الجهل وفيروس الكورونا

إن أكثر الموضوعات التي تجعل المجتمع يعاني بشكل كبير وتمثل من أهم محاور الدراسة في العلوم الإنسانية والنفسية والاجتماعية هي مشكلة الجهل. كتعريف صغير للجهل نقول هو نقص المعرفة والمعلومات. وكلمة جاهل هي وصف للشخص الذي يكون في حالة عدم علم، ويمكن أن تصف أيضًا الأفراد الذين يتجاهلون عن قصد معلومات أو حقائق مهمة. تختلف أنواع الجهل، ولكن من أكثر الأنواع أهمية هي الجهل المرتبط بالثقة، أو ما يسمى بالجاهل الواثق ويمكن تعريفها أنها الذي يمكن أن يشمل أشخاصًا قاموا بأعمال خطيرة لم تكن لديهم المهارات اللازمة لها أو لم يلتزموا بتعليمات معينة ونتج عن تجاهلهم حدوث مشاكل كثيرة لهم وللمجتمع يمكن أن تصنف من المشاكل النفسية. فالإنسان الذي يتجاهل تعليمات وتصريحات في مصلحته ما هو إلى شخص يمتلك اختلالات نفسية كبيرة ممكن أن  يكون أساسها البيئة أو المجتمع ككل أو حتى لأسباب أعمق.

المشكلة الأساسية التي تواجهنا أن الجهل في كثير من الأحيان يشبه إلى حد كبير الخبرة. فالثقة الزائدة هي التي تزرع فيك الشك. إن كان فعلًا هذا الإنسان جاهلًا أم عالمًا على غير الطبيعي فإن من المفروض أن يسبب الجهل الكثير من التشوش والحيرة، ولكن في العديد من الحالات لا يترك الجهل أو عدم الكفاءة هؤلاء الأشخاص مشوشين أو مضطربين أو حذرين. بدلًا عن ذلك يتمتع غير الكفء والجاهل في كثير من الأحيان بثقة غير مناسبة يتم الإحساس بها من خلال شيء يشعر به يشبه المعرفة. بالنسبة له إن الطريقة التقليدية في تعريف الجهل الذي يمثل – غياب المعرفة – تقود إلى التفكير في التعليم كمضاد طبيعي للجهل، لكن التعليم يمكن أن ينتج ثقة غير صحيحة لدى الأشخاص، ولا يمثل طوق نجاة لهم من الجهل ومن الصعب في كثير من الأحيان أن تمس المعتقدات المقدسة عند الناس أو أن تصفها بمعتقدات جهل.

يمكن أن نستشعر هذا النوع من الجهل أو التجاهل خاصة في الأوقات التي تتطلب الحذر تتطلب والوعي ومثل هذا الوضع هو المناسب للإسقاط. ففيروس «كورونا» أو «كوفيد – 19» الذي أدى الى استنفار كبير من قبل الجميع حول العالم بحيث إن هناك دولًا تقوم بإعلان حالة طوارئ وأخرى تضع حظرًا للتجول، وأخرى تقوم بحجر صحي لمدن بأكملها. على الرغم من أن إجراءات المسؤولين العرب لم تقل عن الإجراءات العالمية، إلا في بعض الحالات الاستثنائية التي تبدو فيها بعض الأنظمة العربية أقل حزمًا في الوقت الذي يجب أن تكون قراراتهم أكثر شدة. هناك بعض المسؤوليين لم يتطرقوا للإجراءات اللازمة، ويقابله أيضًا تجاهل واستهزاء من قبل المواطنين؛ ما يجعلنا نحتار في سبب هذا الاستهتار في الوقت الذي يجب على الكل البقاء في منازلهم واتباع الإجراءات اللازمة للحفاظ على سلامتهم وصحتهم.

نجد الكثير من الأمثلة من الجهل المجتمعي مثل الجزائر التي إلى الآن تعج شوارعها بالمواطنين وتسير الحياة فيها بشكل طبيعي، وبالعكس هناك أيضًا تجمعات ضخمة كالحراك السابق يوم الجمعة الذي لاقى الكثير من الانتقادات من مختلف الجهات. مثل هذه التجمعات من الممكن أن تكون المصدر الأساسي لتفشي وانتشار الفيروس، ولا يمكننا أن نرى كل هذه التصرفات، ولا نربطها بالجهل. فجهل هذه الطبقة من المجتمع تجعلها تثق في فكرة أن تصرفاتها صحيحة، بل هي تربطها بأشياء أخرى وتربطها حتى بالسلطة، وكثير منهم يصرحون وبكل ثقة أن فيروس «كورونا» ما هو إلا سياسة من الحكومة للحد من الحراك وإيقافه، مع أنه لحد الآن لم يصرح أي مسؤول بمنع الحراك، بل فقط اكتفوا بالتحذير من خطورة التجمعات، وآخر هذه القرارات اليوم 17 مارس (أذار)، حيث تم الإعلان عن منع الصلاة في المساجد واستبدال بها الصلاة في المنازل مؤقتًا، وكل هذه الإجراءات لم تحرك ساكنًا في هذه الفئة.

على الرغم من الدور الكبير الذي تلعبه القنوات الإعلامية لنشر الوعي وحتى صفحات التواصل الاجتماعي لا نزال نرى الكثير من مناظر لا يمكن أن نصفها إلا بالمثيرة للشفقة والخوف والحيرة. فالجاهل الواثق كما ذكرنا سابقًا هو الذي يتبع أهواءه دون الاهتمام بالإجراءات اللازمة، وجهله هذا من الممكن أن يسبب الكثير من الأضرار له كفرد وللمجتمع، في حين أن الكثير من الأفراد ينتقدون تقصير المسؤولين.

فالإجراءات اللازمة لإغلاق المطارات وكل المنافذ البحرية بشكل تام لم يتم تطبيقها لحد الآن بما أن هذا الغلق يعتبر هو السبيل لعزل الدولة وتفادي إصابة أعداد أكبر بما أن لحد الآن كل الإصابات أو مصادر الفيروس هم المغتربون، ومع هذا فإن عدد المصابين يتزايد في الجزائر يومًا بعد يوم، وهذا يقابله العجز في الموارد والإمكانات المادية والصحية لحماية الطاقم الطبي أولًا، وأيضًا عجز حتى في التكفل بالمصابين مستقبلًا.. لا قدر الله. ما هو مصير هذا الجهل الذي يغلب على تصرفات بعض الجزائريين؟ وهل ستكون هناك إجراءات أكثر حزمًا وشدة من قبل الحكومة الجزائرية؟

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

الجهل, كورونا

المصادر

تحميل المزيد