجة للخدمات الصحية و13 مليونا ليس لديهم فرص للحصول على المياه النقية.
وقد ذكرت بريا جيكوب، القائمة بأعمال المدير القطري لمنظمة إنقاذ الطفولة، لخدمه (ايرين) إلى أن أكثر من 60 بالمائة من سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات. وأضافت جيكوب أن 850,000 طفلا يعانون من سوء التغذية الحاد، وتعاني نسبة صادمة تصل إلى 41 بالمائة من الأطفال اليمنيين من التقزم في أفقر بلد عربي. وقد زكر لمقرر الخاص للأمم المتحدة تشالوكا بياني لحدوث “نزوح هائل وأزمة إنسانية”، قائلاً إن “على المجتمع الدولي الاستعداد لأسوأ السيناريوهات”. ، كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من أن عدداً لا يحصى من المدنيين يواجهون البؤس وسط التدهور السريع للوضع الأمني وتفاقم الأزمات الإنسانية.
كيفية الخروج من المأزق الإنساني
التدخل الإنساني في مثل هذه الأوضاع يشكل عبئًا قانونيًا للصراع اليمني. حيث أن الوضع الأمني الحالي ربما لا يسمح بتقديم مساعدات إنسانية بشكل منهجي على الأقل في الوقت الراهن. فإقامة المعسكرات للنازحين يتطلب مساحة آمنة ومنطقة معزولة السلاح وهذا ربما لا يتوفر حاليًا، ووفق ما رشحت الأخبار فإن هنالك أكثر من 100,000 نازح من صنعاء وعدن. تكمن المعضلة في أن اليمن ليست كسوريا من حيث البنى التحتية والمجتمعات المضيفة ولا هي كأفريقيا الوسطى من حيث فعالية المنظمات الدولية والمكونات المحلية، يبقى السؤال كيف يمكن أن يوفر المجتمع الدولي والإقليمي العون الإنساني اللازم لتغطية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة والمتفاقمة وهل يمكنه أن يراعي المعايير الدنيا في مجال الاستجابة الإنسانية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست