يمكنني أن أحدد مفهوم النوازل الفقهية بأنه: علم يبحث في المسائل الجديدة، وهي عبارة عن مشكلات معاصرة، تتميز بالتعقيد والتشابك، وتعترض المسلم في حياته اليومية، فيتصدى لها العلماء المجتهدون ببيان حكمها الشرعي، بناء على قواعد وأصول وضوابط يستقونها من الفقه الإسلامي.
مما لا شك فيه أن أحكام النوازل في المجتمع الإسلامي كانت في غالبها وليدة الحاجات والظروف والملابسات الواقعية، وربطت بين الفقه وأصوله، وعقدت الصلة بين الحكم وتطبيقه، وأعطت للدين عمومه وسعته، وللتشريع شموله وصلاحيته في سياسة الناس وترشيد البشرية، وأبرزت للإسلام صفاءه وقدرته على القيادة الحكمية.
وقد تنبه العلماء إلى خطورة هذا المنصب وحذروا من عواقبه، وشددوا على ضرورة الاتصاف بالشروط والصفات اللازمة، والتي من جملتها: أن يكون المشتغل بهذا التخصص عارفـًا بأحوال الناس وعاداتهم وأعرافهم وخصوصياتهم في مختلف الميادين، عالمًا بما يجري به عملهم.
وفي السياق نفسه نجد الشاطبي يؤكد ويلح على هذا الشرط بمعرفة أحوال المجتمع وأعرافه، ويعتبر هذه المعرفة من أهم الأدوات والشروط التي يحتاجها الفقيه الذي يصدر الأحكام في الفتاوى ويبحث عن تكليفاتها الفقهية، حيث يقول:
«المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيم يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم ميلاً إلى طرف الانحلال، والدليل على صحة هذا أنه الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة، فإنه قد مر أن مقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين خرج عن قصد الشارع.»
ويؤكد أحد الباحثين المعنى نفسه مبينًا-على ضوء ما توصل إليه من خلال تتبعه لكتب النوازل الأندلسية-أهمية النظر إلى الملابسات والمعطيات الاجتماعية عند النوازلي، والتي تعطي لأحكامه تجددًا وحركية مستمرة، وذلك حينما قال: «قد وجدت حضور هذا الحس الواقعي في تراث فقه نوازل أهل الأندلس، وكنت وأنا أتتبع فصول بعض المدونات، وكأنني أمام مجتمع يتحرك ويتفاعل، ولا يزال ينبض بالحياة، وتلك هي الحجة الدامغة في أن الفقه الإسلامي لم يكن ليقبل التحجر والجمود، ولم يكن فقهاؤه ليرضوا بالانحسار والركود إلا ما شذ، وقليل ما هم.»
ومن هنا يمكن القول إن مادة النوازل الفقهية تعد مرآة حقيقية تعكس أوضاع المجتمع الإسلامي، وما كان يعتريه من قضايا تتعلق بميادين مختلفة، اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا…، وهي مهمات تضافرت بشأنها هياكل القضاء والشورى وشؤون الحسبة في انسجام محكم، جعل كلمة الفصل في المسائل كلها تعود للفقيه، وكانت مؤسسة الفقيه هي الحل والعقد، وإليها المفزع أولاً وأخيرًا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست